حوار مع الشاعرة الفلسطينية آمنه مهنا من ام الفحم
تاريخ النشر: 19/01/14 | 7:11الحروف تسكنها منذ الصغر، المعاني تغازل دواخلها وتراقص مخيلتها، عاشقة للكلمة المخملية الجميلة والرقيقة، تكتب ما تملي عليها مشاعرها وما يريد مداد قلمها، متمكنة من الإمساك بأدواتها، تجمع في قصائدها الوطني والوجداني بأسلوب سلس.
نجحت في فرض نفسها في المشهد الثقافي والشعري الفلسطيني، وتمكنت من نقل القراء إلى جو نصها الشعري الشفاف الدافئ بإيحاءاتها ومعانيها المرهفة وكلماتها العذبة.
إنها ابنة الوجع الفلسطيني المقيمة في مدينة أم الفحم، الشاعرة آمنة أبو حسين – مهنا، التي أجريت معها هذا الحوار حول تجربتها ومسيرتها الشعرية والأدبية وموقفها من شتى القضايا والمسائل الثقافية.
– هل لك أن تقدمي نفسك للقراء؟
عندما يتطرق الإنسان للتعريف بنفسه يعيش بلبلة غريبة فيغوص في بوتقة الحيرة ويستنقذ كل ما في جعبته لكي يمسك بتلابيب الكلمات التي من شأنها أن تعرف به- من هو؟ وكيف وصل إلى هنا؟ وكيف يجسد فكرة واضحة الملامح عن نفسه، لذلك لا أملك أن أثرثر حول من هي آمنه أبو حسين- مهنا، إنني امرأة أشبه كثير من النساء، وما اعرفه أنني رضعت حليباً ممزوجاً بالمثابرة. فأنا سيدة من مواليد أم الفحم، حصلت على اللقب الأول من أكاديمية ألقاسمي، واللقب الثاني في اللغة العربية وآدابها من جامعة تل أبيب، وكل ما اعرفه إنني عاشقة للقلم، أجيد الرسم بالحروف، فلطالما أسعدني دفء الورق، وأطربتني خشخشته، ولطالما تفردت بصداقتي مع القلم، فكان حبره المتنفس لكل ما يجول بخاطري، فيما أريد التحدث عنه ما يشغلني مما يدور حولي من أحداث في هذا العالم متقلب المزاج منذ أزل.. أحببت الكتابة حد التوجس، حد التماهي، الكلمات معزوفة تسيطر على مسامعي، ومساحات الورق ملعبي ونافذتي التي تطل على عوالم لا حد لها، أدون جيداً بأبجدية اللغة، وأعوم بلا طوق نجاة في بحر أقلامي. تبدأ حكايتي مع الكتابة منذ الطفولة، فقد اتخذتها اعتقاداً وممارسة، وحتى اللحظة ما زالت ملامح كتابتي تعيد انبلاج صبحي من جديد يوماً تلو اليوم، ولدي قناعاتي بأن الإنسان لديه دوماً فرصة ليحقق أحلاماً تراوده مهما سحبته الأيام، فرصده لأهدافه يتحقق بالعزيمة التي من شأنها أن تهزم المستحيل وتبدده، وأجد أنه من الضروري أن يعيش دوماً مع أمل يراوده ليرصد له خططاً واستراتيجيات لتحقيقه وتحويله من مجرد غياهب حلم إلى شمس الحقيقة.
كيف تولد القصيدة لديك؟
القصيدة لدي تولد بلحظة ودون مقدمات إزاء تأثر من موقف معين أو مشهد حياتي أو تلفزيوني، فينسج بداخلي تياراً من مشاعر تدفعني لنسج قصيدة والتحليق في عوالم جميلة.
البدايات الشعرية، بمن تأثرت من الشعراء؟ وهل تذكرين عنوان القصيدة الأولى التي خطها يراعك؟
نزار قباني من أوائل الشعراء الذي كان شعره يستقطبني، غوصه في عوالم المرأة أثر فيّ، والشاعر العظيم محمود درويش بفلسفته الوطنية والشعرية الخالدة والمتفردة نسجت بداخلي حباً لا يقاوم لهذه الأرض ومن عليها ممن يعانون من اجلها، واحمد مطر وسخريته وإسقاطاته شدني بشكل كبير وأدخلني إلى ما وراء مغزى معانيه. هؤلاء بالأساس أثروا في بشكل كبير، وأذكر أن القصيدة الأولى التي فاضت فيها روحي الطفولية كانت عن فلسطين عروس العالم الكسيرة.
لمن تقرئين؟ وكيف ترين وضع القراءة في زماننا؟
قرأت واقرأ للعديد من الشعراء والمبدعين العرب والفلسطينيين، وكما ذكرت آنفاً فان محمود درويش هو سيد الكلمة، وهو بفلسفته الشعرية وتناوله لتفاصيل القضية الفلسطينية بمثابة ملحمة خالدة في حياة وتاريخ شعبنا الفلسطيني. أما بخصوص وضع القراءة فهو غير مطمئن إطلاقاً خاصة في ظل الانفتاح التكنولوجي الهائل الذي سرق دفء الورق وبريق الحروف، وما زلت أذكر تلك الأيام التي كنا نلهث بشدة وراء الكتب والورق والمجلات. ولا شك أن الكترنة الكتب وإتاحتها بشكل رهيب خفف من لهفة تناولها وقراءتها، خصوصاً لدى الأجيال الجديدة. وسابقاً كان الشخص يرصد الرواية ويعمل على تجميع ثمنها ويذهب بفرح لشرائها، فيعايش حروفها، ويعيش حبكتها ومع أبطالها وبكل ما فيها من مشاعر، لكن للأسف أن أجيال اليوم لا تحمل مثل هذه اللهفة إطلاقاً.
الواقع المعاش والمعاناة اليومية، كيف يحضران في قصيدتك؟ وما تأثير الأجواء السياسية على كتاباتك؟ ومن أين تستنبطين وتستحضرين أفكارك وخواطرك؟
مصادر الاستنباط كثيرة في ظل عالم يغلي بالثورات والتمرد والظلم، فالواقع مثير والمعاناة ليست بوسعنا حصرها لدرجة أن كل ما في جعبة الشاعر والكاتب قد لا يف بالتعبير، والأحداث فاقت كل التوقعات الأدبية والشعرية وكل ما حولنا نستقي منه كتاباتنا ولا ينتهي، ونعيش فيه اللحظة التي تتكرر وتأخذ ذات المواصفات، وشأني كشأن بقية الكتاب والكاتبات ما زلت أتسلق أهداب الليل الحالك، يرهقني صخب الشوارع وأبحث عن باب نهار مشرق لأفتحه، لأجد نفسي بالنهاية مكتظة بتعب التفاصيل. وقد كان لي في صحيفة "المسار" الفحماوية مقالاً أسبوعياً، وكنت أتطرق فيه للأوضاع السياسية عربياً ومحلياً، كما تناولت المواضيع نفسها في نصوص نثرية وطنية تحكي عن الأرض والظلم والثورات وما إلى ذلك.
كتاباتك مليئة بالحزن والألم والغضب والرحيل والغربة والسفر، لماذا؟
لطالما كتبت أن الفرح يحتفي بذاته ويحتفى فيه، والمتبرعون كثر أما الحزن فلا، لذا سأنتصر له، والحزن برأيي المفتاح الماسي للمشاعر والدافع الأقوى للكتابة، إنه مدعاة الكتابة، ولا أعرف مدى مصداقية ما آمنت فيه، لكن تبقى وجهة نظر، هذا برأيي على الأقل، والرحيل والسفر موتيفات تحرك القصيدة وتفعمها بالمشاعر، بينما الغياب والرحيل فيأخذان منا من يغادر على دروب العودة. إنهم يتركون لنا بعضهم الممزوج بالذكريات، بالمواقف بتراسيم الزمن.. ويغادرون.. نتلمس غيابهم بما يفوق تلمسنا لحضورهم، فالفقد طعمه مؤلم حد الوجع، أخاف من الفقد يوجعني، فابتعاد أحد أولادي على سبيل المثال لأي سبب، حتى لو كان طبيعياً ومنطقياً يزعجني، لذلك هذه الموتيفات حاضرة في كياني وبالتالي فيما أكتب.
هل للمكان أثر على كتاباتك؟ وأي الأمكنة أحب إلى نفسك؟
للاماكن سحرها الأخاذ، المكان بطبيعته وبتركيبته المتفردة، المكان شيء مهم في حياة الإنسان لأنه يحمل رائحة طباعه وذكرياته، فكيف أن لا يكون له تأثير عليه. بعض الأماكن تستحوذك بحنان، تستقطبك لتكون رهينها، المكان صديق صامت قادر على أسرك، أحب الأماكن، وأحب ما تحمل من ذكريات. هناك شيء غريب لا قدرة لي على تحليله وهو إنني أربط الأشخاص بالأماكن، فبعض الناس أحبهم في أماكنهم الأولى وبمجرد تغير مكانهم أتخذ منهم موقفاً مغايراً، وهذا على مستوى صداقات أماكن عمل وما إلى ذلك. أما أحب الأماكن إلى نفسي فهي التي أذكرها في طفولتي فتعتريني نوستالجيا غريبة تجاهها
ـ أعيش معها بطريقة متفردة، أعشقها وتسعدني وتبكيني وتفعمني بأرق المشاعر، وأماكن سافرت إليها وأحببتها ولي فيها ذكريات جميلة مع عائلتي- لدرجة أني أملك ذاكرة فوتغرافية فاربط الحدث دوماً بطبيعة وشكل المكان.
كيف يتجلى الحب في شعرك وحياتك؟
– الحب أسمى عاطفة على الإطلاق خلقها اللـه تعالى في قلب الإنسان، وأشكال الحب متعددة، وفي كل صورة ينم عن رقي وإنسانية، ومن يمتلئ قلبه بالحب فمن الصعب، بل من المستحيل أن تغالبه الكراهية والحقد والشر، فالنقيضان لا يلتقيان إلا من أجل العراك. فاللـه حب، والأمومة حب، والإنسانية حب، ومن أنعم اللـه عليه بهذا الحب فهو بالضرورة يعيش سكينة متفردة ومصالحه مع ذاته. في الشعر الحب هو سيد الموقف ويقود القصيدة بزمام وسيطرة لائقة، تأخذك التعابير لطرق مفتوحة، لا وجود إلا شارات ممنوع الدخول فيها، لذا لن أشرب صوتي الشعري مع قليل من الماء البارد، أو أمضغ ما تبقى من كلمات تعيش في قلبي وخلفي قفصي الصدري لئلا تلاقي حتفها، وسأكتب دوماً عن أرق ما وهبنا الله تعالى.
ما هي اللقاءات المميزة في مشوارك الحياتي ومسيرتك الأدبية؟
مسيرتي الأدبية متواضعة جداً وفق ما أرى، فـ "عناق الياسمين" كان باكورة إنتاجي وقدمت له الكاتبة شوقيه عروق، وقد حمل مضامين الحب والمجتمع والوطن، تلاه ديواني الثاني "سيدة الحكاية" ويضم ستة وعشرين قصيدة نثرية تتحدث عن موضوعات كثيرة تعكس بمجملها واقع المرأة، أموتها، عاطفتها، ومواقفها من الأحداث التي تدور حولها بمختلف الأصعدة: الاجتماعية، السياسية، العاطفية والنفسية. وقد كان لي الشرف الكبير أن يحظى هذا الديوان بتقديم من الدكتور محمود كيّال- رئيس قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة تل أبيب، حيث وصفه بـ "الشجن الوجدانية والنفحات الحسية التي تتعمد في مياهها امرأة عاشقة أشبه بليلى الأخيلية، هذه المرأة تعزف على أوتار الحب لحناً متنقلاً بهموم الحياة وجفاء الرجل، إنها سيدة الحكاية التي تعرف كل الأشياء التي أحببتها "تؤول إلى زوال" وأن الحكايا تغتال سؤدد ذاتها، رغم ذلك لا مناص عندها من أن تجوب أروقة الحكايا. كما من دواعي فخري واعتزازي أن تكون لوحة الغلاف بريشة ابنتي حنين محمود مهنا، ويمكنني القول أن "سيدة الحكاية" هي حكاية كل سيدة في داخلها غضب، وتعيش رهينة الوجع الجاثم بثقله على صدرها، اتسمت فيه القصائد بجو الحزن الذي ابتلع ضجيج الحروف فساد الهدوء بين السطور، وكان الأستاذ شاكر فريد حسن قد كتب مراجعة نقدية لديوان "عناق الياسمين" في مواقع مختلفة تطرق فيها إلى طبيعة القصائد والجو السائد فيها، وأيضاً كتب عنه المحامي رفيق جبارين، وفي مواقع أدبية الكترونية تم التطرق لقصائد كثيرة من الديوانيين.
إلى أي المدارس الأدبية تنتمي آمنه أبو حسين- مهنا؟ وأي من نصوصك الشعرية والأدبية الأحب إلى قلبك، ولماذا؟ وهل أنت راضية عن كتاباتك، ومتى تشعرين بجفاف قلمك؟
أنتمي للمدرسة الرومانسية، وقصائدي كأولادي جميعها أحبها وتعني لي الكثير- لذلك خرجت إلى النور، لكني اعتز بقصيدة "في ملكوت امرأة افتراضية"، وقصيدة "أقدم استقالتي"، وقصيدة "التورط فيك"، وباعتقادي أن هذه القصائد حملت تعابيراً عميقة وقوية ولاقت نجاحاً واستحساناً كبيراً، وحالياً احلم بالرجوع إلى قاعدتي الشعرية وألوم نفسي على الانشغالات الكثيرة، منها الدراسة للقب الثاني الذي فرغت منه مؤخراً، فضلاً عن الانشغالات والالتزامات العائلية المفصلية الرائعة التي تحدث لنا، لكن أبداً لم ينضب القلم ولم يجف الحبر، فالمشاعر ما زالت فياضة صادقة وما هو إلا القليل..
هنالك عقبات وعراقيل يواجهها الإنسان في حياته، ما هي العقبات التي وقفت أمام طموحاتك وأحلامك كامرأة ومبدعة؟ وهل تلمسين تغيراً في مجتمعنا العربي تجاه المرأة والمسألة النسوية؟
أومن بأن الإنسان باستطاعته التغلب على العراقيل ومواجهتها، وأحلامي وطموحاتي لا نهاية لها، وأحياناً أخاف من قدرتي ومثابرتي في الوصول لما رصدت من أحلام وطموحات، ما يحدث أن الفئة العمرية تلعب دوراً أسطورياً في تغيير مجرى الطموحات والأحلام، فالركيزة تختلف بوصلتها والبوصلة تختلف وجهتها، وأنا اليوم لم تضمر طموحاتي إذا صح التعبير لكن كثافتها تحولت إلى ما يعني مستقبل أولادي وحياتهم المستقبلية وما يطرأ عليهم، وهذا اخذ قسطاً وافياً من الطموح الشخصي، وهو يذكرني كل فترة بان علي أن أسعى لهدف شخصي لئلا تخبو الشعلة في داخلي فليس على الإنسان أن ينسى بأنه كيان له حيز وعليه أيضاً أن يكون ذلك البار بذاته، ففي الفترة الحالية توقفت قليلاً عن نشر المقالات والمواضيع الأسبوعية لان ما كان على السطح في المجال العائلي كان يستلزم مني التفرغ له أكثر، لكن النوايا بالاستمرار موجودة والرجوع إلى المسار الأدبي الذي يغذي الروح ما زال يطالبني بالتواجد على الساحة. أن لكل مجتمع عقليته ونظرته وما علينا سوى أن نسير قدماً في المجال الأدبي للتعبير عما يجول في خاطرنا ما دام ذلك لا يسيء إلى مجتمعاتنا وفطرتنا الدينية، ولعل النقد أحياناً يكون دافعاً حقيقياً للتألق والتقدم، وهذه زاوية منيرة تشق ظلام الأفق.
