قانون “مكافحة الإرهاب” فرض للحكم العسكري على عرب الداخل
تاريخ النشر: 11/11/16 | 8:12المتتبع للظرف الذي ساد البلاد عشية اقامة دولة اسرائيل في عام 1948، والذي تزامن معه فرض الحكم العسكري على العرب الفلسطينيين، والظرف السائد في هذه الايام، يجد اوجه شبه كثيرة ومتعددة. في ذلك الحين، اعتمد الحكم العسكري على النظر للعرب أنهم خطر أمني استراتيجي داهم، وكانوا يوصفون في حينه على أنهم “قنبلة موقوتة” أو “مشكلة امنيه مزمنة” أو “طابور خامس”، وبطبيعة الحال، هذه الالفاظ استعملت إبان الحكم ألعسكري من أجل خلق اجواء معاديه للوجود العربي، تهدف الى شرعنة الممارسات والإجراءات التي نفذت بحقهم، حتى لو كانت هذه الاجراءات مخالفةً للأعراف القانونية المتبعة، المحلية والدولية. وفي بداية الحكم العسكري عام 1948 اتبعت إسرائيل اسلوب بناء مؤسسات وأنظمة الدولة من دون العرب ومع تجاهل وجودهم وتطلعاتهم واحتياجاتهم، لذا شهدنا المجازر التي نفذتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وما رافقها من عمليات طرد وتهجير للسكان، ومن مصادرة اراضي وهدم للبيوت.
وكان نظام «الحكم العسكري» هو الجهاز “القانوني ـ العسكري ـ السياسي” الذي استعملته السلطات الإسرائيلية لتمكينها من بناء الدولة اليهودية، بحسب مخطط السيطرة والإحلال. وكما كان دور للقانون والقضاء في تطبيق سياسة الحكم العسكري على المجتمع العربي في الداخل. وكان دور محكمة “العدل العليا” في تطبيق سياسة الحكم العسكري بحجة مراعاة “الاحتياجات والسياسات الامنية” لأجهزة الدولة، فقد قامت، من خلال قراراتها، بإضفاء الشرعية القانونية على هذه الممارسات العسكرية.
كما اتسمت تلك الفترة “بمحاصرة الوجود العربي وإقصاءهم عن مؤسسات الدولة باعتبارهم يشكلوا خطرا على أمنها. وكشف خبراء أن رئيس الوزراء الاسرائيلي الاول، دافيد بن غوريون، كان قد أمر بكتابة التقويم العبري في بطاقات المواطنين اليهود فقط من أجل تشخيص قوات الامن المواطنين العرب بشكل تام. واستنادا الى أرشيفات الحكم العسكري الاسرائيلية، قامت الدولة بتركيز السكان العرب في مجمعات مقابل انتشار المواطنين اليهود في أكثر مساحة ممكنة من الارض، تهويد الاقاليم العربية والحيلولة دون حدوث تواصل عربي. والاهتمام ببقاء العرب مرتبطين بالمراكز المدنية اليهودية اقتصاديا وخدماتيا، والتمييز في الميزانيات وفي كافة مجالات الحياة ضد العرب، إخراج العرب من دائرة التخطيط للمشاريع المختلفة ولشؤون حياتهم، ضمان عدم تطور رأس مال عربي، اعتماد سياسة فرّق تسد تجاه فلسطينيي الداخل من خلال التعامل معهم كطوائف واقليات، منع تبلور قيادات عربية او هوية جامعة للعرب في البلاد” (بتصرف).
والمتابع لممارسات السلطات الإسرائيلية، اليوم، يجد أننا أمام نفس الخطاب ونفس المفردات، ونفس الاهداف. وتبرز هذه الممارسات والسياسات العسكرية، بشكل واضح في كل الاراضي الفلسطينيه وعلى وجه الخصوص في النقب والمدن الساحلية، القدس والمسجد الاقصى المبارك.
واليوم، وطبقاً لهذه السياسات ألعنصرية – التي تحمل طابع العسكرية-أصبح دعم الوجود اليهودي على حساب الوجود ألعربي والتضييق على الوجود العربي وإقصاءه عن دائرة التأثير، السمة السائدة للسياسة العامة في الدولة والتي، عادةً ما تأخذ الصبغة القانونية سواءً عبر سن قوانين او قرارات من المحاكم. وفي طبيعة الحال، هذا ما يفسر وجود مخططات هدم لأحياء وقرى عربيه بالرغم الوجود السكاني والعمراني العربي، وأصبح تجاهل التخطيط العمراني الاسرائيلي للاحتياجات التخطيطية العمرانية الاساسية للعرب أيضاً السمة السائدة للسياسة الاسرائيليه كونها انها تعتبر الوجود العربي خطراً داهماً وتتعامل معه على هذا الاساس وتسن القوانين ايضاً على هذا الأساس، وأصبحت تقنع نفسها بهذا الوصف. وفي المقابل نشهد عمليات بناء غير مسبوقة لليهود وتشجيعهم على التغلغل في الاحياء العربية، القدس، النقب والمدن الساحليه أكبر مثال على ذلك.
