دماثَةُ شابٍّ
تاريخ النشر: 06/11/16 | 18:20فرّت تلك المرأة ذات مساءٍ بعدما تعرّضَ بيتُها للقصفِ، وسارتْ باتجاهِ غابةٍ، وعندما ولجتْ إلى داخلِ الغابة رأتْ كوخاً، فخطتْ باتجاهه، وحينما دنتْ منه رأتْ شابّاً كان يُقطّع الحطبَ، فقالتْ له: أرجوك ساعدني لقدْ دمّر بيتي قبل قليل من شدة القصف، والظّلام بدأ يخيّمُ على المنطقة، وأنا لا أريدُ أنْ أسببَ لكَ أيّة متاعب، لكنني أودُّ المبيتَ هنا حتى الصّباح، فهزّ الشّابُّ رأسه، وقال لها: اعتبريني مثل شقيقكِ، فيبدو مِنْ وجهكِ بأنكِ متعبةٌ من صعودِ الجبل، وأرى الحزن جلياً على وجهكِ ، فتعالي إلى داخلِ الكوخ، فأنا مثلكِ هربتُ من جُنونِ الحرب ذات يوم، وبنيتُ هنا كوخاً قبل سنوات، وها أنا أعيشُ هنا بمفردي، بعدما فقدتُ كل أقاربي، ودعاها لتناولِ الشّاي، وقالَ لها: لا تخافي، لقد أخذتُ عهداً على نفسي أنْ تكوني مثل شقيقتي، وسأحافظُ عليكِ، فلا تقلقي، فذهبتْ تلك المرأة إلى الطّابقِ الثاني بعدما شربتْ الشّاي، وأغلقتْ البابَ خلفها من بابِ الاحتياط، رغم أنّ الشّابَّ بدا صادقاً من تعابير وجهه ومن لحظة حديثه معها لاحظت بأنه شابٌّ دمث، وقامتْ بالاستلقاء على السّريرِ، وكانت تشعرُ بتعبٍ شديد، ونامتْ حتى الصّباح، وعندما همّتْ بالخروجِ قالَ لها: إلى أين تذهبين؟ فالطّرقُ هنا خطرة، وربما ستعرضين نفسكِ للمشاكل، فماذا لو بقيتِ هنا حتى تتضحَ الأمور، أو حتى تدخل الهُدنة حيّز التّنفيذ، وعندها تقدرين السير إلى أين تريدين، فهزّتْ تلك المرأة رأسها وقالتْ: أنت إنسانٌ شهم وذو دماثة قلّ نظيرها، ويبدو أنّكَ شابٌّ غلبان، فردّ عليها أنا كنتُ مشرّدا قبل أنْ آتيَ إلى هنا، ولهذا قررتُ بناءَ هذا الكوخ هنا في أرضي، لكي أبتعدَ عن جُنونِ الحربِ والدّمار والموت، وقال لها هيا لنحتسي الشّاي، وجلسا وتبادلا أطرافَ الحديث في جوٍّ ربيعيٍّ مشمس، وتعرّفا أكثر على بعضهما، وظلّتْ تلك المرأة تعيشُ معه وشعرتْ بالأمانِ معه، فدماثة ذاك الشّابّ أنقذتها، وبعد مرورِ أشهر على مكوثها قررتْ أن تذهبَ إلى المدينة، لكيْ ترى حياة أخرى وحين غادرتْ، شكرته وقالت: ما أروع دماثتكَ، فكنتَ رجلاً شهماً، ولم تبخل عليّ، فسأظل أتذكّر مساعدتكَ لي، وودّعته وسارتْ في طريقها..
عطا الله شاهين