فلسطينية الأدب والأديب
تاريخ النشر: 26/12/13 | 0:32أثار د.عادل الأسطة -المحاضر في جامعة النجاح في نابلس- مسألة فلسطينية الأدب والأديب، وذلك في المؤتمر الأكاديمي الأول بعنوان "الأدب الفلسطيني بين المنفى والاحتلال"، وكان هذا المؤتمر قد عقد قبل سنين في جامعة بير زيت.
يذهب د.الأسطة إلى أن ثمة ضبابية تكتنف مصطلح"الأدب الفلسطيني"، فطرح أسئلة على غرار:
1- هل الأديب الذي أصله من فلسطين ويحمل هوية أردنية أو سورية يعتبر فلسطينيًا؟
2- هل الأديب الذي يعيش في فلسطين، ولا يحمل همومها وقضاياها السياسية يقدم أدبا فلسطينيًا؟
3- هل الأديب الذي يعيش في فلسطين ويكتب بلغة غير عربية يقدم أدبا فلسطينيًا؟
4- هل الأديب الأجنبي أو غير الفلسطيني يقدم أدبًا فلسطينيًا إذا ما كتب عن القضية الفلسطينية وواكبها؟
5- هل الأديب الفلسطيني الملتزم للماركسية أو القومية أو " الإسلاموية " يقدم أدبا فلسطينيًا؟
ومع هذه التساؤلات المشروعة يبت الأسطة حاسمًا في تِبيان وجهة نظره، فيقول:
"إن الأديب الفلسطيني هو الذي يلتزم بكتابة الحقيقة كاملة دون تزييف أو تزوير أو انحياز لرؤية فكرية أو مبدأ فكري يحرفه عن قول الحقيقة وكتابتها (وهو ما برز في نصوص بعض الملتزمين ماركسيًا او قوميًا او إسلاميًا)، والذي أقصده بقول الحقيقة يكمن في الكتابة عما جرى منذ عام 1882، وما نجم عنه من مآس ألمت بالشعب الفلسطيني في جميع المناطق…هو الذي يعكس آمال شعبه وآلامه بصدق تام".
وفي تقديري أن الباحث وصل هنا إلى درجة غليان العاطفة الوطنية، ولم يبق متجردًا عن هواه – شأن الباحث الموضوعي الأكاديمي.
غير أني أرى أن نقسم الموضوع "الأدب وفلسطين" إلى عدة تفريعات:
الأول: أدب فلسطيني مقابل أدب "عن فلسطين".
الثاني: أدب فلسطيني منتم أو ملتزم مقابل أدب فلسطيني منفتح (غير متقيد).
الثالث: أدب فلسطيني بالعربية مقابل أدب فلسطيني بلغات أخرى.
اما التفريع الأول فهو يهمنا حتى نحدد الأدب الـ "عن فلسطيني" -إذا صح التعبير- وبذلك نجد مكانًا لكتابات جان جينيه الفرنسي وباولين الأنغولي وهيو وان الفيتنامي وفرناندو ليري التشيلي، وأبرمسون الدانمركي، و رابيكوفش الإسرائيلية… وغيرهم؛ بل نجد مكانًا لوديع البستاني اللبناني صاحب "فلسطينيات" وأديب نحوي السوري صاحب رواية "عرس فلسطيني".. إلخ.
أما التفريع الثاني فيهمنا حتى لا نُخرج الأديب الفلسطيني غير الملتزم -بالمعنى المتعارف عليه في الستينيات- من دائرة الأدب الفلسطيني، فمن قال إن نتاج الفلسطيني -في أحلامه وشطحاته وشجونه وفنونه ورفضه الحاد لكل ما هو قائم- أنه ليس فلسطينيًا؟ وهل يجب علي مثلاً أن أعرف الأدب الكوبي أو الإسباني بمدى ما هو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالقضية السياسية هناك؟ لقد عجبت كيف أن الصديق د.عبد الكريم ابو خشان -الباحث في جامعة بير زيت- " أخرج بعض أدبائنا المحليين من دائرة الأدب الفلسطيني، لا لسبب إلا – لكونهم أنتجوا في مراحل أدبهم الأولى أدبًا غير ملتزم وطنيًا -مرة ثانية بالمعنى المتعارف علية آنذاك-. أما التفريع الثالث فيهمنا حتى لا نخرج كتابات بلغات غير عربية كرواية جبرا "صيادون في شارع ضيق" بالإنجليزية (1960)، ورواية أنطون شماس "عربسك" بالعبرية (1986) وأعمال ابراهيم الصوص بالفرنسية.. إلخ. ثم لنفرض جدلاً أن أديبًا شركسيًا من كفركما كتب لنا بلغتنا، وأديبًا آخر من سمرة نابلس كتب بالعبرية القديمة، فهل لنا حق بإخراجهما من دائرة الأدب الفلسطيني؟! يبقى لي رأي كنت قد أثرته في نقاش مع الاستاذ حنا أبو حنا ثم مع الشاعر سميح القاسم: إنني لا أستطيع اعتبار القيسراني أو عبد الحميد الكاتب أو كشاجم الرملي… فلسطينيين، ذلك لأن التعريف "فلسطيني" لم يكن واردًا أصلاً في عصرهم، فالبلاد هي بلاد الشام، مع أن هناك "جند فلسطين" في التقسيمات الإدارية والعسكرية، وحدوده مختلفة عما أقرته معاهدة سايكس بيكو…ولم تكن أيام عبد الحميد الكاتب مثلاً (المولود في قيسارية) مصطلحات " أردني"، "لبناني"، "فلسطيني"… إلخ "فهذه مصطلحات استحدثت، وفرضتها ظروف مجابهة سياسية، ولعل المصطلح "فلسطيني" علاقته طردية مع الحركة الصهيونية الطارئة.
ويبقى الموضوع قابلاً للنقاش. …………………………
نشر في كتابي "تمرة وجمرة". ط 2. باقة الغربية: مطبعة الهدى- 2005، ص 46-50.