وجوه وملامح (19)
تاريخ النشر: 12/11/16 | 8:23لقد تركت المرآة المسلمة عبر صفحات التاريخ صفحات مشرقة حافلة بالمواقف الرائعة التي تظهر فيها معاني هامة تحتاج المسلمة المعاصرة التعرف عليها من خلال نساء دخلن التاريخ من أبواب شتى ، وسأستعرض من خلال هذه السلسلة بعض المواقف سريعة التأثير في القلوب مواقف نستعرض من خلالها ملامح كل شخصية عبر التاريخ.
ماشطة فرعون .. “تقتحم النار بنفسها وأولادها في سبيل الله”
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لما كانت الليلة التي أسرى بي فيها، أتت علي رائحة طيبة فقلت: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة فقال: هذه رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها قال: قلت وما شأنها ؟ قال: بينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم إذ سقط المدرى (أداة يسرح بها الشعر) فمدت يدها فقالت: بسم الله، فقالت لها ابنة فرعون: أبي ؟ قالت: لا ولكنه ربي ورب أبيك الله، قالت: أخبره بذلك ؟ قالت: نعم، فأخبرته، فدعاها فقال: يا فلانة، وإن لك رباً غيري؟ قالت: نعم ربي وربك الله . فأمر ببقرة من نحاس (إناء كبير من نحاس على هيئة بقرة) فأحميت ثم أمر بها أن تلقى هي وأولادها فيها، قالت له: إن لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك ؟ قالت: أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفننا، قال: ذلك لك علينا من الحق، قال: فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحداً واحداً إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها مرضع وكأنها تقاعست من أجله قال: يا أمه اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت”.
يقول الدكتور عمر الأشقر: كانت هذه المرآة تعيش في قصر الملك وكانت تعنى بابنته فتمشط شعرها وتقوم على أمرها . ومن كان هذا عمله لا بد أن يكون مكرماً معززاً مرفهاً، ولكن الإيمان غزا قلبها وملك عليها أمرها كما غزا قلب الملكة زوجة فرعون .
فالإيمان يجد له طريقاً إلى قلوب الأغنياء كما يجده إلى قلوب الفقراء عندما يريد الله بعبده خيراً . وقد كتمت هذه المرآة إيمانها كما كتمة زوجة فرعون وكتمه مؤمن آل فرعون { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} [غافر:28] ولكنه مهما حاول المرء أن يكتم ما يجري في أعماق نفسه فلا بد أن تدل عليه تصرفاته وسمته وحركاته وأقواله.
وهكذا سطر لنا التاريخ موقف تلك المؤمنة التي تقتحم النار لا تخاف على شيء ولا تحزن على شيء ، ففي سبيل الله يهون كل شيء وقد عبر موقفها عن الثبات الحق على دين الله لأنها لم تخف فرعون وبطشه ذلك اللعين الذي كان يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى } [النازعات:24] فأخذه الله وجعل الايمان يتسرب الى قلوب اقرب الناس إليه ولا عجب فقد خرج سيدنا موسى عليه السلام من قصر فرعون وهكذا دائماً يجعل الله لأهل الحق اقواماً يثنون عليه فيقوى بقوتهم ويضحون في سبيله بكل شيء فيرفع الله شأنهم ويخلد ذكرهم.
بقلم: محمود عبد السلام ياسين