كيف يستجيب الله دعاءنا..؟
تاريخ النشر: 15/11/16 | 5:26لا يخلو مسلم في هذه الدنيا من مطالب يرجو تحصيلها، ومن آمال يتمنى تحقيقها، ومن مصائب يتمنى زوالها وتنحيها، وهو في سبيل نيل ذلك يدعو الله تعالى بالليل والنهار، يرجو رحمته ويخشى عذابه، يستعجل نعمه ويستأخر نقمته، يطلب السعادة والهناءة في هذه الدنيا، ويرجو النجاة والفوز والجنة في الآخرة، فهو على تلك الحال حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا. وفي زمن المصائب والأزمات التي تمر بها الأمة الإسلامية في هذه الأيام، تزداد حاجة المسلمين إلى استجابة الدعاء، وتتوجه قلوبهم وأفئدتهم للعلي القدير أن يستجيب دعاءهم، وأن يحقق أحلامهم وآمالهم، وأن يفرج عنهم ما هم فيه، من كدر وضيق وهم وغم، وأن يزيح عنهم ما نزل بهم من تسلط عدوهم، وقلة حيلتهم، وهوانهم على الناس.
وإذا ما تأخرت الاستجابة -حسب ظنهم- أو استبطأت، رأيت بعض علامات اليأس من الاستجابة على بعض الوجوه، وقسمات تسلل الفتور في الدعاء إلى القلوب، وبوادر ضعف اليقين بوعد الله تعالى لعباده باستجابة دعائهم إذا هم دعوا الذي ورد في كتاب الله تعالى في أكثر من آية، قال تعالى: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ{ (غافر: 60)، وقال تعالى: }وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ{ (البقرة: 186).
ويغلب على بعض المسلمين في مثل هذه الأحوال عدم ملاحظة شروط استجابة الدعاء التي جعلها الله تعالى مقدمة لتحقيق وعده لهم، والتي بينها العلماء في كتبهم ومؤلفاتهم، ونبهوا المسلمين مرارا وتكرارا على ضرورة تحقيقها، ووجوب تنفيذها بين يدي دعائهم ربهم، واستغاثتهم به سبحانه وتعالى لتحقيق رغباتهم ومطالبهم. فمن شروط استجابة الدعاء كما بينها العلماء: الإخلاص في الدعاء، وعدم الشرك والرياء فيه، وأن يكون المدعو به صواباً موافقاً الشريعة الإسلامية، والثقة بالله تعالى واليقين بإجابته، وحضور القلب في أثناء الدعاء، والعزم والجزم بالدعاء بعدم تعليق الإجابة بالمشيئة، كأن يقول مثلا: اللهم إن شئت فأعطني، بل ليقل: اللهم أعطني، فإن الله ليس له مستكره كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيحي البخاري ومسلم.
ويلاحظ في جميع هذه الشروط أنها معنوية قلبية شخصية، يستطيع المسلم بشيء من التركيز القلبي والنفسي أن يأتي بها، خاصة في أوقات الشدة والكرب الذي تعيشه الأمة في هذه الأيام، فهي تدفع المسلم دفعاً إلى الإخلاص وحضور القلب والجزم بالدعاء، والثقة بالله وحده. ولكن تبقى المشكلة الكبرى في استجابة الدعاء كامنة في الموانع التي تمنع من الاستجابة، رغم تحقق الشروط المسبقة التي يغفل عنها بعض المسلمين اليوم، وفي مقدمة هذه الموانع وعلى رأسها: أكل المال الحرام والتوسع فيه، فمع أهمية بقية موانع استجابة الدعاء وهي: ترك الدعاء لتأخر الاستجابة، وارتكاب المعاصي والمحرمات، وترك الواجبات التي أمرنا الله بها والطاعات، والدعاء بالإثم وقطيعة الرحم، إلا أن أكل المال الحرام يبقى الأهم من هذه الموانع، ولهذا تجد أكل المال الحرام في صدارة موانع استجابة الدعاء في الكتب والمؤلفات.
فقد ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: }يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم{، وقال: }يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم{ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟”.
وفي معنى قوله صلى الله عليه وسلم “إن الله طيب”، قال القاضي: الطيب في صفة الله تعالى؛ بمعنى المنزه عن النقائص، وهو بمعنى القدوس، وأصل الطيب الزكاة والطهارة، والسلامة من الخبث. والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات، والابتعاد عن الخبائث والمحرمات، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات؛ أكلاً وشرباً ولبساً وتغذيةً. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن تحري الكسب الحلال الطيب هو مفتاح استجابة الدعاء، كما هو واضح في الحديث الشريف السابق، فقد استجمع الرجل بعض أسباب استجابة الدعاء، كإطالة السفر، والتبذل باللباس، والتذلل بالهيئة، ومد اليدين إلى الله تعالى بالدعاء والإلحاح به، إلا أن كسبه الحرام في المأكل والمشرب والملبس كان كفيلاً بإضاعة ذلك، وعدم استجابة دعائه. (جامع العلوم والحكم، بتصرف).
ولهذا كان الصحابة والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال ويبتعدوا عن الحرام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان لأبي بكر غلامٌ يُخرج له الخراجَ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه -أي من كسبه ويطلق على ما يقرره السيد على خادمه من مال- فجاء يوماً بشيء فأكله أبو بكر فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهلية، وما أُحسِنُ الكِهانةَ إلا أني خَدعتُهُ فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده؛ فقاءَ كلَّ شيء في بطنه” (صحيح البخاري مع فتح الباري).
وفي رواية لأبي نُعيم في الحلية وأحمد في الزهد: “فقيل له يرحمك الله كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟! قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “كلُّ جسد نبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به”؛ فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة. ومع وضوح كلام الله تعالى وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، إلا أن كثيرا من المسلمين اليوم، ما يزال يتساءل عن سبب عدم استجابة دعاء المسلمين بالفرج والتأييد والنصر القريب؟!
إن الكسب الخبيث الحرام هو السبب الرئيس في عدم استجابة دعائنا ورجائنا واستغاثاتنا، فالمسلم قد يستجيب لكثير من مطالب الإسلام وأوامره فيأتمر وينفذ، وقد ينتهي عن كثير من نواهي الإسلام، وزواجره فينتهي وينزجر، ولكنه عند المال والكسب الحرام، أو المشبوه الذي يشوب رزقه قد يتباطأ أو يتثاقل عن الامتثال؛ نظراً لما يمثله المال والكسب من مكانة في النفوس والقلوب، ومع ارتكاب الذنوب والمعاصي يزداد موضوع استجابة الدعاء -في هذه الأيام العصيبة- صعوبة وتعقيداً. فإذا كان الكسب الحلال الطيب مفتاح استجابة الله تعالى دعاءنا، والفرج القريب لإخواننا، والسعادة والسيادة والسؤدد في حياتنا، فليكن شعارنا إذن، ما كانت توصي به نساء سلفنا الصالح أزواجهن عند الخروج إلى العمل: اتق الله فينا، فإن لنا صبراً على الجوع، وليس لنا صبر على الحرام.