ما رأيك بالحركة الأدبية المحلية اليوم؟ وكيف ترين مستقبل أدب الشباب؟ وما هي الكلمة التي توجهيها للمرأة وللجيل الشبابي الجديد كونك مربية ومبدعة وأماً؟
الإبداع له أشكاله واختلافاته وصورة وفق الزمان والمكان، ولا يجوز المفاضلة، ويجب احترام ما هو وليد الحقبة الزمنية. الشباب يعبرون عن واقعهم وبما يتلاءم مع طبيعة عصرهم ويجب ان نمنحهم حقهم في الاحترام ونحترم ما ينتج عنهم، وإنني ضد التفاخر بجيل على حساب جيل آخر، ما دام النص الرائع هو الذي يفرض نفسه، فالساحة مفتوحة وما يتبقى هو الأجدى. وبدوري أتمنى لكل الشباب الخير والتألق ونيل الفرصة التي يستحقونها، وأقول لهم القراءة ثم القراءة فهي من تغذي الإبداع وتتيح له السطوع.
هل أنت مع أو ضد التسمية "أدب نسائي "وأدب رجالي"؟
إن التصنيف الذي يضع كتابة المرأة في خانة التقليل من شأن إبداعاتها مرفوض جملة وتفصيلاً، لأن الإبداع لم يقتصر على الرجل دوناً عن المرأة. نحن في غنى عن ذكر ما وصلت إليه الكاتبة وما عبرت عنه من خلال إبداعاتها. لذا لا أومن بالتصنيف إطلاقاً، والنص الجميل يفرض نفسه بغض النظر عن جنس حامل القلم. لقد استطاعت المرأة أن تجند خبراتها من خلال حبر قلمها، والمواضيع التي نجحت في تناولها والتعبير عنها ومعالجتها هي ذات المواضيع التي يتناولها الرجل، لذا يبقى الحد القاطع في مدى عرض الموضوع وكيفية تشكيل حبكة الرواية والعمق الذي تنم عنه هو المحك، ويبقى الحكم للقارئ والمتلقي في نهاية المطاف. وقد استخدم بعض النقاد والأدباء المرأة كضحية. والواقع إنني أقف ضد هذا الاستخدام حتى في المجالات الأدبية من قبل الرجل من أجل التحدث بترفع وفوقية، في الوقت الذي امتلأت الساحة الأدبية بالمبدعات، فاعتلتها أسماء نسائية حصدت جوائز أدبية مرموقة، وهذا دليل على رقي كتابتها ودلالة على أنها مخولة بدرجة كبيرة لتعاطي الأدب والإبداع فيه. إن ما تتعرض له المرأة من ندية مع الرجل في الساحة الأدبية يدفع كلاهما للإبداع، وهذا بحد ذاته يغني الساحة الأدبية. ومن هنا لا أجد ضرورة في النقاش الأزلي حول مصطلح "الكتابة النسائية او النسوية" بغرض التقليل من المرأة أو التصنيف الأدبي، ويبقى كل نص خاضع للثوابت النقدية وللقارئ الذي يعد شريكاً في النص من حيث قراءته بغض النظر عن جنسانية الكاتب، لذلك لا داع لان تتعرض الأقلام النسائية للنقد الذي يشير فيه الرجل إصبع الاتهام بأنها تكتب السيرة الذاتية كنوع من الاتهام المغلف الذي قد يحيد بها ويقصيها خوفاً من تداعيات هذه الاتهامات المغرضة. وقد أثبتت المرأة حضورها ببراعة قد تنهي أي تشكيك، وما زالت مستمرة في عطائها وإبداعاتها.
