وميض من الظلام ..!
تاريخ النشر: 30/11/16 | 16:44قبل أيام كنت في زيارة لمقبرة القسام ..
زرت قبر عمتي زينب ..
استجابة لوصية أبي: “الله يرضي عليكم يابا متقطعوش عمتكم .. هذي وصيتي أليكم ..”! .
وعمتي زينب لم تكن أخت أبي ” من أمه وأبيه ..!” .
هذا لم نعرفه – أنا وأختي – إلا بعد أن خط الشيب مفارق رؤوسنا..!
لم نسمعه من أبي .. سمعناه من جدتي قبل أن تفارق الحياة بأيام:
“كل هالسنين وبتعرفوش ..!؟ محداش قال الكم ..!؟ حقكم على أبوكم ..! ”
ماتت عمتي زينب، ونحن لا نعرف أنها أخت أبينا من “أمه وأبيه ..!.
أحببناها الى درجة الجنون .. وأحبتنا الى درجة الهوس ..نمنا في حضنها أيام لا تحصى صغارأً،وسهرت ليال تلم همومنا كباراّ ..
جملة واحدة كنا نسمعها تلح بها على أبي: ” إقبرني هناك بجانبه يا أبو نبيل ..!”
عرفنا عند موتها، أنها كانت تقصد مقبرة القسام ..! وأن أبا نبيل زوجها قتل في معركة جنين .
وأن أبانا أحضرها الى بلدنا،لتنضم لعائلتنا،بعد سقوط حيفا ومعها أم الجمال .
“لم يكن هناك إلا سواد الليل ..” .. بدأ أبي قصة عمتي زينب .. قصته معها .. ركبت فرسي وتوجهتُ الى “أم الجمال” ..ولولا أني “وضعتها ” في مكانها بيدي، لتهتُ وأكملتُ طريقي الى بحر حيفا وتركتها ” ورائي..
قصدت “أم الجمال” باحثاً عن صيد، في زماننا كان ما ” بسرق مش زلمي “، أجاب أبي عن أسئلة بدأتْ” تتنطط ” في أعيننا باحثة عن جواب .
وصلتُ الى بيت من بيوت البلد، تتسلل من شباك صغير له، إشعاعات خائفة، يحيط به جدار، إرتفاعه أطول من قامة الرجل الطويل،فأيقنتُ ان في داخل السور صيد من المواشي .
فتسلقتُ فوق السور،ورميتُ بنفسي في داخله، تحسستُ بين غطاءات الظلمة،لعلي أجد دابة تدب أو تتنفس فلم أجد .. تقدمتُ من باب البيت المغلق، وقربتُ عيني من شق صغير فيه، فانكشفتْ أمامي أمرأة،تجلس في صدر البيت،وفي حضنها رضيع ترضعه .
دفعتُ الباب بكل قوتي مرات كثيرة، فلم أفلح في فتحه، فوقفتُ أمامه أفكر في طريقة أعالجه بها حتى يفتح، وإذا به يفتح أمامي، فدخلتُ وشاهدتُ المرأة تعود الى مكانها، وتعيد الطفل الى حضنها، وتستمر في أرضاعه.
وطفتُ في البيت أُلملم ما فيه، من وزيت وعدس وحمص وقمح، وأُعبئ في كيس كبير،وجدته في داخل البيت، ولما انتهيت من ملئه وربط فتحته،مددت يدي قاصداً رفعه، كي أضعه على ظهري .. وإذا بالمرأة تضع الطفل الى جانبها وتخاطبه قائلة: ” إقعد يا بني حتى أُحمِّل خالك ..!! ” .
فصحتُ من داخل الصاعقة التي إجتاحتني:” والله وأنا خاله ..! “.
فتحتُ الكيس،وبدأتُ أُعيد كل نوع من الحبوب الى مكانه ..قمتُ بكل ذلك،والمرأة جالسة في مكانها،ترضع طفلها بسكينة ملائكية .
وبعد أن أنهيتُ، اخترقت كابوس خجلي، لملمت كلمات خرجت من بين تلعثمي الغريق، و سألتها بذل مخنوق:
– لماذا فتحت الباب ..!؟
– ظننتك من الثوار ..!! رمتني بخنجر آخر ..غزَّ في الصميم .
” أحياناً يختبئون عندنا، عندما يهاجمهم الأنجليز واليهود..!” أكملتْ تحرّك الخنجر في أحشائي بلا ” رحمة “.
– وزوجك ..!؟ .. أين زوجك ..!؟ تشبثتُ بحبل أقنعت نفسي، أنها رمته لي ..!
– أنه مع الثوار .. مع عز الدين القسام ..! أجابتْ بهدوء كاد يقتلني .
– وكيف سأصل إليهم ..!؟ سألتها ناشلاً نفسي من البئر الذي وقعتُ فيه .
– إنهم على الجبل .. بجانب صبارين ..خذ هذه البارودة،والحق بهم – قالتْ وهي تناولني بارودة كانتْ بجانبها .
– لماذا لم تطلقي عليَّ النار، وتقتليني بهذه البارودة ..!؟ أردتُ أن أسألها .. ولكني أشفقتْ على نفسي ..
والتحقت ..!
قصة بقلم: يوسف جمّال – عرعرة