مرآة الغريبة

تاريخ النشر: 28/10/16 | 9:56

سؤال: ما معنى “مرآة الغريبة” في قول الشاعر اللبناني عمر الأنسي (ت. 1876م )، وقد ورد في ديوانه “المورد العذب”، وهو يصف الشعر:

جلتْ صدى القلب مرآةُ الغريبة إذ *** جلا بها حسنُ معنى الشعر مبتكَرا

ينحو بديعَ المعاني درُّ منطقِه *** فيجتلي منه في مرآته صُوَرا

“مرآة الغريبة”- كناية عن الجلاء والوضوح. ورد التعبير أولاً في شعر ذي الرُّمّـة (ت. 735م)، حيث يصف ناقته تفصيلاً، فلما أراد وصف خدها قال إنه صاف جليّ كمرآة الغريبة، وإنه أسجح أي لين سهل:

لها أذنٌ حَشْرٌ وذِفرى أسيلة *** وخدٌّ كمِرآة الغريبةِ أسجحُ
(ديوان ذي الرُّمة- ص 122) • الأذن الحَشْر الدقيقة المحددة. والذِّفْريان: عظمان في أعلى العنق، والأسيل الناعم المستوي.


السؤال:لماذا القول: (مرآة الغريبة)؟ذلك لأن الغريبة – أي المرأة التي تتزوج في غير قومها- لا ناصح لها في مظهرها وفي وجهها، لبعدها عن أهلها، فمرآتها أبداً مجلوّة، لفرط حاجتها إليها.
ورد في (لسان العرب):”السجَح لين الخد، وخد أسجح- سهل طويل قليل اللحم واسع، وقد سجح سجَحًا وسَجاحة وخلُق سَجيح- ليّن سهل حسن معتدل. قال ابن بَـرّي: خص “مرآة الغريبة”- وهي التي لم تتزوج في قومها، فلا تجد في نساء ذلك الحي من يعنى بها، ويبين لها ما تحتاج إلى إصلاحه من عيب ونحوه، فهي محتاجة إلى مرآتها التي ترى فيها ما ينكره فيها من رآها، فمرآتها لا تزال أبدًا مجلوة.”

على ذلك ورد في أمثال العرب: “أنقى من مرآة الغريبة” في (ثمار القلوب…) – للثعالبي، ص 319 وفي (مجْمع الأمثال) للمَيداني (المثل 4448) في مادة “ما جاء على أفعل”- في حرف الواو= “أوضح من مرآة الغريبة”، بينما ذُكر في المثل رقم 4304 “أنقى من مرآة الغريبة”.

ورد في “رسالة الحنين إلى الأوطان” في (رسائل الجاحظ) ج2، ص 392 “أوضح من مرآة الغريبة”. “وذلك أن المرأة إذا كانت هديًّا في غير أهلها، تتفقَّد من وجهها وهيئتها ما لا تتفقَّده وهي في قومها وأقاربها، فتكون مرآتها مجلوَّةً تتعهَّد بها أمر نفسها…”
..
*من الجميل في هذه الرسالة الجاحظية أن نقرأ تحبيب الوطن في أقوال وأمثال كثيرة، فيقول لنا الجاحظ:”وكانت العرب إذا غزتْ وسافرتْ حملتْ معها من تُربة بلدها رملاً وعفرًا تستنشقه عند نزْلةٍ أو زكام أو صُداع.”

رأينا أن التعبير “مرآة الغريبة” دالّ على الجلاء والصفاء، وقد ذكر الطُّغْرائي هذا التعبير في شعره: غديرًا كمرآة الغريبة تلتقي *** بصَوحَيه أنفاس الرياح اللواغب

من خلال هذه الكناية نستشف أن المرأة الغريبة ليس لها تلك المكانة التي تتحلى بها ابنة المكان بين مجتمعها النسوي، فهي لا تكاد تجد من تنصحها، ولا من تشير عليها بما يجعل لها أهمية، وحتى لا تكون عروبًا تحبب زوجها لها. لذا تلجأ “الغريبة” لمرآتها تطالع بها وجهها، فهي الصديقة المؤتمنة، فلا بد من أن تجعلها صقيلة مجلوة حتى تظهر لها أي “عيب” محتمل، فتتداركه.

في تصفحي أيضًا في التراث وجدت أن الغريبة لها ظروف خاصة في مجتمعها، فها هي إذا مرضت تحاول أن تخفي ذلك خوفًا من أن تشتفي بها هذه أو تلك من النساء “المحليات”، فيقول الشريف المرتضى:
وأكظمه كظم الغريبة داءها *** ولولا اتساعي ضاق عن كظمه صدري

وأخيرًا،في أغانينا الشعبية الدارجة نغني ونخاطب (أهل الغريبة) بنوع من التقريع، ومن ذلك: يا هْلِ الغريبة لا يجبر لكم خاطر *** وشو عماكم عن ابن العم هالشاطر؟
…إلخ . تلاحظون النغمة الأسيانة، بل أحيانا دمعات تتخلل الغناء.

فهل أغانينا على حق، أم أن هذا الكلام ليس له منطق في أيامنا؟ هل نتقيد بالمثل “من طين بلادك حط ع خدادك”؟ أو “الجواز قسمة ونصيب”؟

أ.د فاروق مواسي

faroqmwasee

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة