مَعارِجُ الرُّوحِ
تاريخ النشر: 11/11/16 | 7:53مَعارِجُ الرُّوحِ ما انْهَدَّتْ مَراقيها .. وَلا تَكَشَّفَ ما جَنَّتْ خَوافيها
وَلا تَناثَرَ مَخْبوءٌ بِرَفَّتِها .. وَلا تَصَدَّعَ في الْجَوْزاءِ ناديها
تُلَمْلِمُ الْفِكْرَ حَبًّا طابَ مَطْعَمُهُ .. تَجْلو الْـمَدائِنَ قاصيها كَدانيها
قامَتْ بِحِمْلٍ بِهِ ناءَتْ حَضارَتُها .. وَمِنْ سَحيقِ الزَّمانِ اسْتَدَّ عاديها
لكِنَّهُ خابَ في مَسْعاهُ وَانْكَسَرَتْ.. نِصالُهُ وَاجْتَنَتْ فَوْزًا مَساعيها
مَساقِطُ السُّدُمِ انْداحَتْ لِخَفْقَتِها.. تَهْدي قَوادِمُها هَوْنًا خَوافيها
فَوْقَ النُّجومِ وَدونَ الْعَرْشِ غَفْوَتُها.. فَلَيْسَ يُدْرِكُها لَوْ رامَ راميها
مَنْ يَأْتِ حَوْمَتَها يُفْقَدْ كَسالِفَةٍ .. مِنَ الشَّوارِدِ ضَلَّتْ في صَحاريها
شَعَّتْ فَشَعْشَعَتِ الْأَنْواءَ وَاتَّقَدَتْ .. فَلا دُجُنَّةَ تَبْدو مِنْ تَجَلِّيها
وَزادَها أَلَقًا ما كانَتِ اقْتَبَسَتْ .. مِنْ جَذْوَةِ النُّورِ، نورِ اللهِ باريها
سارَتْ مَسيرَ ضِياءِ الشَّمْسِ يَدْفَعُها.. عَزْمٌ تَأَصَّلَ مُذْ بَزَّتْ مُجاريها
وَها هِيَ الْآنَ لا خَلْقٌ يُناجِزُها.. لا مَنْ يُطاوِلُها لا مَنْ يُباريها
تَخَيَّرَتْ رَبَضَ الْفِرْدَوْسِ مَسْجِدَها .. وَفي تَهَجُّدِها تُحْيي لَياليها
تَلوحُ سابِحَةً آنًا وَساجِدَةً.. آنًا، وَآنًا خُمورًا مِنْ خَوابيها
وَتَسْتَثيرُ خَبايا الْخُلْدِ مُدْرِكَةً .. أَنَّ الْخُلودَ أَتاها قَبْلَ يَأْتيها
وَلِلْخُلودِ سِماتٌ لَوْ هِيَ انْكَشَفَتْ .. لَخَرَّتِ الْأَرْضُ إِجْلالًا بِما فيها
دَقَّتْ عَنِ الْفَهْمِ وَالْإِدْراكِ ما طُلِبَتْ .. فَلا سَبيلَ إِلى إِدْراكِ آنيها
إِلَّا لَها، فَسِواها عَنْهُ مُمْتَنِعٌ.. لَيْسَ الْعُمومُ كَخاصٍ في مَراقيها
تُنَغِّمُ اللَّحْنَ أَوْتارٌ تُواتِرُهُ .. إِنْ يَلْمَسِ الصَّخْرَةَ الصَّمَّاءَ يُحْييها
فَتَسْتَحيلُ بُعَيْدَ الصَّلْدِ لَيِّنَةً.. لَوْ صابَها الطَّلُّ لَانْسابَتْ سَواقيها
وَأَطْلَعَتْ زَهَراتِ الْخُلْدِ عُشْبَتُها .. جِلْجامِشٌ قَبْلُ لَمْ يُدْرِكْ مَخابيها
تَنَفَّسَتْ حَبَبًا يُذْكي الْهُيامَ بِها .. وَنَفَّسَتْ كُرَبًا عَنْ صَدْرِ صاديها
يا مَنْ يَعيبُ عَلى الْحَسْناءِ رَوْنَقَها .. لَوْ حُزْتَ ضَمَّتَها ما كُنْتَ هاجيها
