أهوال القبور وأول ليلة فيه
تاريخ النشر: 15/11/16 | 5:34نرجو القراءة فلن ياخذ سوى بضع دقائق فلا نبخل على انفسنا الخير ضمَّة القبر: بينما الإنسان منَّا في هذه الدَّهشة وتلك الرَّهبة، لم يستفقْ من هذه الكُربة وهذا الهول، وإذ بداهية أخرى تقع به حيث يجد جدران القبر تتحرك وتتقارب عليه، ويضيق القبر حتى يضمَّه ويضغط على جانبيه، وهذه الضغطة لا ينجو منها أحدٌ، صالحًا كان أو عاصيًا، صغيرًا كان أو كبيرًا. عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (إن للقبر ضغطةً لو كان أحد ناجيًا منها لنجا سعدُ بن معاذ) (صحيح الجامع: 2180).
سبحان الله! سعد بن معاذ – رضي الله عنه – الذي قال عنه النبي – صلى الله عليه وسلم – كما عند النسائي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما : (هذا الذي تحرَّك له العرش، وفُتِحَت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفًا من الملائكة، لقد ضُمَّ ضمةً ثم فُرِّج عنه) رواه النسائي
إن اول ليلة في القبر يكون قد وضع فيها الميت وحيدا لا ونيس له وكل أقاربه وأهله وأصدقائه غادروه وهجروه ويسمع صوت أقدامهم وهم يغادرون ويتركوه وينادي ولكن لا جدوى . عن أنس رضي الله عنه قال : قال نبي الله صلى الله عليه وسلم « إن العبد إذا وضع في قبره ، وتولى عنه أصحابه، إنه ليسمع قرع نعالهم قال: يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله قال : فيقال له : أنظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة قال نبي الله صلى الله عليه وسلم فبراهما جميعاً »وأما المنافق والكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرحل ؟ فيقول: لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقيلين رواه البخاري
فعندما يُفتح للرجل الصالح بابٌ من النار ثم يُغلق عنه، فيقال له: هذا مقعدك لو كنتَ عصيتَ الله، ثم يُفتح له بابٌ إلى الجَنَّة يرى مقعده، فيتمنى على الله أن تقوم الساعة، حتى يعود إلى منزله في الجَنَّة.
وأما من عاش لدنياه واتبع هواه وعصى مولاه، فهذا يُفتح له باب إلى الجَنَّة حتى يرى قصورها ويَشمَّ عبيرَها ثم يُغلق عنه، ويقال: هذا مقعدك لو كنتَ أطعتَ الله، ثم يُفتح له بابٌ إلى النار ويقال: هذا مقعدك لأنك عصيتَ الله.إنه لَألمٌ وحسرة تعمل في النفوس، كما تعمل الديدان في الأجساد.
• ومع هذه الحسرات، وتلكم الكُرُبات، والدواهي العظام، والتي تأتي تباعًا، فلم يكد هذا العبد المسكين يُفيق من واحدة إلا والثانية على إثرها، فلم يستفق من فزع تكليم القبر له، إلا ويجد جدران القبر قد ضمَّته ضمةً اختلفت معها أضلاعه، ثم يأتيه ملَكانِ أسودان أزرقان ينتهرانه بصوت كالرعد، فيسألانه فيتلعثم، فيفتح له باب من النار، ويأتيه من حرِّها وسمومها، ويا ليت الأمر يقف عند هذا! لكن يدخل عليه رجل أسود الوجه، قبيح الثياب، نتن الرائحة، فيقول له العبد في ألم وحسرة: من أنت؟! وكأنه يقول له: من أنت أيضًا؟
• ولك أن تتخيل تلك الصورة! فمع ظلمة القبر، ووحشة الانفراد، وتتابع الأهوال، وخوف المجهول، فيدخل على العبد كذلك رجل أسود اللون، كئيب الوجه، قبيح المنظر، وهكذا الذنوب كذلك تكون بهذا القبح، والإنسان منَّا إذا جلس دقائق مع إنسان يكرهه أو مع إنسان رائحته كريهة لمرَّت هذه الدقائق كأنها سنين، فكيف بهذا الجليس كريه الرائحة، أسود الوجه يكون مع هذا الإنسان إلى يوم القيامة؟! إنها داهية من دواهي وأهوال القبر.
• أما العبد الذي عاش لمولاه وخالف هواه، فيتمثل عمله في صورة رجل أبيض الوجه، أبيض الثياب، طيب الرائحة، كما أخبر بذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث قال كما في حديث البراء بن عازب: ((يمثل له رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيِّب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرُّك، أبشر برضوانٍ من الله، وجنات فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنتَ تُوعد، فيقول له: وأنت فبشَّرك الله بخير، من أنت؟ فوجهُك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح…)).
فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن هانئ مولى عثمان قال: “كان عثمان – رضي الله عنه – إذا وقف على قَبر بكى حتى يبلَّ لحيته، فقيل له: تَذكُرُ الجَنَّة والنارَ فلا تبكي، وتبكي من هذا؟! فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه، فما بعده أشدُّ منه”؛ (صحيح الجامع: 1684). فهيا أخي الحبيب.. بادِرْ بفعل الخيرات؛ فإنها الباقيات الصالحات. وصدق القائل حيث قال: النفس تَبكي على الدُّنيا وقد عَلِمَتْ .. أنَّ السَّلامةَ فيها ترْكُ ما فيها لا دارَ للمرءِ بعد الموتِ يَسكُنُها .. إلا التي كان قبل الموت يَبنِيها فإنْ بناها بِخيرٍ طابَ مَسكنُه .. وإنْ بناها بِشرٍّ خاب بانيها لا تركنَنَّ إلى الدُّنيا وزُخرُفِها .. فالموتُ لا شكَّ يُفنِينا ويُفنيها
نداء: يا أهل الدِّيار المُوحشة، والمحالِّ المُقفرة، والقبور المُظلمة، يا أهل التُّربة، يا أهل الغُربة. يا أهل الوَحدة، يا أهل الوحشة. أنتم لنا فَرط سابق، ونحن لكم تبَع لاحق، أما الدُّور فقد سُكِنت، وأما الأزواجُ فقد نُكِحت، وأما الأموال فقد قُسمت، هذا خبرُ ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ أما لو أُذِن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى، فاعمل – أخي الحبيب – ما تلقى نفعَه بعد موتك، وبادر أيام صحَّتك بالعمل الصالح، فيُخشى على مَن فرَّط في ذلك، أن يصل إلى الميعاد بغير زاد. حديث جامع لما سبق: يُبيِّن لنا فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – ما يحدث لحظة خروج الرُّوح، وما يكون في القبر، وحال العبد الذي عاش لهواه ودنياه، وكان بعيدًا بعيدًا عن مولاه، وحال العبد الذي أطاع مولاه، وخالف هواه، ولم تستأسره دنياه.
عن البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال: خرجنا مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وجلسنا حوله، وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر – مرتين أو ثلاثاً – ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مَدَّ البصر، ثم يجئ ملك الموت – عليه السلام – حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من فيِّ السقاء، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن، وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيقولان له: وما علمك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادى مناد في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي وما لي،
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مُدَّ البصر، ثم يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى يُنْتَهى به إلى السماء الدنيا، فيُسْتَفْتَح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – { لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط } فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحاً ثم قرأ { ومن يشرك بالله فكأنما خرَّ من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: هاه هاه، لا أدري، فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادى مناد من السماء أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرِّها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك !! هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول: من أنت ؟ فوجهك الوجه يجئ بالشر . فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة ) رواه أحمد في مسنده.
تعريف البرزخ: البرزخ في اللغة هو الحاجز بين الشيئين، وكل حاجز بين شيئين فهو برزخ، يقول تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ [الرحمن: 19-20]، ويطلق البرزخ على الحياة التي تعقب موت الإنسان، والفترة التي يقضيها بين خروجه من الدنيا ودخوله في الآخرة.
يقول تعالى: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون: 99-100]. وفسر العلماء البرزخ هنا بأنه: الحاجز بين الموت والبعث أو بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث، فمن مات فقد دخل في البرزخ،
عذاب القبر ونعيمه: ثبت عذاب القبر ونعيمه بدلائل من الكتاب الكريم والسنة النبوية، فمن القرآن الكريم استدل العلماء على عذاب القبر بقوله تعالى: … وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا [غافر: 45-46]، والذي يدل على أن ذلك يكون في القبر، وقبل أن تقوم الساعة ما جاء بعد ذلك تكملة للآية حيث يقول تعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]، واستدلوا أيضاً بقوله تعالى عن قوم نوح عليه السلام: مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَاراً [نوح: 25].”واعلم أن عذاب القبر هو عذاب البرزخ، فكل من مات وهو مستحق للعذاب، نال نصيبه منه، قبر أو لم يقبر، أكلته السباع أو احترق حتى صار رماداً ونسف في الهواء، أو صلب أو غرق في البحر، وصل إلى روحه وبدنه من العذاب ما يصل إلى المقبور، وما ورد من إجلاسه، واختلاف ضلوعه ونحو ذلك، فيجب أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلو ولا تقصير، رحم الله من نشرها وجعلها فى ميزان حسناته
اللهم انك عفو كريم عظيم تحب العفو فاعفو عنا…ولا تكلنا الى انفسنا طرفة عين واغفر لنا خطايانا…..امين