الجذّاب
تاريخ النشر: 28/10/16 | 0:40لم ينس ذاك الشاب تلك التفاصيل بدقة لا متناهية، غرفة ضيقة لا تتسع سوى لشخص واحد، دهان رمادي باهت، بقع صفراء تنمق جدران الغرف، تخت خشبي يترنح، يغطيه بشرشف أحمر، صديقته الفاتنة دائما ما تفاجأه بملابسها الأنيقة، تصر أن يرتدي على الموضة، ويجاريها، حتى أنها كانت تبتاع له كل أسبوع بعض القمصان الفاخرة وتعلقها في خزانته ذات اأبواب المخلّعة .
لم ينس ذاك الشاب تلك الليلة الغريبة في حياته، حينما أطفأ مبكرا كل الأضواء في منزله المتواضع والمنعزل بين الأشجار، بعيدا عن باقي البيوت، غفا في تلك الليلة، وكان يسمع أصوات طرق على الباب بصوت خفيف يسمع، وينطق من؟ لم يكن أحد يردّ، بعد دقائق معدودة، وبصرخة أكبر، قال من هناك على الباب ؟ لا ردّ، إنسل من تحت لحافه بهدوء وجلا من صوته الغريب، خطا على رؤوس أصابعه، وصل للباب، ونطقَ من هناك؟ أهي أنتِ يا ناتاشا؟ لا ، أنا مهيرة، ألست نائم، ردّ لا، فقالت مهيرة للشاب افتح الباب هناك أمر مستعجل لا يحتمل التأخير! فرد من خلف الباب وما هو؟ افتح الآن وستعلم ما هو.
مقهقهة أنجيلا بصوت عالٍ لا شيء، لكن أريد أن اقضي معك لبرهة من الزمن، استغرب ذاك الشابّ وقال لها: ألا تدرين يا مهيرة بأن الساعة الآن الثالثة فجرا وأنا مرهقٌ، فردت وماذا لو، ودنت منه أكثر، وبدأت تتتلمس منه وهو يحاول الهروب من نظراتها المخيفة، التي كانت تأكله أكلا، نطقَ ألا يجب أن تنصرفي للنوم يا مهيرة!، لم تردّ عليه، لكنها قالتْ أتدري أنكَ جذأب؟ فحينها وقعت عليه كلماتها كالصاعقة، لم تتركه يردّ عليها، كل بنات الجامعة يتحدثن بذلك، لم يدر الشاب بم يردّ عليها، تحرك قليلا وحاول التملص منها، هي تصغره بأعوام قليلة، هو لم يعلم حقا ماذا تبغي منه، وما هي إلا لحظات حتى فردت مهيرة شعرها الطويل وتركته ينساب بكل أريحية على محياه الناعس، إن ذلك الإحساس مقرف، أمسكته مرة أخرى وحضنته ثم تكلّمت بصوت خافت أنت لست قبيحا ولهذا أنا هنا، إنها ترعبه كثيرا، أمسكته بغتة وقذفته إلى التخت الخشبيّ، فتحطمت أحد أُرجل التخت، لم يدر كيف رقدَ تلك الليلة، لم يستيقظ الا على صوت صديقه سمير، الذي كان ينادي تأخرت يا صديقي انهض من نومكِ، شرب قهوته ورجع إلى حجرته، تدثر جيدا، فالأفكار تتصارع في ذهنه منذ يوم أمس وهي ترافقه، فلم يكن الوقت وقت مزاح كما كنا نفعل، ثم هبط إلى عقله السؤال فجأة هل أنا جذّاب؟ لقد بوستني والدتي يوم وداعي، هل لأنني جذأب؟ وماذا في ذلك، إنها والدتي.
ففي الجامعة يخاف ذاك الشاب أن يقابل الفتيات الجميلات، لقد قلن لمهيرة أنه جذأب، قد يثبن عليه كما فعلت هي، سيكون ذلك خطيرا، سيقهقه منه الشبان، لن يروح إلى تلك الجامعة، استدار على ذاته وحطّ رأسه بين ساقيّه وأمسكهما بيديه بقوة، وقعد في ركن حجرته المملة، وبعد وقت قصير قام وطاف ببصره بين حيطان غرفته كالمرتعب، شاهد قميصه المحبّب لطالما أعجب به، إنه يعبر عن عشقه لصديقته مهيرة، هجم عليه، وحضن القميص ثم علقه على الحائط الباهت، لقد صار يشير لي بالعشق المجنون، آب لوضعه وتكوّر في ركن الحجرة، ومن جديد سمع صوتا خافتا، انزاح جانبا بشكل غير عادي أكثر، وصار يرتجف يا إلهي، إنها ذات الدقة إنها دقّتها، صاح بأعلى حسّه، لا ، لن أفتح، لكن انشرع الباب بقوة، وقال سمير من أي شيء أنتَ مرتعب يا صديقي، لا، فقط يا صديقي كنت أحاول القيام بدور بطولي في فيلم.. رنا سمير صوبه باستغراب ثم حرك هامته، ولم يبدو له حينها بأنه اقتنع من ردّه، كنتُ يا صديقي سمير سأعلمكَ على ما يبدو بأن ذات الأحلام تأتيني مثل كل مرة.
عطا الله شاهين