وجوه وملامح ( 24 )
تاريخ النشر: 18/12/16 | 5:07لقد تركت المرآة المسلمة عبر صفحات التاريخ صفحات مشرقة حافلة بالمواقف الرائعة التي تظهر فيها معاني هامة تحتاج المسلمة المعاصرة التعرف عليها من خلال نساء دخلن التاريخ من أبواب شتى ، وسأستعرض من خلال هذه السلسلة بعض المواقف سريعة التأثير في القلوب مواقف نستعرض من خلالها ملامح كل شخصية عبر التاريخ .
ابنة سعيد بن المسيب ” اجلس أعلمك علم سعيد ” …
وكما دخلت المرأة المسلمة التاريخ من باب الصبر والإيمان والجهاد ، سطر لنا التاريخ مواقف الكثير من المسلمات اللاتي دخلن من باب العلم فكن عالمات عاملات بلغت شهرتهن الآفاق . ومن هؤلاء : ابنة سعيد بن المسيب زوجة أبي وداعة ولهذا الزواج قصة سطرها لنا التاريخ . جاء في ترجمة أبيها سعيد بن المسيب :
أن عبد الملك بن مروان خطب ابنته لولده الوليد حين ولآه العهد ، فأبى أن يزوجها . قال أبو وداعة : كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياماً فلما جئت قال : أين كنت ؟ قلت : توفيت أهلي فاشتغلت بها . قال : فهلا أخبرتنا فشهدناها ؟ قال ثم أردت أن أقوم فقال : هل أحدثت امرأة غيرها ؟ فقلت : يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ؟ فقال : إن أنا فعلت تفعل ؟ قلت : نعم فحمد الله تعالى وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين ثم قال … ثم أحضرها أبوها وقال لي : رأيتك رجلاً عزباً قد تزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك وهذه امرأتك . ثم دفعها في الباب ورد الباب فسقطت المرأة من الحياء فصعدت إلى السطح وناديت الجيران فجاءوني وقالوا : ما شأنك ؟ قلت : زوجني سعيد بن المسيب ابنته ، وقد جاء بها على غفلة وها هي في الدار . فنزلوا إليها وبلغ أمي فجاءت وقالت : وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها ثلاثة أيام فأقمت ثلاثاً ثم دخلت بها .
وفي صبيحة الزواج أراد أبو وداعة أن يخرج فقالت له زوجته : إلى أين تريد ؟ فقال : إلى مجلس لسعيد أتعلم العلم ، فقالت : ” اجلس أعلمك علم سعيد ” فوجد عندها من العلم الكثير وقال عنها : وجدتها أجمل الناس وأحفظهم لكتاب الله تعالى وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرفهم بحق الزوج .
انظري يا أختاه لتلك المرأة لتستوضحي معالم شخصيتها من خلال هذا الموقف الذي سطره لنا التاريخ . فهي ابنة عالم من أفضل علماء عصره زهدت في الملك فرفضت خطبة ولي عهد المسلمين ؛ ثم تزوجت طالباً للعلم فقيراً ، ولكنها عرفت أن السعادة ليست في المال بل هي في رضا الله عز وجل .
بقلم : محمود عبد السلام ياسين