الحلم والعجائبي في يارا ترسم حلما
تاريخ النشر: 21/01/14 | 11:11من المعروف أن جل المقررات المدرسية العربية تعتمد نصوصا من الشعر الفلسطيني لتكون مادة المحفوظات والنصوص الأدبية والأناشيد. وهذا يبين أن الأطفال الفلسطينيين يستأنسون منذ نعومة أظفارهم بهذه الأشعار والأناشيد.
ومن أهم الشعراء الفلسطينيين الذين وظفوا شعرهم خدمة للطفولة الفلسطينية خاصة والعربية عامة، نجد: ابراهيم طوقان، وهاشم هارون رشيد، ومحمود درويش، وسامح القاسم، ومعين بسيسو، وأحمد دحبور، وفدوى طوقان، وتوفيق زياد، وسعيد المزين، الذي وضع النشيد الوطني الفلسطيني، وكمال رشيد.
أما القصة، فقد برع فيها كل من: خليل سكاكيني، ومعين بسيسو، وعزمي خميس، ومحمد الظاهر، وغسان كنفاني، ونمر سرحان، وكمال رشيد، ومفيد نخلة. ويعتبر خليل سكاكيني رائد القصة الفلسطينية الموجهة إلى الأطفال. وتمتاز القصة عنده بوعظها وتوجيهها وإرشادها، ونهلها من الموروث الشعبي الفلسطيني.
وتناولت القصة الفلسطينية الموجهة للأطفال ثلاثة مواضيع، هي كالتالي:
– الصراع العربي الإسرائيلي.
– انتقاد الواقع الاجتماعي.
– استرجاع واستحضار التاريخ العربي الإسلامي من أجل استلهام البطولة والمجد العربي.
ومن جملة كتاب قصة الطفل، نجد: روضة الطرخ الهدهد، التي كتبت قصصا كقصة عز الدين القاسم، قصة سر القنابل الموقوتة، قافلة الفداء، الزمن الحزين، رحلة النضال، منقذ القرية، صائم في سجن عكا، أسد فوق حيفا، وكفر قاسم.. ونجد أيضا الكاتب سهيل ابراهيم عيساوي الذي كتب قصة يارا ترسم حلما، وقصصا أخرى..
وقد اهتمت مجلة الحياة ومجلة العصافير التي كان يديرهما محمد بدرانة بأدب الأطفال واللتان كانتا توزعان في منطقة 1948.
– القصص الفانطاستيكي:
الفانطاستيك هو نوع من كتابة التعجيب، كما أنه يمثل مكتوبا يقدم شخوصا وظواهر فوق طبيعية يمتزج فيها الطبيعي بما هو فوق طبيعي، مقلقة تجعل المتلقي يتردد بين تفسيرين للأحداث. ويشكل هذا التردد العنصر الأساسي للفانتاستيك، من خلال بحثه عن مفاجآت لعالمنا العادي والمألوف. إنها ثورة على العقلانية.
وفي موروثنا العربي نجد من البعد الفانتاستيكي والعجائبي ما يغلف حكايانا، وخير دليل على ذلك حكايات ألف ليلة وليلة، و"التي تضمنت بنية تعجيبية من خلال وصف عالم فوق طبيعي داخل عالم مألوف وشخوص يطالهم الامتساخ والتحول".
إنها عالم يتكون من خليط من الجن والإنس والخارق والمألوف المعتاد. وهذا- كما يقول الدكتور شعيب حليفي- يربك المتلقي ويزعزع يقينه، ويجعله في حيرة من أمره.
كما أن (كليلة ودمنة) لا تخلو من عجائبية لما تتوفر عليه من فضاءات حيوانية عجيبة، بالإضافة إلى بعض السير الشعبية كسيرة سيف بن ذي يزن، وفيروز شاه، وغيرهما.. كما أن كتاب أبي العلاء المعري (رسالة الغفران) يدخل في هذا المنحى لما تنبني عليه من حلو وخيال، وجنوح خيالي كبير.
وبعض الكتب التاريخية القديمة، أو سير الأمم والملوك، كبدائع الزهور في مواقع الدهور، وتاريخ الطبري (تاريخ الملوك والأمم) لا تخلو هي أيضا من إدهاش ومبالغة في التعجيب.. وأيضا الكتابات المؤرخة لكرامات الأولياء والصالحين، والصوفية من غرائب.
وأدب الأطفال قد استفاد من كل هذا بالإضافة إلى ما ترجم من كتابات الغرب الفانطاستيكية ليقدم للطفل العربي أدب أطفال فانطاستيكيا. وقد كان كامل كيلاني رائدا لما قدمه للمكتبة من عناوين وقصص، اعتمد في أغلبها على ألف ليلة وليلة، والأساطير اليوناننية.
وهذه الكتابة العجائبية تخصب خيال الطفل وتغني مخياله. كما تساعده على التمثل والتصور وخلق عوالم جديدة لا تمثل الواقع.
وأدب الأطفال الفانطاستيكي يقدم للطفل كتابة وقصصا تبنى على التغريب والتعجيب والإدهاش، باعتماد التحول المسوخي للشخصيات، ونقائض القيم للوصول إلى القيمة التي بواسطتها يتحقق الاتزان والتوازن، واعتماد أيضا الخوارق والرعب.
والمسوخات أو الامتساخ والتحولات التي تقدم في أدب الأطفال تكون ثلاثة مظاهر:
– الإنسان الممتسخ إلى حيوان (الإنسان الحيواني)، فالامتساخ يمس المظهر الخارجي، تبقى الأحاسيس ولكن الممسوخ يفقد النطق والكلام.
– الحيوان المؤنسن.. أي يأخذ الحيوان بعض الصفات الإنسانية (النطق والتفكير).
– النبات المؤنسن، كسابقه من الحيوان المؤنسن.
وأدب الأطفال المعاصر اليوم بدأ يجد التعجيب والغرائبية في الحلم والتماهي…فبالحلم يدخل الطفل عوالم غرائبية، ويحقق المعجز… وبدأ الكاتب العربي يغزو هذه العوالم الحلمية ليقدم للطفل العربي عوالم يمتزج فيها الواقع بالخيال… كما يكثر فيها الصدف السعيدة… وتحقيق الأمنيات البعيدة… وهذا نجده في النموذج القصصي الذي سنجلس إليه للتحليل والمناقشة، وهو عمل الأستاذ سهيل أبراهيم عيساوي الكاتب الفلسطيني المبدع والأديب المتنوع، والذي عنونه ب (يارا ترسم حلما).
– عجائبية (يارا ترسم حلما):
ومن القصص العجائبي الفانطاستيكي الذي يعتمد على الحلم والاستيهام، نجد قصة (يارا ترسم حلما) للأديب الشاعر و المؤرخ الفلسطيني سهيل ابراهيم عيساوي. وهي قصة من حجم (22×25سم)، ذات أخراج جيد، وغلاف من الورق المقوى المجلد. تزينها رسومات يدوية بالأقلام الملونة من إنجاز الفنان محمود إبراهيم زيدان، والمراجعة والتدقيق اللغوي قام بهما الأستاذ أحمد شدافنة.
