بالإخلاص ينجو المسلم من النار
تاريخ النشر: 17/01/17 | 5:50سلاح المؤمن هو الإخلاص،وهو سلاح واقٍ، يحميه من الهم والحزن واليأس والضياع والضعف والخيبة، ويجلب له السعادة وصلاح البال،قال تعالى(لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)الفتح،
لقد علم الله ما في قلوبهم من الإخلاص، وصدق النية والوفاء (فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)والسكينة هي الطمأنينة، والثبات على ما هم عليه من دينهم، وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له،
يُثمر الإخلاص السكينة، وقد ضرب الله مثلاً لحال الموحدين المخلصين،وبين سبحانه وتعالى،كيف يُثمر الإخلاص في نفوسهم اطمئناناً وسكينة وراحة،
فلو أن هناك عبدين،الأول له سيد واحد،عرف ما يرضيه وما يسخطه، فجعل هذا العبد كل همّه في إرضاء سيده واتباع ما يحبه، والآخر عبد يملكه شركاء غير متفقين، كل واحد يأمره بخلاف ما يأمره به الآخر، وكل واحد يطلب منه غير ما يطلبه الآخر، فهو في حيرة أيرضي هذا أم يرضي ذاك،
فهل يستوي هذان العبدان في راحة النفس والبدن وسكينة القلب، لا يستويان،
لأن الأول ،له سيد واحد لا يستمع لغيره ولا يسعى إلا في رضاه، والذي له سادة متعددون سيشقى في محاولة إرضائهم، ويتشتت قلبه وتهلك قوته في طاعة أوامرهم المتضادة،
قال تعالى(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)الزمر،
وكلما قل الإخلاص في القلب قلت السكينة وضاعت الطمأنينة، حتى تجد أكثر القلوب ضياعاً وأشدها ظلاماً قلوب المهرولين وراء الدنيا،والمرائين والمنافقين والمشركين، وقد قال،صلى الله عليه وسلم(تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش)
مفرطون في حب الدنيا، فالذين يفرطون في محبة زينة الدنيا من مال وغيره لدرجة يصيرون لها كالعبيد، فلا يتحركون إلا من أجلها، حتى على حساب دينهم، فصار يرضى عن ربه بوجودها،ويسخط بعدمها،إن أعطي من الدنيا رضي ولم يشكر،وإن لم يُعْطَ سخط ولم يصبر، وترك ما يأمره به دينه،
هؤلاء واقعون في تعس الحياة، ولا ينالون إلا الشقاء في الدنيا حتى إن كانوا من أهل الثروات والأموال،
قال ابن القيم،الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب؛ فروعها الأعمال، وثمرها طِيب الحياة في الدنيا،والنعيم المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك،
والشرك والكذب والرياء شجرة في القلب،
ثمرها في الدنيا، الخوف والهم والغم وضيق الصدر وظلمة القلب،
وثمرها في الآخرة،الزقوم والعذاب المقيم،
ومن ثمرات الإخلاص في الدنيا، نزول الفرج والنجاة من الكرب والشدة،إن الله يفرّج بالإخلاص عن المشرك لو أخلص لله،فما ظنك بالمؤمن الذي ينبغي أن تكون حياته كلها مبنية على الإخلاص،فإنه سبحانه لا شك يفرج عن المؤمن الذي يتحرى الإخلاص في عمله، وينجيه مما ينزل به من شدائد،وكل بحسب قدر إخلاصه وتوكّله، قال تعالى(وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)لقمان،
ومن ثمرات الإخلاص، قوة الهمة،فلا مثيل للإخلاص في رفع همة الإنسان فيما يريد تحقيقه من أعمال،حين يتحطم عزمه أمام العقبات،
فالذي يطلب رضا الله،لن تقف به همته عند هدف دنيوي من مال وشهرة ومكانة، ولن تعوقه عقبات،لأنه ينظر إلى أبعد من الدنيا، فهو يرجو رضا الله تعالى عنه، ويطمع في الثواب الدائم الذي لا ينقطع في الآخرة،وربط آمال نفسه برضا الله ونعيمه المقيم، فالإخلاص هو الذي يرتفع بالهمم دون حدود،
والإخلاص في أعمالنا وجهودنا، هو الضمان الوحيد لتحقيق الوحدة، وهو الأساس الذي ينبغي لنا أن نكون أخوتنا وعلاقتنا وصداقتنا مبنيّة عليه،
لا أحد يقدر أن يرى الإخلاص،لأنه من عمل القلب،حينها يمكن مشاهدة أمارات الإخلاص،ومعرفته بعلاماته، والتفريق بينه وبين الأنانية وحب الذات والرياء والنفاق، وحين ينزوي الإخلاص جانباً يتسع المجال لفساد الذمم، وظهور الكذب والنفاق والرياء، وفساد ذات البين، وخيانة الأمانة،
بالإخلاص يفتح الله لك أبواب الهداية في كل شيء (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)العنكبوت،
والمخلص موعود بالنجاحين، النجاح في الدنيا والنجاح في الآخرة،وليس هناك من طريق يجمع النجاح في الدنيا والآخرة غير طريق الإخلاص، فقد ينال غير المخلص مراده وينجح في تحقيق هدفه الدنيوي، لكنه لن يحصل على نجاح الآخرة وثوابها(مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً بَصِيراً)النساء،
وبالإخلاص ينجو المسلم من النار، ولو جاء رجل مشرك بالدنيا لينجيه الله من النار لن ينفعه،لأنه لم يكن موحداً مخلصاً،أَنَّ نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،قال(يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له،أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت مفتدياً به فيقول،نعم يا رب، قال،فيقال له،لقد سئلت أيسر من ذلك،فذلك قوله،عز وجل،إِن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى بِهِ)مسند أحمد،
فاللهم اجعلنا من عبادك المخلصين،المقبولين الذين يعبدون حق العبادة. اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه.