الفتاة ليس لها أيّ يد في الأمر
تاريخ النشر: 08/01/14 | 12:51عندما تمّ تعيين ماري بارا في منصب المدير التنفيذي لشركة جنرال موتورز في أوائل شهر ديسمبر – أول سيدة تتولى رئاسة شركة أمريكية كبرى تعمل في مجال صناعة السيارات – بدا الأمر في نظر كثيرين وكأنه علامة فارقة في كفاح المرأة من أجل المساواة في الحقوق والفرص. ولكن في مناخ حيث 2.4% فقط من أكبر خمسمئة مسؤول تنفيذي من النساء وفقاً لمجلة "فورشن"، وكما أشارت الوكالة الدوليّة النسويّة "كاتاليست"، فهل نستطيع حقاً أن نعتبر ترقية بارا انتصارًا؟
لعلّ إحدى الإجابات عن هذا التساؤل تتلخّص في النظر إلى من يقوم بالتحكيم. وفقاً لأحد التقديرات فإن ثلثي الصحفيين المحترفين في الولايات المتحدة من الرجال، ويُشكّل الرجال نحو 90% من العناوين الثانويّة في الشؤون الاقتصاديّة والتجاريّة في وسائل الإعلام التقليديّة. والواقع أنّ النظرة العالميّة الانعكاسيّة لتغطية الأنباء التجاريّة التي يُهيمن عليها الذكور تُبطل كل الأحاديث عن النصر، سواء بالنسبة لبارا أو بقية النساء – بما في ذلك الفتيات الحسّاسات اللاتي يبلغن من العمر خمسة عشر عامًا واللاتي يبحثن عن القدوة ورسالة التمكين.
كان المنتمون إلى الحركة النسائيّة من محللي لغة الإعلام في سبعينيّات القرن العشرين، وأبرزهم الناقد ديل سبندر، يدرسون كيف تستخدم اللغة لحرمان النساء من الائتمان والسلطة والقدرة عندما يُحققن نجاحات ملموسة. ويظلّ هذا الانتقاد صالحًا حتى يومنا هذا.
إنّ العديد من الأنباء التي تتحدّث عن الإناث بين المديرين التنفيذيّين وغيرهن من النساء اللاتي حققن نجاحات كبيرة تستخدم مجموعة من الصور النمطيّة المبتذلة المعتادة: لقد وفقهن الحظ إلى أدوارهن الجديدة (وبالتالي فإنهن لا يستحققن هذه الأدوار)، أو ورثنها عن أقاربهن أو أزواجهن من الذكور (وبالتالي فإنهن غير متمكّنات حقاً من مقاليد السلطة)، أو لن يبقين هناك لفترة طويلة. وإذا فشل كل شيء آخر، فإنّ التغطية الإخباريّة تُركّز بشكل ضيّق للغاية على مسألة الفارق بين الجنسين بهدف إضعاف فكرة قدرة المرأة على القيادة.
ولا تعمل هذه الصور النمطيّة المُبتذلة على تقويض سمعة النساء فحسب؛ فهي تعمل أيضاً في حالة الرئيسات التنفيذيّات على الحطّ من قيمتهن بالنسبة لشركاتهن. وقد أُعيد إنتاج كل هذه الصور النمطيّة في تغطية تعيين بارا في جنرال موتورز.
على سبيل المثال، غطّت محطة الـ "سي إن إن" الخبر بالإشارة إلى "موهبة بارا في تسلق السلم الشركاتي" – وهي العبارة التي تحمل بعض النغمات الخفيضة المُوحية، والتي ما كانت لتستخدم قط لوصف رجل على القمّة، والذي يفترض أنه يُمثل العمل الجادّ والموهبة والطموح والتفاني أكثر من مجرّد "الموهبة". وخلصت التغطية في النهاية إلى اقتراح مفاده أن بارا لن تنجح إلاّ عندما يكفّ الناس عن تسميتها "فتاة السيارات" ويُنادونها بلقب "الريسة" – ولو أنّ التقرير لا يُقدّم أيّ دليل على أنّ أيّ شخص يُطلق على بارا حقاً وصف "فتاة السيارات" وليس "الريّسة".