وتتكون (يارا ترسم حلما) من 35 صفحة من الورق الصقيل، والجيد. والجدول التالي يبين بعض المعطيات الإحصائية:
عدد الاسطر |
عدد الصور |
عدد الكلمات |
عدد الصفحات |
109 |
17 |
659 |
35 |
وهذه القصة موجهة إلى طفل مرحلة الطفولة المتأخرة من 9 إلى 12 سنة..
– عتبات النص القصصي:
1- العنوان: إن العنوان نص مواز للنص القصصي. وهو نص مناصي paratexte. وتظهر فيه الصنعة والجمالية. فهو عنوان مؤثر وجذاب للمتلقي، ومحفز على التعرف على تفاصيل القصة.
وإذا نظرنا إلى العنوان كطباعة متواجدة على صفحة الغلاف، أي أيقونوغرافية العنوان iconographique، نجده عنوانا بارزا وبخط عريض من بنط 72 زخرفي، بلون أزرق سماوي محاط بإطار أبيض، أسفله اسم المؤلف والرسام.
أما إذا نظرنا إليه كنص، فيجب أن نواجهه بالتحليل والتأويل لمعرفة بعض دلالاته، وهو مجموعة العلامات اللسانية من كلمات وجمل، وحتى نصوص قد تظهر على رأس النص
لتدل عليه وتعنيه، تشير لمحتواه الكل، ولتجدب جمهوره المستهدف" وهو العنوان الأصلي للنص القصصي zadig، ويحتل مكانه النصي ça place textuelle في أعلى الغلاف. وهو كذلك عنوان خبري إخباري un titre thématique. وهو يجعلنا نتساءل:
– ماذا يقول هذا العنوان؟
– أي رسالة يتضمنها ويريد الكاتب تبليغها إلى المتلقي؟
إن هذا العنوان (يارا ترسم حلما) يعطينا إشارة عن متلق من نوع خاص، إنه طفل مرحلة الطفولة المتأخرة.. طفل يحلم كثيرا، ويجعل من الحلم عوالم يحقق فيها كل معجز.
يارا، إنها طفلة فلسطينية –في الاسترجاع من الماضي- في نفس المرحلة، ترسم رسما جميلا أملته مخيلتها وسطره مخيالها، إنه حلم تضع هيكله، وتجعله واقعا حقيقيا. لذا على هذا المتلقي/الطفل أن يفعل مثل يارا، ولو أن الظروف تختلف.. وأن يعمل على رسم أحلامه.. ولكن ألا يكتفي بالرسم فقط، بل أن يعمل على إنجاز رسمه وتنفيذه،ليجعله واقعا.
إن العنوان يقدم إخبارا، وهو أن طفلة اسمها يارا ترسم حلما. وقد جاء هذا العنوان مركبا تركيبا اسميا (اسم+ فعل+ اسم).. ودلالة تركيبه النحوي هو (مبتدأ+ (فعل+ فاعل ضمير مستتر+ مفعول ب) جملة فعلية خبر)… وقد جاءت لفظة (حلما) نكرة للدلالة على جنسية كطلقة العدد. كذلك أنكرها الكاتب لهدف مقصود، وهو أن الحلم كان في الماضي وكائن في الحاضر وحاصل، ولكن يقصد به الحلم المستقبلي، والتعلق به والحرص عليه ولذا وجب التنكير..
– ماذا تقول القصة؟:
القصة تقدم حدثا بسيطا جدا. ولكن بفنية لا تخلو من تشويق ودافعية. وهذا الحدث يمكن تقسيمه إلى مقاطع، كل مقطع يتضمن حوافز les motifs، وهي كالتالي:
– التمهيد أو الاستهلال أو البداية.
– دخول يارا قاعة الدرس وتحية التلاميذ.
– العودة إلى الماضي وتذكر أيام الدراسة.
– طلب المعلمة سارة من تلامذتها تخيل مهنة المستقبل.
– عرض التلاميذ لأحلامهم.
– رد فعل المعلمة سارة، ونصيحتها لتلامذتها.
– سؤال يارا عن موت الأحلام.
– شعور يارا وهي تعود من شرودها.
– النهاية.
إن هذه المقاطع بحوافزها تقدم في 109 أسطر و659كلمات.. مشكلة حلما يسافر عبره الطفل من بدايته إلى نهايته، الشيء الذي يجعل السؤال ملحا: هل يستطيع الطفل بعد قراءة هذه القصة أن يرسم حلمه الخاص؟.
1- التمهيد: إن هذا التمهيد شكل بداية القصة ومدخلها. إنه يعطي صورة موجزة عن المكان الذي ستدور فيه الأحداث، وتعرض فيه الأحلام.. كما نتعرف فيه على الشخصية المحورية، والتي تشكل بؤرة هذا العمل السردي.
وهذه الافتتاحية تشغل الصفحة رقم 2، وتمتد عبر خمسة أسطر، ونتعرف فيها على حوافز متعددة، هي كالتالي:
رقم الصفحة |
عدد السطور |
عدد الكلمات |
الشخصية المقدمة |
وظيفتها |
الفضاء المكاني |
هيئة الشخصية |
حالتها النفسية |
فعلها |
الصورة |
2 |
5 |
26 |
يارا |
معلمة |
– المدرسة – قاعة المعلمين |
– منتصبة القامة – تمشي بخطوات واثقة |
-الثقة في النفس -الاعتزاز – الاطمئنان -نفسية هادئة |
-طرح السلام (التحية) – شرب كأس ماء |
صورة يارا |
فهذه البداية تعرفنا على أشياء كثيرة تتعلق بهذه الشخصية الرئيسية النامية معرفة متنوعة تتعلق ب: (-المكان- الزمان- الشخصية واسمها وعملها- نفسيتها- الحالة التي كانت عليها وهي تلج قاعة المعلمين).
بالإضافة إلى الصورة المرافقة للنص القصصي والتي تعطينا وصفا فيزيولوجيا ليارا، فنقف إلى شكلها وعمرها، وملامحها الشكلية، وهندامها، والفضاء التي توجد فيه.
2- دخول يارا قاعة الدرس وتحية تلامذتها: في هذا المقطع نكتشف الفضاء الثاني الذي توجهت إليه يارا بعدما قرع الجرس. إنه قاعة الدرس. ويمتد هذا المقطع عبر خمسة أسطر هو أيضا، متكونا من 27 كلمة، ويشغل الصفحة 4.
ماذا نكتشف في هذا المقطع؟.
إن هذا المقطع السردي يتضمن حوافز كثيرة، يمكن أن نصنفها إلى ملامح تربوية/ نفسية، أو سيكوتربوية والتي نستنبطها على الشكل التالي:
– الشخصية (يارا المعلمة).
– الزمان (صباحا).
– المكان (قاعة الدرس) "الصف الثالث "أ"".
