كيف نكتب المبرد ؟
تاريخ النشر: 12/01/17 | 4:45المُـبَـرِّد أم المُـبَـرَّد؟
بفتح الراء أم بكسرها؟
أبو العباس محمد بن يزيد المعروف بالمبرّد ولد سنة 825م في البصرة، وتوفي فيها سنة 899م، وهو عالم جِهْبِذ في علوم البلاغة والنحو والنقد- من أكبر علماء البصرة.
من أبرز مؤلفاته (الكامل في اللغة والأدب)، وشرحه المَرْصَفي (ت. 1889م) في عدد من الأجزاء في كتابه (رغبة الآمل في شرح الكامل). وللمبرد (المقتضب) و (الفاضل) و (شرح لامية العرب) وله كتب أخرى.
أثار اللقب (المًبَـرّد) نقاشًا واسعًا، فهل هو بفتح الراء؟
هل هو بكسرها؟
من يرى فتح الراء:
ذكر ابن عبد ربه أن المبرد “لمّا ألف كتابه (الروضة) – وهو سِفْرٌ وضع فيه من أشعار الْمُحْدَثِين – لم يستحسنوا اختياره: “ألا ترى أن محمد بن يزيد النحوي – على علمه باللغة ومعرفته باللسان – وضع كتابًا سماه بالروضة، وقصد فيه إلى أخبار الشعراء المحدَثين، فلم يختر لكل شاعر إلا أَبْرَد ما وجد له… فما أحسبه لحقه هذا الاسم (الْمُبَرَّدُ) إلا لبَرده…” (العقد الفريد: ج6، ص 77).
إذن هو يؤيد ما شاع من لفظ للقب
يقول محمود مصطفى في كتابه (إعجام الأعلام)، ص 178:.
“كان أبو العباس المبرد يكره هذا اللقب لهذه الذكرى المخجلة ويقول: “برّد الله من بردني”، يريد أنه إنما يلقب بالمبرِّد بوزن اسم الفاعل لا المفعول، وليست إرادته بمغيّرة سبب التلقيب، فقد كان سعيد بن المسيب يقول كذلك: سيَّب الله من سيَّبني!”.
مع فتح الراء ما ذكره الثعالبي أنه استحقّ قول الشاعر فيه:
إن المبرَّد ذو بَرْدٍ على أدبهْ *** في الجِدّ منه إذا ما شئت أو لعبه
وقلّما أبصرتْ عيناك من رجل *** إلا ومعناه إن فكرت في لقبه”
الثعالبي: ( لطائف المعارف: 46).
ونختم بما ذكره ابن خَلِّكان:
“والمبرد: بضم الميم وفتح الباء الموحدة والراء المشددة وبعدها دال مهملة، وهو لقب عرف به، واختلف العلماء في سبب تلقيبه بذلك، فالذي ذكره الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب (الألقاب) أنه قال: سئل المبرد: لم لقبت بهذا اللقب فقال:
كان سبب ذلك أن صاحب الشرطة طلبني للمنادمة والمذاكرة، فكرهت الذهاب إليه، فدخلت إلى أبي حاتم السجستاني، فجاء رسول الوالي يطلبني، فقال لي أبو حاتم: ادخل في هذا، يعني غلاف مزمّلة فارغًا، فدخلت فيه وغطى رأسه، ثم خرج إلى الرسول وقال: ليس هو عندي، فقال: أخبرت أنه دخل إليك، فقال: ادخل الدار وفتشها، فدخل فطاف كل موضع في الدار، ولم يفطن لغلاف المزملة، ثم خرج فجعل أبو حاتم يصفق وينادي على المزملة: المبرَّد المبرَّد، وتسامع الناس بذلك فلهجوا به.
وقيل إن الذي لقبه بهذا اللقب شيخه أبو عثمان المازني، وقيل غير ذلك”.
(وفيات الأعيان)- ج4، 313- مادة المبرد- محمد بن يزيد- رقم 635.
من جهة أخرى نرى من يذهب إلى كسر الراء:
ذكر ابن جنّي:
“ومن هذا ما يحكى من أن أبا عثمان لما عمل كتاب (الألف واللام) تناوله كافة أصحابه عن جليله، فكانوا فيه متقاربي الأحوال، ثم إنه سأل أبا العباس -يعني المبرد- عن دقيقه ومُعْتَاصِه، فأحسن الجواب عنه، فقال له أبو عثمان: قم فأنت الْمُبَرِّد، أي المثبِّتُ للحقّ، قال أبو العباس: فغيّر الكوفيون اسمي هذا، فجعلوه المبرَّد بفتح الراء، وإنما هو بكسرها”.
نقلاً عن السيوطي (المزهر)، ج 2، ص 427، ففيه نقلُ هذا الكلام عن السيرافي.
فمن يرى الكسر يقول: “المُبرِّد- لأنه كان يُسكت مخالفه بالحجة الدامغة، فكأن الحَيرة والجهل نار تشتعل في صاحبها، فإذا جاءه برد اليقين والعلم تبرَّد به”.
يورد الشيخ عبد الخالق عضيمة في تحقيقه لكتاب (المقتضب) للمبرد بيتًا قاله أحد علماء شنقيط:
والكسر في راء المبرِّد واجب *** وبغير هذا ينطق السفهاء
يرجح أسامة شيراني الفتح، وذلك في مقالته المستفيضة- “راء (المبرد) بين جدل الكسر وصحة الفتح”- في موقع ألوكة (25/1/2016)، وقد أفدت منه في هذه المقالة.
يقول:
“أميل بعد عرض القولين إلى ترجيح الفتح على الكسر؛ لما سلَف ولأمور أخرى، منها:
أن مجمل الأخبار دالٌّ على أن الفتح كان شائعًا، حتى إن خبر الكسر الذي أورده ابن جنّي دال على شيوع ذلك في عصر المبرد وحياته”.
خلاصة القول:
فتح الرّاء التزمَ به الكوفيّون بمعناه المذموم، بينما البصريون كسروا الراء بمعناه الإيجابي.
وبعد، فأنا أميل شخصيًا إلى الكسر، أولاً تقديرًا للرجل الذي قيل فيه:
“إنه كان من العلم وغزارة الأدب وكثرة الحفظ وفصاحة اللسان على ما ليس عليه أحد ممن تقدمه أو تأخر عنه”.
وكذلك تماثلاً مع ما أحب هو أن يكون لقبه.
ثم إن قصة تبريده في المزمَّلة فيها نوع من الافتعال، ولا سيما أنه ينقصنا في الرواية سبب مقنع لملاحقة الشرطة له، ومن الطبيعي أن يذكر سبب آخر غير المنادمة والمذاكرة، فنحن نعرف تفاصيل كثيرة عن حياته، وغابت هنا قصة الشرطة وحقيقتها.
ب.فاروق مواسي