الأغنية السورية تبحث عن نجومها
تاريخ النشر: 16/12/16 | 16:44لن نحتاج إلى أكثر من تشريح أولي للمشهد الفني السوري حتى نتثبت من علوّ كعب الدراما التلفزيونية على القطاعات الباقية كالسّينما والفنّ التشكيليّ والموسيقى. نهضة الدراما جاءت نتيجة لقرارٍ سياسيّ اتخذ في العام 2000، وأدّى، في محصّلته، إلى إحاطة صناعة المسلسلات بمزاجٍ من الدّعم الماديّ والترويجيّ، الأمر الّذي ما زلنا نتلمّس نتائجه حتّى اليوم. نجوم الدراما السّورية، وعلى الرّغم من مقاطعة غالبيّة الفضائيات العربية للمنتَج الدراميّ المحليّ، ما زالوا مطلباً إعلامياً وتسويقياً للقنوات كلها. لكنّ الواقع يبدو مختلفاً تماماً حين يتعلّق الأمر بـ «نجوم» الأغنية السورية.
في العام 2003، عُرضت النسخة الأولى من برنامج «سوبر ستار»، وقدّمت للساحة الفنيّة نجوماً عدّة يجيء في طليعتهم كلّ من ملحم زين ورويدا عطيّة. اشتغلت الأخيرة بإصرار على تقديمِ أغنياتٍ تُقرّبها من «السّوق» وتحقّق لها الرواج المنتظر، فأصابت حيناً وأخفقت أحياناً، قبل أن يؤدّي الخلاف القائم بينها وبين «المولى بروداكشن» إلى تعطيل نشاطها الفنيّ وتغييبها، وإن مؤقتاً، عن الشاشة الصغيرة.
ضمن السّياق نفسه، يحضر اسم «شهد برمدا». الشّابة الحلبية الّتي أجمع المتخصصون على كونها تمتلك حنجرة قادرةً وصوتاً طيّعاً، أبرمت عقداً مع شركة «نينار» وتعاونت في الألبوم الأول مع نخبة الشعراء والملحّنين داخل لبنان وخارجه، وحقّقت أغنيتها الأولى «بعد اللي صار» (كلمات نزار فرنسيس/ ألحان سمير صفير) نجاحاً واسعاً، قبل أن يخبو نجمها ﻷسبابٍ تتعلّق بانحسار نشاط الشركة الرّاعية، الأمر الّذي انسحب على مواطنها «هادي أسود».
حصد هادي جماهيرية مقبولة من خلال «بيستاهل قلبك» لفرنسيس وصفير أيضاً، ثمّ تراجع حضوره بالتّدريج بصورةٍ جعلته يكتفي بتقديم أغنيةٍ منفردة «سينغل» كل ثلاثةِ أشهرٍ تقريباً، علماً أنّه ينفق على إنتاج أغنياته من ماله الخاص في ظلّ غياب الدعم والرعاية.
على قائمة النجوم الغائبين، يشكّل «شادي أسود» (شقيق هادي) حالةً لا بدّ من التوقّف عندها، فالشّاب السوريّ الوسيم الّذي ملأ الدنيا وشغل الناس في العام 2003، بات اليوم شبه منسيّ ﻷسبابٍ لا تختلف كثيراً عن كلّ ما ذُكر أعلاه. خلال سنوات الحرب، أصرّ أسود على تقديم أغنياتٍ لا تدير ظهرها للنكبة السورية، فغنّى «سوريا موجوعة» الّتي صارت نشيداً حفظه النّاس أشهراً قبل أن يخفت صداه لصالح «أغنيات السوق». أما أغنية «راجعين» التي خلط من خلالها أسود بين لحن الأخوين رحباني الشهير و «كوبليهات» محدثة، زال أثرها سريعاً على الرغم من رواجها عند الإصدار. يبدو أنّ هذا الصنف من الأغنيات لم يشجّع متعهّدي الحفلات على الاستثمار في حضور شادي وتاريخه، ليكتفي المغنّي السوري بنشاطٍ خجولٍ على مستوى المحافظات السورية.
محمد مجذوب عاد مؤخّراً من خلال أغنيتين اثنتين هما «شاطر» و «يا صغيري» مُذكّراً الجمهور بموهبةٍ حقّقت حضوراً طيّباً في «إكس فاكتر» قبل أعوامٍ خلت. عودة مجذوب، بدت موفّقة إلى حد ما على المستوى الجماهيري، لكن قد تنتهي مفاعيلها سريعاً ما لم يستمرّ الشّاب السوريّ بتقديم شغلٍ يحجز له مساحاتٍ ثابتة على الفضائيات والإذاعات الّتي أثبتت، مراراً، أنّ لجمهورها ذاكرةً سمعيّة سريعة التخلّي.
ليندا بيطار، سامي شمسي، مهند مشلّح، حسام مدنية، نانسي زعبلاوي، محمد باش، زينة أفتيموس، سامر كابرو، جورج طحان، سوريّون لا تنقصهم الموهبة ولا يعوزهم التمكّن في الغناء، كلٌّ منهم مرّ بفترةٍ «ذهبيةٍ» راج فيها اسمه قبل أن ينحسر لصالح «نجومٍ» آخرين عرفوا كيف يقدّمون «صنفاً غنائيّاً» مطلوباً في السوق، والحديث هنا عن الأغنيات الخفيفة المكوّنة من كلامٍ بسيطٍ جرى صفّه ضمن جملٍ لحنية سهلة الحفظ بصورةٍ تضمن تحوّله إلى «تيمة» تنال سريعاً من حواس المستمع الذي بات محاطاً بالـ «هيتات».
بعيداً عن ناصيف زيتون، الذي يغرّد وحيداً في مصافٍ لم يبلغه مغنٍّ سوريّ آخر، تمكّن كلّ من وفيق حبيب، المجتهد والحريصُ على تقديمِ أغنيةٍ لا تخلُ من جرعةٍ فنيّة لازمة، ومعه حسام جنيد والأخوين علي وحسين الدّيك من نيل حظوةٍ جماهيرية لا بأس بها، لكنّ الإصرار على الاستثمار في «اللون الشعبيّ» لجذب متعهّدي الحفلات، لا يُمكن أن ينتج تاريخاً يحفظ اسم الفنّان في قادمات السنين، فالأمر يتطلّب بحثاً مضافاً في جدوى الشعر الغنائيّ وجدوى الموسيقى.
على هامش المشهد، تُشكّل الشابة فايا يونان استثناءً لا بد من الالتفات إليه. ملاحظاتٌ عدّة يُمكن أن تسجّل على أداء الصبية العشرينية، لكنّ نجاح يونان في تسويق «أغنياتها الملتزمة»، غير اللاهثة خلف وصفات النجاح المسبوكة سلفاً، من خلال «السوشال ميديا»، هو أمرٌ يستحقّ أن يتوقّف عنده البعض ويبحثوا فيه، لعلّ الإفادة من هذه التجربة، تُساعد في تعويمِ أغنياتٍ وأصواتٍ سورية قادرةٍ على الدّفاع عن وجه الموسيقى في دمشق.