– الملامح السيكولوجية الخاصة بيارا: (مغتبطة- مسرورة- فرحة).
– الدلالة: (أنها محبة لمهنتها- لها رغبة في العمل- مستعدة له- محبة لتلامذتها- تبعث في الفصل جو الاطمئنان والأمن والأمان- مسالمة ( شخصية سوية)- الجانب الوجداني قوي لدى يارا).
– الملامح السيكولوجية الخاصة بالتلاميذ: (الارتياح- الشعور بالأمن والأمان- الشعور بالألفة- الإقبال غلى الدرس بكل فاعلية- حب معلمتهم- مردودية جيدة- القدرة على التعبير (انعدام موقف الخجل أو الخوف)-).
كما نكتشف في هذا المقطع -أيضا- مظاهر التربية الفعالة وجوها السائد داخل الفصل الدراسي، والتي يجب أن يسود مثله جميع مدارسنا، حيث يشعر التلميذ أنه في مدرسة يسودها الحب والأمان. مفعمة بالمحبة والإنسانية ، واحترام إنسانية الطفل وطفولته. يجد فيها حياة سعيدة وجميلة وبديلا للبيت. ولذا اعتبر جون ديوي المدرسة حياة وليست إعدادا للحياة. ويارا أعطت صورة المربية المتفتحة، الواعية بأهمية الطفولة واحترام مراحلها، والاهتمام بالجانب النفسي والوجداني في التدريس، وبالتالي تصرفها داخل قاعة الدرس ومع تلامذتها أزال كل بوادر الخوف والرهبة والخجل، وخلق جوا من التواصل الحميمي، والذي يكون له أثر كبير على سير الدرس، والمردودية والفاعلية في السيرورة التعليمية التعلمية.
كل هذه الأشياء تلخصها أربعة أشياء:
– التوجه إلى القسم بفرح وغبطة وسرور (الحالة النفسية ليارا).
– وضع حقيبتها وأوراقها على الطاولة (الفعل الإجرائي الاعتيادي اليومي- جو الأمن والأمان الذي يسود القسم).
– تحية تلامذتها (التواصل الوجداني -الاحترام والتقدير- المحبة).
– رد التلاميذ للتحية الصباحية (التفاعل الوجداني والعاطفي مع معلمتهم يارا).
وهذه الحوافز الأربعة التي حددناها، تزكيها أربعة أفعال سلوكية وردت في هذا المقطع، وهي: (توجهت- وضعت- قالت- أجابت). ولكل فعل سلوكي إجرائي مواصفاته المفسرة لنوعية الإجراء:
من هنا نجد في هذا المقطع جملتين بؤرتين تلخصان كل هذا الجو العاطفي والوجداني الذي يسود الفصل الثالث"أ"، وهما:
تقابل وتكافؤ وجداني وعاطفي: يا طلابي= يا معلمتي: احترام وتقدير
والجملتان شحنة عاطفية ووجدانية كبيرة ودافقة.كما تنمان عن تواصل فعال بين المعلمة يارا وتلامذتها. لكن الصورة المرافقة لا تتوافق مع المقطع وأحداثه.
3- الارتداد إلى الماضي (استرجاع الذكريات): في هذا المقطع والذي يعتبر أقصر مقطع في القصة، فهو يتكون من سطرين يشتملان على تسع كلمات (عادت بها الأيام عندما كانت طالبة في الصف الثالث). وهذا المقطع يقدم لنا حالة نفسية أساسية، وهي حالة الانفعال الوجداني الذي عاشته يارا لحظة دخولها الفصل، والقيام بإلقاء التحية الصباحية على تلامذتها، وتفاعلهم معها. لقد أحست برعشة عاطفية حركت مواجدها ونقلتها فكريا ووجدانيا من زمن إلى زمن آخر.. من الحاضر إلى الماضي البعيد، إلى زمن الطفولة، زمن الدراسة وارتياد الصف الثالث. هنا عجائبية الحدث وغرائبيته. فلم تذكرت يارا في هذه اللحظة بالذات ذكرياتها وهي في الصف الثالث؟ ولم الصف الثالث بالضبط؟. أهي مصادفة أم أن ذلك مقصود من طرف الكاتب وراويه؟.
نعرف أن الكاتب الأستاذ سهيل عيساوي رجل تربية وتعليم وتدبير إداري.. لذا هو يعرف أهمية الانتقال من المرحلة المتوسطة إلى المرحلة الأخيرة من التعليم الابتدائي. ولذا الطفل في هذه المرحلة مقبل على سلوكات وقيم عليه تشربها والعمل بها. والمدرسة تقدم له مجموعة منها. ومدى تفاعله مع هذه القيم يؤثر على قابل حياته المدرسية، بل حياته الشخصية عامة.
من هنا تذكرت يارا ما أخذته في الصف الثالث عندما كانت تلميذة، وأصبح هذا الفعل جزءا من سلوكها المهني، وأرادت تطبيقه على تلامذتها، وقد نجحت في ذلك، واستطاعت أن تخلق في فصلها جوا من الأمان والمحبة والتواصل الفعال والمتبادل.
4- طلب المعلمة سارة من تلامذتها تخيل مهنة المستقبل: إن هذا المقطع والذي امتد عبر تسعة أسطر، وشغل الصفحة 8و9نومتكونا من 49 كلمة يقدم لنا علم يارا الطفولي، فنجلس معها في فصلها الثالث الذي تدرس فيه، ونقابل معها معلمتها سارة. ونقف إلى الفعل المؤثر الذي قامت به هذه المعلمة وطبع شخصية يارا، وأثر فيها، وهو طلبها من التلاميذ إغماض عينيهم لمدة دقيقة واحدة، وتخيل المهنة التي يحبونها ويريدون ممارستها في المستقبل.
إنه دفع بالطفل الذي ما زال في المرحلة المتوسطة، إلى القيام بفعل استباقي استشرافي، وهو التفكير في هدفية الفعل المدرسي الذي يقوم به ووظيفته. وجعله في موقف نفسي ينظر فيه إلى الشخصية التي يريد أن يكون عليها. هذا أول شيء. كما أن الشيء الثاني والذي تريد المعلمة سارة إيصاله إلى تلامذتها هو أنه يجب قبل الإقدام على شيء ما التفكير فيه والتخطيط له. وهذان الفعلان السلوكيان يؤديان إلى البحث عن وسائل الإنجاز والتحقيق، ومن ثم هي تريد أن تدربهم على أن الحياة تقوم على التنظيم والتخطيط وبناء (وضع) الاستراتيجيات.
لكن السؤال المطروح، هو: لم نربط التخيل أو على الأصح التفكير في مهنة المستقبل بإغماض العينين؟.
إنها حيلة من المعلمة سارة لدفع التلميذ إلى التركيز في الأمر، وإبعاده عن كل المشوشات التي ستعيقه عن التفكير، ومنها الرؤية والالتفات نحو الأصدقاء وما إلى ذلك.
