اللعن والسباب في الاسلام
تاريخ النشر: 15/01/14 | 5:55من الصفات القبيحة، والخصال الذميمة، والأخلاق السيئة التي تحلى بها بعض الناس، خلق اللعن والسباب، وهما صفتان لا ينبغي لمسلم أن يتصف بهما، لأنهما من أنواع الذنوب، ولا شك أن الذنوب تنقص الأجور، وتوغر الصدور، وفيها محق للحسنات وجمع للسيئات، وإنزال في الدركات.
خطورة اللعن والسباب، وبيان خطورتهما على من اتصف بهما:
أولاً، معنى اللعن:
اللَّعْنُ: الطرد والإبعاد من الخير، واللَّعْنَةُ: الاسم، والجمع لِعانٌ ولَعَناتٌ.
ثانياً، معنى السباب:
السَّبُّ: الشَّتْم، ويقال سَبَّه: يَسُبّه سَباًّ وسٍبَاباً.
قيل: هذا مَحْمُول على من سَبَّ أو قاتَل مُسْلما من غير تأْويل.
ولا تسْتَسِبَّ له أ : لا تُعَرِضْه للسَّبِّ وتَجُرّه إليه، بأن تَسُبَّ أبَا غيرِك، فيسُبَّ أباكَ.
وقد جاء مفسَّرا في الحديث: "إن من أكبر الكبائر، أن يسُبَّ الرجُل والِديه، قيل وكيف يسُبّ والِدَيه؟ قال: "يَسُبُّ أباَ الرجُل فيسُبُّ أباهُ وأمّه" (متفق عليه).
ثالثاً، خطورة اللعن والسباب:
لا شك أن اللسان سبب للنجاة من النار، أو سبب للوقوع فيها.
ولقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من ترك اللسان على غاربه، في العصيان والطغيان، وأنه سبب لانتقاص صاحبه أمام الناس في الدنيا، ونقيصة وعيب في الآخرة، عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "منْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" (متفق عليه).
عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ! أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ" ( متفق عليه).
وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ" (متفق عليه).
رابعاً، النساء أكثر الناس لعناً:
بما أن اللعن محرم وهو من كبائر الذنوب، فيجب على العبد اجتنابه، وتوخي الحذر منه، ولكن ربما كانت هناك أموراً تستدعي أن يقوم صاحبها باللعن، ومن ذلك:
1- ضعف الوازع الديني، لأن الإنسان إذا لم يكن عنده علم كاف يزجره عن فعل المعصية، فربما وقع فيها.
2- ضعف الحياء، لأن الحياء من الإيمان، ومن فقد الحياء فقد شعبة عظيمة من شعب الإيمان، ومن لا حياء عنده فلا غرو أن يرتكب المنكر، ويقع في الإثم، ومن جملة ذلك اللعن.
3- الغضب، فإنسان إذا غضب ولم يتمالك نفسه، وأطلق لها العنان في ميدان الغضب، فربما وقع في اللعن، ولا سيما الأمهات، لأنهن يعانين الأمرين في بيوتهن، فأعباء المنزل، والتربية، وأداء حقوق الزوج، وضغوط العمل إن كانت موظفة، كل تلك الأسباب ربما أدت بها إلى عدم تمالك نفسها فتقع في المعصية واللعن، وهذا أمر مشاهد ملموس، أن النساء أكثر الناس سباً ولعناً، وحلفاً بالله تعالى على أولادهن، ومما لا شك فيه أن الأم لا يمكن أن تقصد إيقاع الأذية بأبنائها، ولكن من باب التخويف والتهديد، ومهما كانت الظروف فيجب على المرأة الصالحة أن تتقي الله تعالى في فلذات أكبادها، فلا تدعو عليهم، ولا تلعنهم، بل تعاملهم بالحسنى، وتدعو لهم لأن دعاء الوالد على ولده ولوده مستجاب.
سادسا، لعن الكفار:
لعن الإنسان المعين لا يجوز بحال لمن هو على قيد الحياة، لكن من مات وهو كافر فهذا عليه لعنة الله ولا شك في ذلك، قال تعالى: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين* خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون" (البقرة 161-162)، وقال تعالى: "إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون* إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين" (آل عمران 90-91).
فمن مات من الكفار فيجوز لعنه، كفرعون وهامان وقارون وأبو جهل، وغيرهم.
أما لعن المعين الذي هو على قيد الحياة لا يجوز.
