صلاة العاصمة
تاريخ النشر: 07/01/17 | 19:04توفت خالتي عائشة رحمة الله عليها، ونقل جثمانها الكريم إلى مسجد ببوزريعة بالقرب من جامعة الجزائر 2 ، الأستاذ الموسوعي سعد الله رحمة الله.تزامن دخولي للمسجد مع الأذان الأول لصلاة الجمعة، وبعد أن أنهيت صلاة تحية المسجد، سألت أحد الجالسين عن يميني عن درس الجمعة، فأجاب: هذا المسجد لا يقام فيه درس الجمعة. فقلت هذه بداية سيئّة وأرجو أن لا يكون بسبب ذنب اقترفناه، لأني لأول مرة في حياتي وأنا في 51 من عمري لا أتكمن من حضور درس الجمعة. وقد الذي قرأت أن “سيّدنا أبي هريرة كان يلقي درس الجمعة. وأن هناك ثلاثون صحابيا يدرسون يوم الجمعة في مسجدهم. وعمر بن الخطاب يأذن بالدرس قبل الصلاة. وعثمان بن عفان. والسائب بن يزيد، وعبد الله بن بسر، وعبد الله بن عمر، وسلمان الفارسي، والإمام مالك، رضي الله عنهم”. و ” أن العلامة ابن باديس رحمة الله عليه وأصحابه من علماء الجزائر، كانوا يقومون بدرس الجمعة، فيغتنمون تلك المناسبة التي يجتمع فيها الناس على كثرة مشاغلهم، لأداء مافرض الله عليهم من واجب التبليغ والتبيين”.
وعلى حين غرّة يخرج شخص ويعتلي المنبر دون سابق إنذار كما عهدته في مساجد الجزائر منذ صغري، وكما لا حظت ذلك في مصر، والشام، والمغرب.أما فيما يخص منبر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال عنه الإمام الفقيه الذي رزق حسن الاستنباط لم يرزق مثلها غيره أحمد حماني في كتابه “الفتاوى”، أن المنبر يتبع مساحة المسجد، فإن كانت مساحة المسجد كبيرة كانت المنبر كبيرا، وإن كانت مساحة المسجد صغيرة كان المنبر صغيرا.
لبس الإمام عباءة مستوردة شفافة، ولم يلبس عباءة جزائرية أصيلة عريضة تليق بالإمام والخطيب. وكانت ضيقة بطبعها خاصة وأن الإمام الشاب أوتي بسطة في الجسمر، ماجعله يكثر الحركات بسبب ضيق العباءة غير المناسبة للخطبة ولا الخطيب. لم يلبس الإمام البرنوس الجزائري الذي يزيّن الرجال، وقد قرأت في كتب الفقه الأصيلة أن البرنوس أضمن للستر كما هو معمول به في المساجد الجزائرية منذ 14 قرنا. ولم يضع العمامة على رأسه وهي سنة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما تعارف عليه أئمة المجتمع الجزائري منذ قرون، واكتفى بوضع ما يطلق عليه بالعامية “العٙرٙاڤِيٙة”، أي التي تزيل العرق وتوضع تحت العمامة ولا علاقة لها بالسنة النبوية. ولم يحمل العصا كما يحملها خطباء الجزائر منذ 14 قرنا. وقد كان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب متوكئا على العصا أو القوس، وكان سادتنا عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز، يخطبون وهم يتكؤون على العصا.
أما فيما يخص مضمون الخطبة، فقد تحدث عن ضرورة الحفاظ على الأمن في مكة والمدينة، ولم يذكر طيلة الخطبة إسم الجزائر، ولا ضرورة الحفاظ على الأمن في الجزائر، وكان يشير إليها بقوله “هذا البلد”، ما يعني أن الخطبة مستنسخة لا علاقة لها بالجزائر والجزائري، خاصة وأنه كان يقلّد صوت أصحاب الخطبة في كل صغيرة وكبيرة.