5- عرض التلاميذ لأحلامهم: وهو أطول مقطع في القصة، ويمتد عبر 63 سطرا من الصفحة 10 إلى 28، متشكلا من 390 كلمة، أي أكثر من نصف كلمات القصة كلها (659 كلمة)، محققا بذلك نسبة 59.18%.
وفي هذا المقطع نقف إلى أحلام التلاميذ وتصورهم للمهنة المستقبلية التي يحبون ممارستها، وهذه الأحلام هي كالتالي:
الصفحة |
الشخصيات الحالمة |
المهنة المتخيلة |
الغايات |
10 |
أحمد |
مهندس معماري |
تخطيط البيوت بدقة وإبداع- بناء المدارس ليسعد بها التلاميذ. |
سامي |
صحافي |
رصد آلام الناس- رصد أقوال الساسة- رصد قضايا المجتمع. |
|
فرح |
طبيبة أطفال |
إبعاد الآلام عن الأطفال- منحهم الحلوى |
|
12 |
سجود |
طبيبة أسنان |
ضرب معاقل السوس- أن ينعم الأطفال بأسنان بيضاء وسليمة |
ابراهيم |
طيار مدني |
التحليق بعيدا- مشاهدة البحار والمحيطات والدول- الطيران فوق السحاب من مكان إلى آخر. |
|
14 |
معتز |
تاجر كبير |
السفر إلى الصين لشراء البضائع- الاغتناء |
خالد |
نجار مشهور |
صناعة الأسرة للأطفال- صناعة الأسرة للأزواج الشابة |
|
ديما |
ممرضة |
مساعدة الطبيب- ضماد جراح المرضى- تصبح مثل أمها الممرضة |
|
16 |
أسعد |
تاجر سيارات |
بيع وشراء السيارات –قيادة أفخرها |
راما |
رسامة |
رسم اللوحات الجميلة- رسم غابة فيها جميع الحيوانات- أن تكون لوحاتها مثل لوحة الموناليزا |
|
18 |
عادل |
لاعب كرة قدم |
تسجيل الأهداف مثل ميسي |
محمد |
فلاح |
امتلاء حظيرة أبقار كبيرة- بيع اللحوم |
|
فاضل |
عالم فضاء |
الصعود إلى كوكب جديد- النظر إلى الكرة الّارضية من الفضاء |
|
20 |
مها |
مذيعة في التلفاز |
تقديم البرامج |
لؤي |
محام |
الدفاع عن الفقراء والمظلومين |
|
رنيم |
ممثلة |
إضحاك الناس- طرد همومهم |
|
22 |
مهدي |
إمام مسجد |
اعتلاء المنبر يوم الجمعة والخطبة في الناس- إسماعهم المواعظ والحكم |
حافظ |
شرطي |
التخفيف من حوادث السير |
|
ريم |
مستشارة تربوية |
الاستماع للتلاميذ- تقديم النصح لهم |
|
24 |
لين |
شاعرة |
نظم قصائد المدح والهجاء- التعبير عن مشاعرها بارتياح |
رامي |
منقذ بالشاطئ |
إنقاذ المصطافين من الغرق والموت |
|
26 |
فاطمة |
مصورة |
التقاط صور للأطفال- التقاط صور للعرسان |
ثائر |
فلاح |
زرع الخضراوات مثل جده |
|
أمجد |
بناء |
بناء البيوت الشاهقة |
|
28 |
يارا |
معلمة |
تدرس مثل معلمتها سارة- رسم الابتسامة على وجوه الأطفال- تعليمهم بحب وحنان |
المجموع:10 صفحات |
26 شخصية (تلميذا) |
26 مهنة |
– بعضها مهن خدماتية (تخدم الوطن والإنسان) 14 مهنة – بعضها مهن خاصة تعبر عن رغبة وهواية (6 مهن). – مهن لإصلاح المجتمع (5 مهن) |
لكن عندما نتمعن هذه المهن نتساءل: في أي منبت نبتت؟ وفي أي فضاء سترعى هذه الأحلام؟.
بما أن الكاتب سهيل عيساوي فلسطيني الأصل والمنشأ، فهو يقدم لنا شخصيات فلسطينية. فنجد أسماء عربية قديمة تراثية (أحمد- ابراهيم- خالد- محمد- مهدي- حافظ- فاطمة)، وأسماء فلسطينية معاصرة (ديما- راما- لين- يارا) ولكل اسم دلالته.
لكن هل هذه الشخصيات الطفلية الفلسطينية تمتلك وعيا فلسطينيا بالقضية الفلسطينية (الوطنية)؟
فهناك مهن غائبة: أين الجندي/ المقاوم؟ والحقوقي المدافع عن القضية الفلسطينية في المحافل الدولية؟ أين السياسي المحنك المدافع عن الوحدة الوطنية؟ أين الداعية الداعي إلى الائتلاف الوطني، والداعي إلى التسامح والتصالح والتعايش والسلام؟ أين الأديب الذي يدخل العالمية من بابها الواسع ويعطي صورة رفيعة عن الإنسان العربي وقضاياه؟
فهل هذه الأحلام المقدمة في (يارا ترسم حلما) هي كل طموح الطفل الفلسطيني/ العربي؟
اللافت للانتباه، هو أن الأسماء الواردة ، فيها اسم صريح يدل على الوجود الفلسطيني الذي راد خنقه، وهو (ثائر). لكن دلالة الاسم لا تتوافق والطموح والحلم الذي يريده أن يتحقق. إنه يريد أن يكون صورة لجده.. فلاحا مثله، ينتهي طموحه في زرع الخضراوات والحبوب.
6- رد فعل المعلمة سارة ونصيحتها لتلامذتها: ويمتد هذا المقطع عبر الصفحة28 من خلال خمسة أسطر. وفي هذا المقطع نجد الفعل التوجيهي والإرشادي والوعظي، حيث تنصح المعلمة سارة تلامذتها ب:
– التمسك بأحلامهم.
– أن أحلامهم مثل البذرة يجب الاعتناء بها حتى تكبر.
– صيانة أحلامهم حية في صدورهم وعقولهم.
هذه الأفعال الثلاثة (التمسك- الاعتناء- الصيانة) ولو أنها متقاربة في الدلالة، فهي لها هدف واحد، وغاية مشتركة، وهي العبور بالحلم إلى المستقبل، وتحويلها من مجرد حلم إلى واقع وحقيقة.
لكن هناك سؤال إشكالي: هل من الضروري أن تشتمل قصة الأطفال على وعظ وإرشاد وتوجيه في قصديته موجه إلى المتلقي/ الطفل؟ ألا يجعل هذا المتلقي يرى في القصة مدرسيتها، وتذكره ساعتها بالدروس الممجة والفصل الرتيب، والعمل المدرسي الشاق والثقيل؟ وتكون النتيجة عكسية، وهي النفور من قراءة القصة بالمرة؟ وبالتالي تضيع هادة القراءة كما هي ضائعة اليوم في عالمنا العربي.