هل أنت من أنصار القصيدة الحديثة أم القصيدة الكلاسيكة القديمة التي تعتمد البحور الخليلية؟ ومن منها الأكثر قرباً على بوحك؟
– أنا من أنصار النص الجميل، النص القادر على توصيل الفكرة، النص الذي لا يخلو من المضامين ويمنح الصدارة للرسالة الأدبية والقيمية للمجتمع، ولو رجعنا إلى القصيدة الكلاسيكية نجد ان هناك قصائد تناقلتها الأجيال وبقيت وما زالت، وهذا يدل على صدقها وقوتها لأنها فرضت نفسها، وهذا حال القصيدة النثرية أيضاً، وذلك يؤكد حقيقة كلامي بان النص الرائع هو الباقي والخالد ويفرض نفسه وبجدارة.
ماذا مع مشاريعك الأدبية المستقبلية؟
ديوان جديد ما زال كالجنين في مرحلة التكوين، أرجو له ان تكتب له الحياة.
إذا طلب منك أن تختاري قصيدة من قصائدك نموذجاً لشاعريتك وملامحك الفنية، فماذا تختارين؟ وماذا تقولين فيها؟
في ملكوت امرأة افتراضية، وأقول فيها:
عبر مدى سرمدي لا تحده الأسوار كانت رحلتي اليك… هاجرتُ الى مدينة خرافية التفاصيل.. معتقة الجدران أنفضُ عني..غُبار الحقيقة وأتركُ مسافات الغربة.. تحتضر بداخلي و..أعبر اليك..رافعةَ راية اللا..مُهم أفتح… أبواب قلبي.. على مصراعيها وأتركه يمارس حلماً يتهادى بربك هل تحلم كل القلوب كقلبي؟ وهل أحلامها برتقالية اللون..منسوجة بطعم العشق.. حرضّتُ خيالي على حمل فأس كريستالي يحطم بضرباتٍ قاضية كبرياء امرأة… وكبرياء رجل تركت قافلتي.. وجئت لأرتشف من عينيك الحكايا لتجعلني أتشبث بآخر شعرة بيني وبين حياة أمعنت بفضِ بكارات الفرح وأحالته حزناً سرمدياً معك.. قررت أن أرسم إمرأة افتراضية تشبه كثيرا.. عرائس السكر إمرأة جاءت إليك لتحلَ لغزَ كومة الأقفال تلك التي أوصدت بها أبواب قلبها أنت أيها المحظور إلا من خلايا روحي يا أيها الرجل الغاضب كيف لي أن أعيد ترتيب ملامح وجهك الغاضب وقمصانك الزرقاء تتربص بي.. في أي لحظة أنت أيها الواقف على أهبة الاستعداد لتتلقف..زلات لساني وتحلل دم كلماتي العابرة منك/ إليك لماذا توقعني تحت طائلة الكلمات الصعبة.. الكلمات الواجفة المُصابه بسعار النطق وجوع الصمت لِمَ لَمْ تعلمني…؟ يا رجل الساعات الطويلة كيف يهرب الانسان من ذاته لمَ لمْ ترشدني بما فيه الكفاية..!! لقلبك الذي يقف كطفل واجف في الزاوية لم تعلمني متى تكون مواقيت الكلام ومهرجانات الصمت تركت كل أسئلتي عالقة..على مشاجب لامبالاتك موشومة باللاجواب دربتني على ملاحقة السؤال بالسؤال ونسجت لي أجنحة للهروب من عتمات الأسئلة التي نعي تماما إجاباتها ها أنا الآن.. أعلن افلاسي من رصيد الأسئلة فالحب في بلادنا يا سيدي مهدور الدم فكيف لي بمشاطرتك جريمة الكلام وأنا امرأة تعج أذناي بنبرات صوتك الإفتراضي ويقتلني في كل مرة صمتك الثرثار يوما ما سأحزم حقائبي.. وأغادر ملكوت امرأة افتراضية وأعبر تفاصيل امرأة حقيقية فوحدك.. وحدك..من يقرر ملامحها
أحب هذه القصيدة لقوة التعبير فيها ولعراك المرأة الحقيقية والافتراضية فيها، وللنهاية المفتوحة التي تركت لخيال القارئ الذي يعد شريكاً رئيسياً في النص.