وكانت مقدمة الخطبة والتي تسمى بخطبة الحاجة بما لم أعهده إطلاقا من خطباء الجزائر. وقد قرأت أن الذين رووا وذكروا حديث خطبة الحاجة وهم بالمئات لم يذكروا خطبة الحاجة في مقدمة كتبهم وهم أدرى وأعلم بالحديث، وهذا ما يعمل به أئمة وخطباء الجزائر في خطبهم منذ 14 قرنا.إختتم الخطبة دون ذكر الجزائر ولا الدعاء لها. ثم أقام الصلاة على غير ما تعارف عليه أئمة الجزائر.. قرأ برواية حفص، والمعمول به هو قراءة ورش لدى أئمة الجزائر منذ قرون، ورحم الله أسيادنا ورش وحفص وأصحاب القراءات جميعا. أطال جدا في الركوع وأئمتنا لا يفعلون ذلك، إنما الدعاء في الركوع والسجود للفرد وليس للإمام، حتى لا يختلط على المصلين، وفعلا اختلط علي الأمر في الصلاة بسبب الإطالة في الركوع والسجود ، ورحم الله أئمتنا فقد كانوا أرحم بالمصلين.
وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة، شرع الإمام في صلاة الجنازة.. أوصى الإمام المصلين على غير عادة الجزائريين بقراءة الفاتحة في الركعة الأولى، والصلاة الإبراهيمية في الركعة الثانية. بينما المعمول به ممارسة وكما قرأت في كتب الفقه أن الصلاة بحد ذاتها دعاء، فلزم قراءة الدعاء في الأربع ركعات، وهذا ما عملت به ودعوت لخالتي عائشة رحمة الله عليها في التكبيرات الأربع، والحمد لله على حسن الفقه، واحترام المجتمع الجزائري ، وفقهاء الجزائر.
دخلنا مقبرة بوزريعة، فوقف الواعظ على القبر فأطنب وأطال، وإذ بي أسمع أحد المشيّعين يشكو لزميله: لقد أطال كثيرا وكانت تكفيه بعض الدقائق. إستعمل بعض الألفاظ الدنيئة التي لا تليق بالقبر والمقبرة وهيبة الجنازة، كقوله.. ” هناك من هم معنا الآن يشاهدون الأفلام الإباحية. هناك من هم معنا الآن يأخذون الرشوة”، وكان عليه أن يجنب لسانه من هذه المواجهة وهذه الأمثلة ويتركها لمناسبة أخرى أقل هيبة و وقارا من الجنازة. كان يردد عبارة “أدعو لأختكم”، وكان عليه أن يقول: أدعو لأمكم، فخالتي في 94 من عمرها، ولفظ الأم أشد وقعا على الأنفس والآذان من لفظ الأخت. ونسي الواعظ أن يدعو للميتة بالجنة، والفردوس، وشفاعة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يلهمها الإجابة الحسنة، ويثبتها عند الصراط، فأطال في ذكر النار، وعذاب القبر، والسيّئات، وما كان له أن يسيء للميت والأسماع.
هذه ملاحظات عابر سبيل، تلقى الفقه من أفواه ساداته، وقرأه عن أمهات الكتب، وظل يحترم أئمة الجزائر وخطبائها ويأخذ عنهم الأصيل ، ويعمل به منذ 5 عقود.ورحم الله خالتي عائشة، وأسكنها الفردوس، وألهما الإجابة الصحيحة، وأسرع بها في الصراط، ورزقها شفاعة سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأكرمها بالنظر إلى وجه رب العالمين الكريم، وجعلها ضمن أسيادنا النبيين والصدقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وأن يرزق أبناءها من بنين وبنات الصبر والثبات، وأن لا يحرمنا أجرها ولا يفتنا بعدها، وأن يلحقنا بها سالمين غانمين.
معمر حبار – الجزائر