7- سؤال يارا عن موت الأحلام: الطفل في أواخر مرحلة الطفولة المتوسطة وبداية مرحلة الطفولة المتأخرة، يبدأ إدراكه السطحي بالموت، والذي يعتبره غيابا.. لذا جاء هذا المقطع يحمل سؤالا فلسفيا: هل الأحلام تموت؟.
كما هو معروف أن خيال الطفل في هذه المرحلة يصبح إبداعيا تركيبيا، ينمو بسرعة وشدة- كما يقول الدكتور محمد أنقار-. كما أن الطفل يخرج من تمركزه الذاتي ومن أنويته son égocentrisme إلى الاندماج الاجتماعي والتشاركية، والتفاعل مع المحيط، والرضوخ لقانون الجماعة.
و"يبدي الطفل في سنته السابعة اهتماما ملحوظا إلى حد ما بأسباب الموت. تكبر السن والعنف والمرض. وفي الثامنة يخطو ببطء من الاهتمام بالقبور والجنازات إلى الاهتمام بما يحدث بعد الموت. والطفل في هذا الطور يفهم تماما فكرة الإله بصفته خالقا للدنيا والحيوانات، وربما تصور في سنته الثامنة الموت باعتباره عملا مباشرا من أعمال الإله أو نتيجة للمرض، أو أنه يتسبب عن مرض هو بدوره بمثابة عقاب من الإله"
والطفل في هذه المرحلة "قادر إلى حد ما على الفهم والمناقشة والحوار مع رفاقه. وقد يعمد أيضا إلى إعطاء الأدلة والبراهين ليؤكد وجهة نظره.
هنا نجد في الواقع موقفا حجاجيا بين المعلمة سارة والتلاميذ أحمد ويارا وأمجد وهو موقف يمكن أن نستشف منه مجموعة من الدلالات والإشارات..
الشخصية |
موقفها |
الغاية منه |
الملفوظ المستعمل |
أحمد |
السؤال |
الاستفسار والاستنكار |
هل تموت الأحلام؟ |
المعلمة سارة |
الإجابة |
تأكيد الخبر |
أجل |
يارا |
السؤال |
الاستفسار والاستنكار طلب التوضيح والتعليل (الكيفية) |
كيف تموت أحلامنا با معلمتي؟ |
المعلمة سارة |
الإجابة |
التوضيح والتفسير الإبانة عرض الحجة والإقناع |
تغتال أحلامنا بأيدينا (…)عندما نتجاهلها ونهملها |
يارا |
المقارنة التأكيد (الإرداف) |
المقارنة تأكيد الخبر الاقتناع |
الحلم كالنهر.يمكن ان يجف إن لم نغذيه بالمياه العذبة |
أمجد |
المقارنة التأكيد |
المقارنة تأكيد الخبر الاقتناع بالحجة |
الحلم كالصديق |
المعلمة سارة |
خطابي |
النصيحة الوعظ التحذير |
إياكم ان يتسرب الحلم من بين أصابعكم |
8- شعور يارا وهي تعود من شرودها: في هذا المقطع ما قبل الأخير والذي يمتد عبر ثمانية أسطر، ومتكونا من 36 كلمة، وفيها ينتبه التلاميذ إلى شرود معلمتهم يارا، فينبهونها. ساعتها تستيقظ من حلمها الذي عادت فيه إلى طفولتها، وتدرك واقعها. فتخبرهم بسبب شرودها، وأن واقعها هو بناء حلم طفولي رافقها في حياتها كلها، وهو أنها كانت تحلم أن تكون معلمة، وها هو حلمها قد تحقق. إذن ماذا بعد؟.
ستحاول أن تطلب هي أيضا من تلامذتها أن يغمضوا عينيهم ويتخيلوا ماذا يريدون أن يكونوا في المستقبل، لتستمر الحلقة في دورانها.
هنا سؤال: هل جميع الأحلام تتحقق؟ كم من طفل تحقق حلمه الذي جاء في القصة؟.
9- النهاية: النهاية جاءت عبر ثلاثة اسطر من خلال 19 كلمة، وضمن الصفحة الأخيرة رقم 34. وهي نهاية سعيدة مغلقة، نتبين من خلالها الجو المرح، والجميل الذي يسود الفصل. وكيف صفق التلاميذ لمعلمتهم طويلا، وهذا يبين مدى التوافق والانسجام الوجداني والعاطفي الذي يجمع ما بين المعلمة وتلامذتها. كما نستشف منه الموقف الانفعالي الذي تعيشه المعلمة يارا والذي تعبر عنه:
– احمرار الخدين.
– سقوط الدمعة من عينها.
"أما هي فاحمر خدها قليلا، وسقطت دمعة من مقلتها، امتزجت بالحبر المثبت على الأوراق"..
إن القصة (يارا ترسم حلما) يمتزج فيها التخييل والواقع، تأخذ المتلقي إلى واقعية مألوفة يعرفها ويعيشها، وهي الحياة المدرسية، وعالم الفصل فيها…
فالقصة تعرف مدخلا ومخرجا أو على الأصح بلغة التربية مدخلات ومخرجات. ويمتد المدخل عبر 32 صفحة، أما المخرج فعبر صفحتين اثنتين.
يبدأ المدخل بدخول يارا غرفة المعلمين، ويدور المخرج حول تصفيق التلاميذ لمعلمتهم،وإدماع عينيها من التأثر والانفعال، وما بين المدخل والمخرج يتم الارتداد إلى الماضي البعيد لاستحضار صورة قسم يارا، وصورة معلمتها سارة، واستعراض كل واحد من التلاميذ زملائها لحلمه، أو مهنته المستقبلية. وكل هذا تم في حصة دراسية صباحية لا يتجاوز مدتها الزمنية 30 دقيقة. وهذا البين المدخل والمخرج هو ما يعطينا الزمن القصصي.
لكن إذا أخذنا هذا الزمن القصصي في واقعيته، نجده طويلا قد يمتد لساعة أو أكثر. ونستنبط أن عرض الأحلام من طرف 26 تلميذا هو الحاضر القصصي، وهو وسيلة اعتمدها الكاتب لاستعادة (يارا) لهذا الماضي القصصي، والرجوع إلى طفولتها البعيدة. وهذا نستنتج منه أن الزمن القصصي يضم الحاضر والماضي القصصيين. ولكن الحاضر المحدد بدخول قاعة المعلمين، ودخول الفصل الدراسي وتحية التلاميذ التحية الصباحية، يحتوي الماضي البعيد والطويل بواسطة تقنية الارتداد والاسترجاع دون انفصال عنه " بحيث يبدو الحاضر منطلق الزمن وقاعدته ومنتهاهط.
