حدود العلاقة بين العاقدين قبل الزّفاف
تاريخ النشر: 27/11/16 | 4:42الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
اتفق الفقهاء على أنّه إذا وقع العقد صحيحاً مستوفياً للأركان والشروط فإنّ الآثار الشّرعية تترتب عليه مباشرة ، ولكن لا بدّ من ملاحظة ما يلي :
نحذّر من الفوضى في العلاقة بين العاقدين قبل الزّفاف لما يترتب على ذلك من مفاسد اجتماعية ، فالقلوب تتغير وتتبدل ، وقد لا يستمر هذا الزّواج فتكون الضّحية هي الفتاة ، وعلاوة على ذلك فإنّ الفتاة قبل الزّفاف في عرف النّاس تعتبر مخطوبة رغم وجود العقد ، لذا فإنّ مثل هذه العلاقة وإن كانت لا تعتبر زنا شرعاً إلاّ أنّها في عرف النّاس غير مستساغة بل مذمومة إلى حدّ أنّه قد يتصورها البعض بأنّها زنا ، وهذا لا شك فيه ضرر بسمعة الفتاة وإساءة لها ، وقد ثبت بالتّجربة أنّ أغلب حالات حلّ رابطة العقد قبل الزّفاف سببه مثل هذه الفوضى في العلاقة بين العاقدين وعدم مراعاة العرف السّائد في مثل هذا الأمر ، حيث جرت العادة ألاّ يتمّ الدّخول إلاّ بعد الزّفاف والإشهار ، وهذا عرف لا يتعارض مع الشرع بل يخدم مقاصده والعرف كما هو مقرّر فقهياً إذا كان لا يخالف نصاً فإنّه معتبر شرعاً ،ويزداد الأمر حدة وخطورة إذا كان العقد غير مسجّل رسمياً وهو ما يسمّى بالإملاك ( العقد ) البراني في عرفنا .
قال الشيخ ابن عابدين في رسالة “نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف” ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين(2/112): “والعرف في الشرع له اعتبار لذا عليه الحكم قد يدار”.
وقد قامت الأدلة الكثيرة على اعتبار العرف ووضع الفقهاء القواعد الفقهية في ذلك كما في قولهم: الثابت بالعرف كالثابت بالنص أو الثابت بالعرف ثابت بدليل شرعي، والعادة محكمة، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً واستعمال الناس حجة يجب العمل بها وغير ذلك.
يقول الدكتور حسام الدين عفانة: “من المعلوم أن عقد الزواج إذا وقع صحيحاً ترتبت عليه آثاره الشرعية ومنها حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر فهذا الأمر واضح ومعلوم ، ولكنّ العرف قد جرى بأن المعاشرة الزوجية لا تكون إلا بعد الزفاف لا قبله أي بعد أن ينقل الزوج زوجته إلى بيت الزوجية ، لذا فإني أرى تقييد هذا المباح بالعرف حيث إنّ هذا العرف صحيح ويحقق مقاصد الشارع الحكيم”. {انظر: يسألونك لحسام الدين عفانة(5/158)}.
وجاء في موسوعة الفتاوى، فتوى رقم136288: “إنّ مراعاة العرف في هذا الأمر يحقق مقاصد الشارع الحكيم ومن ذلك دفع النزاع والتخاصم بين المسلمين، فإنّ كثيراً من الناس في مختلف الأقطار الإسلامية إنّما يعتبرون الزواج بالزفاف لا بالعقد ولو حصل أن عاشر الرجل زوجته بعد العقد وقبل الزواج فإنّ هذا يؤدّي إلى خلافات كبيرة بينه وبين أهل زوجته بل إنّهم في بعض الأحيان ليعتبرونه بذلك معتدياً على حرماتهم وأعراضهم، وأيضا فإنّه إذا حصل بينهما جماع في هذه الفترة وحصل الحمل ثم مات الزوج أو لم يستطع إتمام الزواج لسبب من الأسباب فهنا تجد الفتاة نفسها في موضع حرج ينال من عرضها وعرض أهلها وسمعتهم أجمعين، وهذا فيه من المفاسد ما فيه وما أيسر في ظل هذا الزمان أن يتنكر الزوج لزوجته وينكر معاشرتها ويرميها في عرضها بالشر والسوء”. {موقع إسلام ويب}.
والله تعالى أعلم