سابعاً، لعن الشيطان:
الشيطان ملعون، لعنه الله عز وجل في كتابه، فلا نلعنه، بل الواجب علينا التعوذ من شره وكيده، لأن كيده عظيماً، قال تعالى: "إن يتبعون إلا شيطاناً مريداً لعنه الله" (النساء 117-118)
ولكن لو لعنه أحد فلا شيء عليه، لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لعنه أيضاً في صلاته، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، ثُمَّ قَالَ: أَلْعَنُكَ بِلَعْنَة اللَّهِ ثَلَاثًا، وَبَسَطَ يَدَهُ كَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ شَيْئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ سَمِعْنَاكَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْكَ تَقُولُهُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَرَأَيْنَاكَ بَسَطْتَ يَدَكَ، قَالَ: "إِنَّ عَدُوَّ اللَّهِ إِبْلِيسَ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلَهُ فِي وَجْهِي، فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قُلْتُ أَلْعَنُكَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ التَّامَّةِ، فَلَمْ يَسْتَأْخِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَرَدْتُ أَخْذَهُ، وَاللَّهِ لَوْلَا دَعْوَةُ أَخِينَا سُلَيْمَانَ لَأَصْبَحَ مُوثَقًا يَلْعَبُ بِهِ وِلْدَانُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ" (أخرجه مسلم).
ثامناً، لعن الوالدين:
ومن أشد أنواع اللعن، لعن الرجل والديه والعياذ بالله، وهما سبب وجوده في هذه الحياة، وقد قرن الله حقهما بحقه، وطاعتهما بطاعته فقال سبحانه: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً" (النساء)، وقال تعالى: "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريماً" هذه وصية الله تعالى بالوالدين، طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما، وعدم التعرض لإيذائهما، ولو بكلمة أف، وهي كلمة مكونة من حرفي، فكيف بمن يلعن والديه، لهو من أشد المخاطر، وأسوأ النتائج، ومن لعن والديه فهو ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَشْتُمُ أَبَاهُ، وَيَشْتُمُ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ" (متفق عليه).
قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ الْمَنَارَ" (أخرجه مسلم).
تاسعاَ، لعن الدواب:
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَامْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ"، قَالَ عِمْرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ" (أخرجه مسلم).
وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ، عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ، إِذْ بَصُرَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَضَايَقَ بِهِمُ الْجَبَلُ، فَقَالَتْ: حَلِ اللَّهُمَّ الْعَنْهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُصَاحِبْنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ".
عاشراً، هدي النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّابًا، وَلَا فَحَّاشًا، وَلَا لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ الْمَعْتِبَةِ: "مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُه".
هكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في حفظ اللسان، فهو ليس باللعان ولا بالطعان، ولا يخرج من فيه إلا ما يرضي ربه تبارك وتعالى، ولقد بين في أحاديث ستأتي بعد قليل خطورة اللسان على صاحبه إذا أساء التعامل معه.
الحادي عشر، فضل حفظ اللسان:
من أعظم نعم الله تعالى على عباده نعمة اللسان، التي بها يبين ما يحب وما يكره، وبه يعبر عن مشاعره وأحاسيسه، ويبث همومه، ويشكو غمومه، وبه يتصل بالآخرين، فاللسان من أعظم وسائل الاتصال بالآخرينمن أعظم نعم الله تعالى على عباده نعمة اللسان، التي بها يبين ما يحب وما يكره، وبه يعبر عن مشاعره وأحاسيسه، ويبث همومه، ويشكو غمومه، وبه يتصل بالآخرين، فاللسان من أعظم وسائل الاتصال بالآخرين، ولا يمكن لرسالة أن تعبر بمثل ما يعبر به اللسان.
فاللسان نعمة عرف قدرها من خاف الله تعالى واتقاه، وجلها من أعرض عن ربه ونسيه، فاللسان سلاح ذو حدين، من أحسن استخدامه، واستغله في مرضاة الله تعالى وطاعته، كان نجاة له يوم القيامة،، ومن كان غير ذلك فاستغل لسانه في غضب الله وسخطه، كمن يغتاب الناس ويسبهم ويلعنهم، ويعتدي عليهم بقوله، ويهمز ويلمز ويستهزئ، فأولئك كان عملهم مثبوراً والعياذ بالله.
فعلى المرء أن يدرك خطورة اللسان، ويعي عاقبته في القبر والآخرة، فعامة عذاب القبر من البول والنميمة، ويلحق بذلك الغيبة وسيئ الكلام، فلما كانت خطورة اللسان بهذه المثابة فهذه بعض الأدلة التي تبين خطورة الوضع القائم بين الناس، حتى اتخذوا مجالسهم منتديات يتفكهون فيها بعباد الله تعالى، ويتشدقون بخلق الله عز وجل.