إن حكاية (يارا) هي الأداة الوحيدة لتحديد زمن استرجاع الماضي. فمنذ إعلان الراوي دخول يارا قاعة المعلمين ثم قاعة الدرس، يتم إعلان الزمن الحاضر، وضمنه يتم استرجاع الماضي البعيد: زمن الطفولة. ويمتد هذا الاسترجاع من لحظة تحية يارا تلامذتها إلى تنبيهها من طرفهم وخروجها من شرودها. وهنا تكمن فنية الرواي، حيث يقدم لنا جزءا من ماضي الشخصية يارا، والتعرف عليه من خلال استرجاعها لهذا الماضي الطفولي، ليبين لنا من خلال هذا الاسترجاع أن يارا تتمثل تجربة أستاذتها، وتقليدها وامتصاصها لها، وتأثرها بها.
إن الأحلام المروية عن طريق الاسترجاع والارتداد،هي الغرض الأساسي من هذه القصة. بل إنها الرؤية المعبرة عنها من طرف سهيل عيساوي لواقع الطفل الفلسطيني أو على الأصح التلميذ الفلسطيني، ومن ثم ابتدأت بالحاضر ليتم الانتقال إلى الماضي ثم العودة إلى الحاضر في تماسك جميل. وقد تحقق بذلك الاسترجاع ثم الاستشراف (الاستباق).
فالاسترجاع تقنية اعتمدها الراوي للوقوف على ماضي يارا، وبعضا من حياتها المدرسية وما تم فيه من استدعاء للأحلام. والاستباق هو انتقال إلى المستقبل الذي تخيله هؤلاء التلاميذ والمهنة التي يمارسونها فيه. ولكن هل هو استشراف حقيقي أم كاذب؟ على الأقل ما تحقق منه على يارا يجعلنا نعتبره استشرافا حقيقيا قد تحقق مضمونها في السرد اللاحق. وتمثل في كونها أصبحت معلمة، وهي تقف اليوم أمام تلامذتها تعيد معهم الموقف الذي عاشته مع معلمتها سارة عندما كانت طفلة في الفصل الثالث.
– الشخصيات:
تتضمن قصة (يارا ترسم حلما) مجموعة من الشخصيات الرئيسية والثانوية. وإذا ما عدنا إلى عدد الأسطر التي شغلتها كل شخصية، استطعنا أن نعرف الشخصية المحورية والرئيسية والمؤثرة في القصة كلها.
ومن الشخصيات المحورية نجد:
1- المعلمة سارة، وقد شغلت 17 سطرا داخل القصة أي بنسبة من جموع أسطر القصة.ولم يقدم لنا الراوي أي إشارة تساعدنا في وضع صورة مقربة لها، لا يوجد أي توصيف فيزيولوجي لها.لكن بالمقابل من خلال علاقتها بتلامذتها وطريقة التعامل معهم. يمكن أن نرسم ملامح لشخصيتها، فهي شخصية محبوبة، هادئةـ متزنة، تحترم تلامذتها وتقدرهم، وتحبهم، وبالتالي خلقت نوعا من الود والألفة ما بينها وبينهم. إنها شخصية متفتحة، متسامحة، ذات إلفة وحسن معاشرة ومعشر، تحب عملها وتتفانى فيه.
2- الشخصية الثانية، هي شخصية يارا المعلمة بمدرسة الأحلام، شغلت 24 سطرا داخل القصة.ابتدأت بها القصة وانتهت بها. نجد لها توصيفا نفسيا ومزاجيا وسلوكيا، يعطينا صورة مقربة عنها.
فمن الإشارات النفسية نجد:
– الثقة والاعتزاز بالنفس (منتصبة القامة، تمشي بخطوات واثقة).
– المودة (طرحت السلام).
– البشاشة (مبتسمة) وحب الحياة.
– الانشراح وانبساط النفس والتفاؤل(توجهت المعلمة يارا إلى الصف الثالث"أ" بفرح وغبطة وسرور).
– احترام التلاميذ (قالت بصوت مرتفع: صباح الخير يا طلابي).
حبهم لها وحبها لهم (أجاب الطلاب: صباح النور يا معلمتي).
– الشوق والحنين إلى أيام الدراسة والطفولة (عادت بها الأيام عندما كانت طالبة في الصف الثالث).
– الطموح والنجاح والإرادة، والعزيمة القوية (قالت يارا: أحلم أن أصبح معلمة مثلك يا معلمتي).
– الحنان والرأفة والحنية (قالت ووجهها طافح بالحنية).
– الوداعة والتواضع (أما هي فاحمر خدها قليلا، وسقطت دمعة من مقلتها).
لكن الشيء الذي اعتمده الكاتب في إعطاء المتلقي صورة مقربة عن كلا الشخصيات، هي الصورة المرافقة للنص السردي، فنكتشف يارا بأناقتها وجمالها، وشعرها الأصفر وثيابها العصرية الأنيقة. كما نكتشف صورة سارة، ولا تكاد تختلف كثيرا عن يارا. ونتعرف إلى بعض التلاميذ، فنتعرف إلى أحمد وبراءة وجهه الطفولي، وخالد الذي يريد أن يكون نجارا وأسعد ببذلته الأنيقة ومحفظته الجلدية، وعادل ببذلته الرياضية التي تحمل رقم ميسي (10)، ورنيم بلباسها الأحمر الفاتن ورقصتها الهيفاء. وحافظ بزيه المخزني البوليسي، وصورة ثائر بلباس العمل ممسكا مدراته. وفاضل بلباسه الفضائي، وديما بوزرتها البيضاء. لكن هناك صورة لا توافق الشخصية وهي صورة الطبيب وفرح هي الوحيدة التي تتمنى أن تكون طبيبة أطفال. وبما أن الصورة تشخص طبيبا يضع السماعة في أذنيه فإنها تعبير عن حلم فرح.
وهذه الشخصيات كلها نعرفها بالاسم والمهنة. وسنها متقارب جدا، خاصة وأنهم تلامذة الصف الثالث، وتجمع بينهم علاقة الزمالة والصداقة والدراسة.
والتلاميذ كشخصيات، دفعت وحفزت إلى التعبير عن شيء مستقبلي (مهنة الغد) بواسطة طريقتين:
أ- إغماض العينين والتفكير في مهنة يحبون ممارستها في المستقبل (تخيل).
ب- التعبير عن هذا التخيل/التفكير (الإفصاح عن الحلم).
هناك سؤال يطرح نفسه: ما وجه الشبه بين الشخصيتين سارة ويارا؟
من خلال أحداث القصة نجد أن يارا نسخة مكررة للشخصية سارة… فالتكرار تجلى في تكرار نفس السلوك والمعاملات.. وفي نفس المواقف والاتجاهات.. وحتى الجاني الوجداني والعاطفي أي القيم الوجدانية نجدها تتكرر أيضا.. لم؟ لأن يارا كشخصية طفلية قلدت وحاكت وامتصت شخصية سارة… وبالتالي كان هذا التقمص والتقليد والامتصاص إيجابيا.. وقد أعطى ذلك تقريبا نفس النتائج.
