نبي الرحمة
تاريخ النشر: 08/01/17 | 0:00مما وصف الله به نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم هو أن جعله رحمة للعالمين قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِين﴾1.
ومما اختصه به أن جعله خاتم النبيين ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم﴾2.
ميزتان للدعوة النبوية اجتمعتا فيها وهما تعنيان أن الرسول هو للبشرية كافة وأن هذه الرسالة هي رسالة رحمة أي إن فيها سعادة البشرية كافة في الدنيا والآخرة، ولذا كانت هذه الشريعة ناسخة لكافة الشرائع التي سبقتها ولن تأتي بعدها أي شريعة.
وتتجلى رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه في أمور عديدة:
أولاً: إن هذا النبي هو الذي يضع عن أهل الكتاب الأغلال التي كانت عليهم ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم﴾3.
97
وذلك لأنَّ أحبارهم ورهبانهم ابتدعوا أحكاماً قيدوا بها أتباعهم وهي ليست أحكاماً إلهيةً فيها مصلحة البشرية، بل هي أحكام تتسم بالقسوة أراد الله تعالى أن يخلصهم منها من خلال نبيه الخاتما ولعله من هنا كان وصف الشريعة الإِسلامية بالشريعة السهلة السمحاء وقد روي عنالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “لم يرسلني الله تعالى بالرهبانية ولكن بعثني بالحنيفة السهلة السمحة”4.
وثانياً: إن النبي هو الذي جاء بالشريعة التي فيها تفصيل كل شيء بما تقتضيه مصلحة هذا الإنسان ﴿وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِث﴾5.
ثالثاً: أنَّه تعالى يعفو عن أمته بسبب شفاعته.
رابعاً: انه دعا الله إن يرفع عن أمته عذاب الإستئصال الذي كان يحيق الأمم السابقة التي تكفر بالرسالات وتستهزى بالأنبياء عليهم السلام، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾6.
وسوف نتحدث عن نموذجين من رحمة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:
1 – رحمة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بغير المسلمين
لقد تحمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيل الإسلام وهداية الناس الكثير من الأذى، ورغم كل هذا الأذى الذي لاقاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان قلبه يمتلأ بالشفقة حتى على غير المؤمنين، طمعاً منه في هدايتهم، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان حريصاً على هدايتهم.
قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾7.
98
وتتحدث الآية بوضوح عن حسرةِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشديدة لعدم اهتدائهم إلى طريق الهدى وليس ذلك إلا رحمة منه بهم لما يجده من مصير سيء لهم ببقائهم على شركهم.
وأعظم مواقف الرحمة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقومه كان يوم فتح مكة بعد أن دخلها فاتحا لم يهرق دما، وأذل مشركي قريش وأصبحوا أسرى بين يديه وانتظروا أمره وحكمه عليهم، فقال لهم كلمته الشهيرة “اذهبوا فانتم الطلقاء” واستبدل الشعار الانتقامي الذي كان قد نادى بعضهم به إلى شعار (اليوم يوم المرحمة).
2- رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمسلمين
لما أراد الله عزَّ وجل التعريفَ برسوله محمدا في القرآن خصَّه بصفتين وهما الرأفة والرحمة. ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيم﴾8.
والعنت هو التعب والمشقة، والحرص شدة طلب الشيء وأما “رؤوف” فهي في حق المطيعين من المؤمنين وأما الرحيم فهي بحق العصاة منهم.وذلك لأن معنى الرؤوف الرحيم وإن كان متقارباً ولكن إذا وردتا في كلام واحد اختلف معناهما.
فالمقصود بالآية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتأذى ويتألم لكل مشقة وأذى تصل إلى المؤمنين وهو يسعى لهدايتهم إلى طرق الخير بكل ما له من قدرة وهو رؤوف بهم ورحيمٌ بالعصاة منهم.