وَلَوْ طَعِمْتَ خُمورًا طَيَّ قُبْلَتِها.. أَوْ سِحْرَ بَسْمَتِها ما كُنْتَ قاليها
فَبُؤْ بِذَمٍّ فَلا عَيْبٌ لَها وَبِها.. سِوى الْجَمالِ وَروحٍ جَلَّ ذاريها
وَعاشِقُ الْحُسْنِ لا يُحْصي مَحاسِنَها.. وَشانِئُ الْحُسْنِ بِاسْمِ الْحُسْنِ شانيها
فَهْيَ الْـمَليحَةُ مَنْ تَسْبي نَضارَتُها.. مَنْ لَمْ يُقاسِ هَواها فَهْوَ مَنْفيها
وَحَرَّمَتْ غَيْرَ أَهْلِ الْعِشْقِ مُزْدَلَفًا.. فَلَيْسَ يَقْرَبُها إِلَّا مُواليها
طافَتْ بِها زُمَرٌ حَفَّتْ بِها زُمَرٌ .. قَبْلي، وَعادَتْ وَوَسْمُ الذُّلِّ عاليها
وَجِئْتُها وَخُيولُ الْعِشْقِ صاهِلَةٌ.. تَغْشى الْحَواضِرَ تَغْشاها بَواديها
فَأَرْسَلَتْ مِنْ وَراءِ الْغَيْبِ نَظْرَتَها.. وَكُنْتُ في الْوادِ أَسْتَجْلي مَغانيها
هَمَتْ عَلَيَّ كَغَيْثٍ فَوْقَ مُعْشِبَةٍ.. فَزادَ عاطِلَها وَشْيًا وَحاليها
شِئْنا الْكَلامَ طَويلًا غَيْرَ مُخْتَصَرٍ.. “وَما تَشاؤونَ”، لَمْ نَخْرِقْ مَراميها
كُنا نَدورُ كَنَجْمٍ في السَّماءِ غَدا.. بِغَيْرِ نورٍ وَقَدْ شَعَّتْ دَراريها
وَالْاِسْتِعارَةُ بابٌ لا مَجازَ لَهُ .. وَفي الْـمَجازِ اسْتِعاراتٌ يُوَرِّيها
فَدَعْ قِراءَةَ نَفْيِ النَّفْيِ مُدَّخَلًا.. إِلى الْـمَجازِ إِذا اسْتَغْشَتْ غَواشيها
كانَ الْكَلامُ ضَلالاتٍ بِحَضْرَتِها.. إِلَّا الْقَصائِدَ تُنْشيها قَوافيها
رَحى الزَّمانِ بِنا دارَتْ فَما وَقَفَتْ.. وَلا تَكَدَّرَ وَصْلٌ جادَ صافيها
حَضَنْتُها فَطَواني الْغَيْبُ وَانْكَشَفَتْ.. لِعَيْنِ قَلْبي حَضاراتٌ وَبانيها
وَكُلُّها بِفَضاءِ الْحُبِّ سامِقَةٌ.. وَكُلُّها لِبَني الْإِشْراقِ تُهْديها
أَعْيى الْـمُفَسِّرَ مَبْداها وَمَطْلَعُها .. فَعادُ بَلْهَ ثَمودًا مِنْ خَواليها
فَفي الْخَفاءِ جَلاءٌ لا يُغَيِّبُها .. وَفي الْجَلاءِ مَتاهاتٌ تَواريها
مَعارِجُ الرُّوحِ ما اشْتَدَّ الْأُوارُ بِها .. إِلَّا وَأَشْعَلَها في عَيْنِ رائيها
وَما تَوَقَّدَ سَفْحُ الْعَدْوِ وَانْتَجَعَتْ .. أَدْنى الْجِمارِ وَصارَتْها صَواريها
حَتَّى تَبَلَّجَ فَجْرُ الْخَيْلِ وَانْهَزَمَتْ .. عَصائِبُ اللَّيْلِ قَدْ جُزَّتْ نَواصيها
وَما أَضاءَ سَنا الْإِشْراقِ غايَتَها.. حَتَّى تَسَنَّمَتِ الْأَعْلى مَعاليها
شعر: محمود مرعي