على مستوى التقابل والتشاكل الاسمي نجد تشابها بين (يارا) و(سارة) فهناك تجانس صوتي بين الاسمين: يارا (/0/0)= سارة (/0/0).. كما أن هناك تقابل بين الكلمتين، فقد حققتا جناسا غير تام، (يارا- سارة) تقابلتا في (الألف والراء)، واختلفتا في (ي- س ا- ة)…
– الفضاء الزماني والمكاني:
القصة (يارا ترسم حلما) تدور في فضاء مغلق هو فضاء المدرسة وفضاء حجرة الدرس.وهو فضاء يعج بالمحبة والسكينة والألفة يحقق المتعة واللذة لدى تلامذته، الشيء الذي يفرغ دواخلهم من كل صراع أو ضيق أو إحباط.
والشخصية المحورية (يارا) نجدها في علاقة مع ثلاثة فضاءات، هي:
– المدرسة كفضاء كلي مغلق.
– قاعة المعلمين كفضاء جزئي مغلق.
– قاعة الدرس (الفصل الدراسي) كفضاء جزئي مغلق أيضا.
كما أن هذا الفضاء المكاني (المدرسة- القسم) يمثل عنصر التماسك وتمتين العلاقة بالشخصية المركزية (يارا)/(سارة)، ويعمق في ذاتها المحبة والألفة، والحميمية، والصداقة والتقدير.
إما الفضاء الزماني فنجده محددا في فترة زمنية معينة هي الفترة الزمنية الصباحية. وهناك مؤشر يدل عليها وهو ملفوظ يارا وتلامذتها:
(- صباح الخير يا طلابي.
أجاب الطلاب : – صباح النور يا معلمتي).
فهذان الملفوظان يتضمنان دلالة زمنية محددة، تحددها كلمة (صباح).
كما أن الأحداث منحصرة بين سياقين زمنيين: سياق زمني ماض وتمثله عملية الاسترجاع والارتداد إلى الماضي، واستحضار أحلام التلاميذ، ومهنهم المستقبلية. وسياق زمني مستقبلي وتمثله الأحلام نفسها، أو الأماني والرغبات (المهن) التي يود التلاميذ أن تتحقق. كما أن هناك سياق زمني حاضر تمثل في دخول القسم ولحظة الارتداد إلى الماضي، ولحظة تصفيق التلاميذ ليارا، وإدماع عينها من الانفعال والتأثر.
كما أن هناك سياق زماني فعلي، مثلته الأفعال الموظفة في النص القصصي،وبالتالي ضم النص مجموعة من الأفعال الموزعة عبر أزمنتها الصرفية (الماضي والمضارع والأمر). وهذه الأفعال ينظمها الجدول التالي:
البيانات |
الفعل الماضي |
الفعل المضارع |
الفعل الأمر |
الفعل المضارع المقلوب الزمان(مسبوق بلم) |
المجموع |
العدد |
58 |
126 |
02 |
02 |
188 |
النسبة المائوية |
30.86% |
67.02% |
1.06% |
1.06% |
100% |
من خلال الجدول نلاحظ أن الفعل المضارع له الغلبة، حيث تكرر 126 مرة محققا نسبة 67.02%، وذلك لنوعية الخطاب الموظف المعتمد على الحوار الذي يستشرف المستقبل، ويتكلم عن أشياء لم تقع بعد. لذلك القصة تعتمد التوكيد l’affirmation على الخطاب الاستباقي الاستشرافي (الحلم والتخيل).
كما أن القصة بدأت بالفعل الماضي وانتهت به ليبين أن الحكاية رغم ارتفاع عدد الفعل المضارع فهي ذات سياق ماضوي لواقعية الأحداث وتخيلها.
والقصة تسير إيقاع سريع يمكن الوقوف عليه من خلال التقنيات التي وظفها الكاتب سهيل عيساوي وهي:
1-الخلاصة le sommaire: وتعتمد الخلاصة في الحكي على سرد أحداث ووقائع يفترض أنها جرت في سنوات أو أشهر أو ساعات واختزالها في صفحات أو أسطر أو كلمات قليلة دون التعرض للتفاصيل. "لقد حلمت طوال حياتي بلقائكم. حلم رافقني منذ نعومة أظفاري، عندما كنت في جيلكم" (ص:34).
فالانتظار لملاقاة التلاميذ منذ الحلم إلى أن تحقق وهي مسافة طويلة جدا، لكن المدة الزمنية تجاوزها الراوي واختصرها في هذه الجملة أعلاه.
2- الاستراحة la pause أو الوقفة: وهي الوقفة التي يختلقها الراوي ليترك المجال للوصف: "دخلت المعلمة يارا غرفة المعلمين في مدرسة الأحلام منتصبة القامة، تمشي بخطوات واثقة". فالراوي توقف عن السرد ليصف هيأة يارا، ونفسيتها، ويعطينا صورة عن برانية وجوانية يارا، مستعملا الحال (منتصبة)، والنعت (واثقة).
3- القطع l’éllipse: وهي تجاوز مرحلة زمنية، ويكتفي بالإشارة إليها دونما تفصيل، والتعبير عنها بالقول مثل (مرت أيام).
"عادت بها الأيام عندما كانت خالية في الصف الثالث، حينذاك طلبت معلمتها سارة من طلاب الصف أن يغمضوا عيونهم لمدة دقيقة واحدة (ص:6).. فهناك قطع وتجاوز لمرحلة زمنية تم فيها الانتقال من الحاضر إلى الماضي البعيد، ثم القفز عليها وتعويضها بلفظة زمنية (حينذاك).
4- المشهد la scène: وهي مقاطع حوارية يوظفها الراوي لخلق دينامية في النص، وإعطاء الشخصيات واقعيتها.."
"سأل أحمد: وهل تموت الأحلام؟
أجابت المعلمة سارة: أجل".
وقد استعمل في تقديم ملفوظات الحوار على فعل القول (قال) والاستفسار (سأل). وقد تكرر فعل قال 32 مرة، وسأل ثلاث مرات.
وهذا الحوار المبني على القول كان لطرح الحلم، والإفصاح عنه، وقد تناسب القول مع الحلم الذي تكرر 38 مرة.
– صيغة الخطاب واللغة الموظفة في الخطاب:
إن الراوي في قصة (يارا ترسم حلما) يتكلف بسرد الأحداث وعرضها، ومن ثمة وأمام استخدام السرد تصبح الصيغة الخطابية المهيمنة هي صيغة الخطاب المسرود، وهذه الصيغة الخطابية تتضمن صيغا فرعية أخرى كالوصف والخطاب المسرود الذاتي.
* الخطاب المسرود:وهي الأحداث التي يقدمها الراوي مستعملا ضمير الغائب، وفيها يقدم الشخصيات والمواقف والوقائع. وهذا الخطاب المسرود تظهر فيه هيمنة الراوي العليم بكل شيء. إنه راو مطلق الحضورomniprésent ومطلق المعرفة omniscient.
وقد تضمن بداية القصة خطابا مسرودا كما انتهت به أيضا " دخلت المعلمة يارا غرفة المعلمين في مدرسة الأحلام"، "صفق الطلاب طويلا للمعلمة يارا، أما هي فاحمر خدها قليلا، وسقطت دمعة من مقلتها، امتزجت بالحبر المثبت على الأوراق (ص:34).