في ظل الحديث عن تجاهل الحقوق والوجود العربي لا ننسى أن نتطرق لما يحدث الان في القدس والمسجد الأقصى المبارك وباتت محاولات الاحتلال الاسرائيلي فرض واقع جديد على المسجد الاقصى، واقع تهويدي خاص يتجاهل أي حق للمسلمين فيه أحد اهم سمات المرحله التى نعيشها هذه الايام والتي تنذر بكارثة حقيقية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، ويحدث كل ذلك من خلال الممارسات العسكرية باسم القانون وباسم قرارات المحاكم والأوامر الإدارية العسكرية. وبعد أن انتقل المشروع الصهيوني إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة السيطرة التامة والتحكم الكامل على الارض وعلى الانسان، حتى التحكم بأفكاره ومبادئه ومعتقداته، وسن قانون “مكافحة الارهاب” ما هو الا اداة سيطرة وتحكم في المعتقدات والافكار والمبادئ كما يريدها دهاقنة المشروع الصهيوني، كونه أنه يحمل تشريعات عسكرية بعيده كل البعد عن الحقوق والحريات التي تكفلها القوانين والأنظمة المتبعه. والملاحظ أن مصممي الرأي العام الاسرائيلي، في هذه الايام، يستعمل ذات الالفاظ والاوصاف. “خطر أمنى استراتيجي داهم”، “قنبلة موقوتة” أو ” مشكلة أمنيه مزمنة” أو ” طابور خامس” وأصبحت تطفو على السطح وبقوة خطاب “الخطر الديموغرافي” ويأتي هذا القانون، سيء الصيت، لخدمة هذه الاهداف.
وكما كان إبان الحكم العسكري في عام 1948، فإن الاوصاف التي تطلق على العرب، اليوم، تغذي مخيلة مَن يتعامل مع المواطنين العرب من موظفين وضباط وجنود، وموظفي القطاع العام والخدمات، وأضحت أساساً للتعامل معهم، بالضبط كما كان ذلك في فترة الحكم العسكري البائد.
وقانون مكافحة الارهاب الذي سنته الحكومة الإسرائيلية ودخل حيز التنفيذ يوم 1.11.2016 يصب في خانة فرض الحكم العسكري على المجتمع العربي في الداخل ومحاولة “هندسة سلوك” هذا المجتمع بما يتلاءم مع أجندته العنصرية. فهو يستعمل سلطة القوانين التي سنها في السنوات الاخيرة محاولاً اضفاء الشرعية القانونية على ممارساته التي تحمل طابع الكراهية والعنصرية البغيضة لكل ما هو عربي. لا يختلف قانون “مكافحة الارهاب” المذكور عن قوانين الطوارئ البريطانية، بل يفوق عليه. فالهدف من ممارسات هذا القانون هي ارهاب المجتمع العربي ونشر الخوف والذعر بين صفوفه، من جهة، ومن جهة أخرى الاستمرار في ممارساته العنصرية وفرض اجندته العقائدية الدينية على الارض والمقدسات الانسان والمجتمع العربي.
وحتى بعد أن قبل الفلسطينيون بالقانون الاسرائيلي المجحف والتزموا به، بعد كل ذلك انتقلت المؤسسة الإسرائيلية في تعاملها مع العرب الى مرحلة جديدة، مرحلة الحكم العسكري. حظر الأطر السياسية الفاعلة والمؤسسات الخيرية والخدماتية والاعتقالات التعسفية وخاصةً لنشطاء المسجد الاقصى المبارك وملاحقة العمل السياسي والخدماتي من خلال استعمال أدوات عسكريه وبدون اجراءات قانونيه مدنيه متعارف عليها في القانون، وبدوت توجيه أيّ مخالفه واضحة للقانون، وبدون إجراء محاكمات حتى ولو شكليه، وبدون إعطاءها أي مجال لهذه المؤسسات الدفاع عن نفسها أمام هذه الاجراءات التعسفية العسكرية هو أحد أهم مظاهر الحكم العسكري. صحيح أنه، حتى الان، لم يتم الاعلان عن الحكم العسكري بشكل رسمي، ولكن هذا القانون سيء الصيت وما رافقه من ممارسات وتصريحات واستعمال لقوانين الطوارئ لملاحقة العمل السياسي والمؤسساتي للعرب في الداخل أبرز المؤشرات اننا تحت الحكم العسكري بشكل فعلي.
بقلم: المحامي خالد زبارقه