الحجار على خشبة المسرح
تاريخ النشر: 16/12/16 | 5:04في الثلاثين من تشرين ألأول سنة 1940 انتقل الى رحمته تعالى إثر حادث سيارة بالقرب من سكة حديد حيفا. هنالك من يقول بأن الانتداب البريطاني قد دبر اغتياله بهذه الطريقة. دفن في كنيسة السيدة في حيفا. وفي 19 من تشرين الأول سنة 2016 كان العرض الأول للحجّار على خشبة المسرح في البقيعة، من إنتاج مسرح الحنين.
في المسرحية يقول الحجار ” أخذ منا واعطاهم كل شيء. ولم يبقى لنا الا ذكرى وعد مشؤوم. يوم للذكرى نسير فيه رافضين تقطيع جسدنا” ويقول مؤلف المسرحية ومخرجها ” المسرحية، رسالة، وردة أردت لها أن تتفتح في قلوب أبناء الوطن،كل الوطن.مسرحية، تصرخ في لهفة مع أصوات أجراس الكنائس وآذان الصباح…”
أقول من الجيد أن يلتفت أحد أبناء هذا الوطن وهو حنا عيدي – إبن البقيعة، ويكتب مسرحية الحجّار، ومن الجيد أن يجد الممثل القدير لطف نويصر، ليقوم بدور الحجار.
يفعم صدري وجود مسرحية كهذه في زمن التطرف والتعصب الديني، في زمن المصالح الشخصية، في الزمن الذي أصبح به الربيع العربي خريف عميق ومُدمر لشعوب المنطقة.
بالرغم من كل هذه المتغيرات، ما زال هناك أشخاص، يتمسكون بالمضمون ويكرمون الشخصيات الفذة في عمل رائع كهذا. لا شك بان المسرحية عمل جماعي فقد ساهم في ذلك كل من عمل في الموسيقى والديكور والاضاءة ، مسرحية جادة منبعها من تراث بلادنا وتُظهر بعض ما تميز به مطران العرب.
خرجت من المسرحية وفي داخلي نشوة وسعادة لأن المسرحية أظهرت الحجار كما رسمتها في مخيلتي.
أقول بأنه لا يكفي تكريم الحجار على خشبة المسرح فقط بل هناك حاجة لتكريم مطران العرب من قبل جميع المؤسسات التربوية وفي المدارس والمؤسسات الدينية وعلى رئسها الأبرشية العكاوية للروم الملكيين الكاثوليك والتي أصبح مقرها في حيفا في عهد الحجار.
هناك حاجة لعمل سينمائي ضخم، لتخليد ذكر الحجار، فهو يستحق،وأكثر من ذلك، لأن المطران الحجّار، ترك بلاده واعتبر فلسطين موطنه وبلده، فكان ضد التقسيم وكان صوت فلسطين في المحافل الدينية والوطنية والدولية، ودافع عن الحق الفلسطيني بكل ما أوتي له من علم ومعرفة وبلاغة ومنطق. وقد تجلى ذلك أمام لجنة “بيل” البريطانية سنة 1937 حيث توقعت اللجنة البريطانية، سماع صوت مسيحي، مختلف عن أصوات المسلمين الفلسطينيين. وقد خاب ظنها عندما سمعت اللجنة الحجار، يقف موقفاً شجاعاً مبنياً ، تاريخ فلسطين وحقائق الوضع والكوارث المتوقعة، في الوقت الذي غضت، بريطانيا الطرف عن هوية فلسطين العربية، بمسلميها ومسيحييها.
سمعت منذ طفولتي المبكرة عن الحجّار – مطران العرب، من المرحوم جدي نقولا موسى مخول، الذي كان شماسا في الكنيسة الكاثوليكية في البقيعة، وعاصر آخر ثلاثة عقود من الحكم العثماني (التركي)، وكيف تدرب ستة أشهر في بيروت في الجيش العثماني إبان الحرب العالمية الثانية، ثم أعفي من باقي الخدمة العسكرية كونه شماساً رسمياً في الكنيسة. عاصر جدي كل فترة الانتداب البريطاني ، في هذه الفترة تم بناء كنيسة مار جريس للروم الملكيين الكاثوليك في البقيعة ، في عهد المطران غريغوريوس حجار. ثم عاصر ما يقارب ثلاثة عقود في دولة اسرائيل، سمعت منه عن شهامة االحجار ، وسمعت عن حب الرعية للمطران، عن إحترام باقي الطوائف له حيث كان مطران العرب بالنسبة لهم.
كما وسمعت من والدي المرحوم موسى مخول الكثير عن حُب الناس وتقديرهم لمطران العرب، كما وسمعت الكثير في مجالسنا الشعبية وفي المناسبات الإجتماعية، عن الصفات الايجابية للحجار على الصعيد الوطني والرعوي، وعن النهضة العمرانية والثقافية التي كانت في عهده، وكيف كانوا يقارنون المطارنة التي أتت بعده بما كان عليه الحجار من وقار وهمة ونشاط ونخوة ووطنية… ويتحسرون.
كتبت في الماضي مقالين عن سيادة المطران غريغوريوس حجار، أحدهما نُشر في المواقع الالكترونية والثاني في مجلة الرابطة الجديدة في أيلول سنة 2010 تحت عنوان “المطران وحبل المشنقة ” ذكرت في ذلك المقال الحادثة االتي يرويها أهل سحماتا وهي : وقعت حادثة نتيجتها قُتل أحد المشتركين، تم القبض على القاتل وهوعباس ابن توفيق العبد قدورة، سيد قرية سحماتا وعميد عائلتها، حُكم على القاتل، بالإعدام شنقاً حتى الموت،عم الحزن على أهل سحماتا المسلمين المسيحيين. كان قيصر سمعان مختاراً لسحماتا بغالبيتها المسلمة صديقاً لوالد القاتل. امتطى المختار قيصر سمعان حصانه وأسرع إلى مدينة عكا التي تبعد عن سحماتا 30 كم . ترك حصانه في الخان وركب سيارة إلى حيفا. وقف قيصر سمعان أمام باب الحجار مناديا عرف المطران صوته فادخله بسرعة ليسمع منه ما حدث . لم يتردد المطران في مد يد المساعدة وأجرى اتصالات عديدة، في اعقابها قال لقيصر” قل لصديقك، يسلم عليك المطران حجار ويقول لك انزل إلى المدينة واقتن لابنك بدله جديدة. فقد وهبه الله حياة جديدة”…. عاد قيصر إلى سحماتا وأبلغ صديقه وعمت الفرحة كل أهل القرية.
في هذه الحادثة تَظهر الألفة والمودة بين المسلمين والمسيحيين في عهد الحجار، وتظهر شهامة الحجار الذي استحق بجدارة الاسم ” مطران العرب” وهو الاسم الذي كان محبب لديه.
بقلم:سهيل مخول-البقيعة