*الخطاب الواصف:يعمل الراوي على إيقاف السرد ليترك المجال للوصف، والذي يؤدي وظائف تفصيلية وإخبارية وتوضيحية/ تفسيرية، أو تعزيزية. ومن خلال الوصف الوارد في بداية (يارا ترسم حلما) نتعرف إلى نفسية يارا المعلمة الشابة، وهيأتها والحالة التي جاءت عليها إلى المدرسة، ودخلت بها قاعة المعلمين "منتصبة القامة تمشي بخطوات واثقة، طرحت السلام مبتسمة.
"وهذا ما جعل إيقاف السرد يتسم بنوع من السرعة، وإذا كان الوصف كصيغة من صيغ الخطاب له دوره ووظيفته في الحكي، فإننا سنجده يتوارى وراء السرد، ولا يستعمل إلا نادرا جدا".
* الخطاب المعروض: وهو الخطاب الذي يقوم به الراوي بإثبات أقوال الشخصيات أو خطابها، بدون أي تدخل، وملفوظات الشخصيات بضمير المتكلم، وحواراتها تشكل في القصة خطابا معروضا مباشرا. قال أسعد: أحلم أن أصبح تاجر سيارات، أبيع وأشتري وأقود أفخر السيارات" (ص:16).
* الخطاب المنقول le discours rapporté:وهو الخطاب الذي يقوم فيه الراوي بسرد أقوال غيره من الشخصيات بطريقته الخاصة. ويتجلى هذا الخطاب المنقول في نقل الراوي للكلام الذي وجهته سارة لتلامذتها حين دخلت قاعة الدرس الخاصة بالصف الثالث، والذي طلبت فيه منهم أن يغمضوا عينيهم، ويتخيلوا مهنة يحبون ممارستها في المستقبل:" حينذاك طلبت سارة من طلاب الصف أن يغمضوا عيونهم لمدة دقيقة واحدة، وأن يتخيل كل طالب نفسه مع مهنة يحبها ليعمل بها في المستقبل" (ص:6).
والقصة تعتمد على راو يحكي القصة ووقائعها، ولكن في الاسترجاع الذي عرفنا فيه المهن التي يحلم بها تلامذة الصف الثالث لممارستها مستقبلا، تم الاعتماد على تعدد الرواة. وقد تكلفت كل شخصية بحكاية حلمها، والإفصاح عنه، وكل حلم يخالف الأحلام الأخرى، وبالتالي حصلنا على حكي داخل حكي، ومن ثم حصلنا على قصة متعددة الأصوات، بوليفونية.
وقد اعتمد سهيل عيساوي في قصته (يارا ترسم حلما) على لغة بسيطة، سهلة، خالية من غريب اللفظ ووحشيه.. وعرض الأحداث بأسلوب سلس يناسب طفل المرحلة المتأخرة، موظفا الجملة القصيرة، التي غلبت فيها الجملة الفعلية، ليميز الحدث وهو الحلم بنوع من التبئير والمركزية.
وما يميز النص القصصي عند سهيل عيساوي، هو اعتماده على الروابط، الشيء الذي يجعل بناءه يتم بالمشهدية والحركية، والمسرحة، ويمكن تشخيصه، ومسرحته.
وقد وظف رابطين اثنين فقط،وهما (الواو) الذي يفيد العطف،وقد تكرر 42 مرة،و(ثم) التي تفيد العطف والتراخي، وجاءت مرة واحدة،" طرحت السلام مبتسمة،ثم تناولت كأسا من الماء" .
كما استعان بتقنية بلاغية في بناء النص القصصي وهو الفعل أي ترادف الجمل بعضها وراء بعض دونما حاجة إلى رابط (حرف عطف) كما في ملفوظ فاضل: "قال فاضل: أحلم أن أصبح عالم فضاء، أصعد إلى كوكب جديد، أنظر إلى الكرة الأرضية من ذلك الكوكب البعيد"(ص:18).
وكذلك في ملفوظ عادل، ومحمد، ومها، ولؤي، وحافظ، ورامي، وياسمين، وأمجد. فملفوظ فاضل يتكون من ثلاث جمل مفيدة لا رابط يصل بينها، وهي:
– أحلم أن أصبح عالم فضاء.
– أصعد إلى كوكب جدي.
– أنظر إلى الكرة الأرضية من ذلك الكوكب البعيد.
ولكن تصل بينها علامة الترقيم وهي الفاصلة. ولذا جاء توظيف الترقيم في النص متنوعا كما يلي:
البيانات |
(،) |
(.) |
(؟) |
(:) |
(" ") |
(…) |
(..) |
المجموع |
العدد |
62 |
41 |
36 |
37 |
2 |
3 |
4 |
152 |
النسبة المائوية |
40.78 |
26.97 |
1.98 |
24.34 |
1.32 |
1.98 |
2.63 |
100 |
والنص القصصي جاء مشكولا، ولو أنه يجب الدقة في شكل هذه الجملة (أشاهدُ البحارَ والمحيطاتَ والمدنَ والدولَ)، والصحيح (المحيطاتِ) لأن جمع المؤنث السالم ينصب بالكسرة النائبة عن الفتحة.
كما أن (معتز- خالد- عادل- محمد- فاضل- حافظ) جاءت منونة، ونعرف أن العلم يمنع من الكسر والتنوين لأنه ممنوع من الصرف بحكم العلمية.. كما أن (شرطيا) تحتاج إلى شدة لأن الياء هنا ياء النسب. و(متناهية) الياء تحتاج إلى شدة لأن الكلمة مصدر صناعي.
– البعد التربوي والقيمي في القصة: القصة لا تخلو من أهداف تربوية وقيمية، يتغيى الكاتب سهيل عيساوي إيصالها إلى المتلقي/ الطفل، ومن الأهداف التربوية والقيم الأخلاقية المتضمنة في النص القصصي نجد ما يلي:
– الثقة بالنفس والاعتزاز بها.
– محبة الآخرين.
– المبادرة بالسلام والتحية.
– حب العمل والإخلاص فيه وإتقانه.
– الاحترام والتقدير.
– التخطيط ووضع هدف في الحياة.
– التفاؤل والأمل.
– بذل الجهد والمثابرة.
– التعاون ومساعدة المحتاجين.
– التضامن والتكافل.
– إسعاد الآخرين.
– الصدقة والبر والإحسان.
– الترويح عن النفس.
– مواساة الآخرين.
– التعلم ومحاربة الجهل والأمية.
– العدل واحترام حقوق الإنسان.
– النصيحة والإرشاد.
– احترام القوانين.
– بناء المستقبل.
– المحبة والحنان والرحمة.
– الصداقة.
هكذا تقدم (يارا ترسم حلما) متعة، وسفرا جميلا للمتلقي/الطفل، يجد فيه لذة القراءة ولذة المشاهدة (قراءة الصور)، ولذة اللغة.