وعلى نحو مماثل، اقترحت عناوين صحيفة نيويورك تايمز الرئيسيّة والتي يقودها والد بارا، أنها "وُلدت" لكي تتولى هذا الدور، وكأنّ صعودها لا علاقة له بالطموح والعمل الجادّ. وتُلاحظ الصحيفة السيارة التي يقودها زوجها وتصفها بأنها "عذبة الصوت". وتشتمل تغطيتها على اقتباس مُوجع من سلفها دانييل أكيرسون: "لقد اختيرت ماري بسبب موهبتها وليس جنسها". وفي الترويج لبارا يُواصل قائلا: "كان الأمر أشبه بمشاهدة ابنتك وهي تتخرّج في الكلية".
من الصعب أن نتصوّر رئيساً تنفيذيّاً ذكراً أسود في منتصف العمر (بارا تبلغ من العمر 51 عاماً) يُقدّمه شخص للمراسلين على أنه "لم يتم اختياره بسبب عِرقه". ومن الصعب أيضاً أن نتخيّل زميله الأبيض البشرة وهو يُخبر الصحافة الوطنيّة بأنّ مشاهدة ذلك الرجل الذي يبلغ من العمر 51 عاماً يتولى منصباً قياديّاً أمر أشبه بمشاهدة "نجله" الذي يبلغ من العمر 22 عاماً وهو يتسلم شهادة البكالوريوس.
ومن الممكن تناول الأمر من زاوية أخرى تفترض ضمناً أن الرجال الأقوياء لن يختاروا حقاً امرأة لتولي قيادة مؤسّسة مهمّة. ووفقاً لهذه الصورة النمطيّة المُبتذلة، فإنّ ترقية بارا لا بدّ أن تكون حيلة من حيل العلاقات العامّة، حيث يحتفظ الرجال بالسلطة الحقيقيّة وراء الواجهة. وعلى هذا، فقد أتانا العنوان الرئيسي في مجلة "فورشن" كالتالي: "هل يُرقي مجلس إدارة جنرال موتورز ماري بارا لكي تفشل في منصبها كرئيسة تنفيذيّة جديدة؟". ويمضي المقال ليشرح أن كون بارا مُحاطة بمنافسين من الذكور على منصبها ربّما يُضعفها بشكل قاتل، وكأنّ المسؤولين التنفيذيّين من الذكور لا يُحيط بها منافسون لهم.
وربّما كان هذا لأنها حقاً مجرّد سيّدة أولاً، وليست مديرة. فقد نجحت مقابلة أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" معها في تركيز المناقشة بالكامل حول الكيفيّة التي تغيّرت بها الأمور بالنسبة للنساء في جنرال موتورز، بدلاً من التركيز على ما تعتزم بارا تغييره في جنرال موتورز بوصفها رئيستها التنفيذيّة، أو حتى على الكيفيّة التي تغيّرت بها الأمور في صناعة السيارات – وهو سؤال مهم بكل تأكيد. حتى إن الصحفي الذي أجرى المقابلة سألها في النهاية حول ما إذا كان زوجها موظفاً في جنرال موتورز.
إنّ مثل هذه التغطية الصحفيّة تجعل الخبر أكثر من مجرّد خبر؛ فهو تحوّل إلى نتيجة في عالم حقيقي يؤثر سلباً على صافي دخل شركة ما. ولكن ما الذي قد يدفع شركة كبرى – خاصّة مثل جنرال موتورز التي عانت من أزمة خطيرة أدّت إلى عملية إنقاذ حكومية ضخمة في عام 2008 – إلى تعيين قادة، مهما كانت مواهبهم، من المحتّم أن يتسبّبوا في توليد تغطية إخباريّة تنتقص من قدرها على هذا النحو؟
لا أستطيع أن أفهم لماذا يرتكب صحفيون مخضرمون مثل هذه الانتهاكات الصارخة لقواعد النزاهة والحياد المهني الأساسيّة. فهم عندما يرتكبون مثل هذه الانتهاكات يلعبون دور كلاب الحراسة لحماية نظام أبوي مهدّد بالانقراض في الدفاع عن – وبالتالي تقوية – السقف الزجاجي (السقف الافتراضي غير المرئي الذي يمنع النساء من الترقي إلى مناصب عليا).