قال لي صديقي

تاريخ النشر: 27/01/14 | 1:10

قال لي صديقي، زميلي في مهنة التدريس: سأروي لك حادثة حدثت معنا قبل مدّة، حيث كنا خمسة زملاء نعمل جميعنا في سلك التربية والتعليم في طريقنا لعيادة زميل لنا في مشفى بيلنسون، حادثة تتمثّل فيها أسمى آيات النبل والتضحية والروح الإنسانية العالية… أرويها لك لتنشرها علّها تصل إلى أسماع أصحاب القوالب النمطية والذين لا يرسمون للمواطن العربي في صحفهم التي تقطر حقداً وكراهية، إلا الصور القائمة ولا يجدون إلا في أخطائنا ومثالبنا (إن وُجدت) ما يوجب النشر، أما المناقب والمآثر والتي نقوم بها وهي كثيرة فلا مكان لها في صحفهم وهي وان نُشرت (وهذا نادراً ما يحدث) فأنهم يخصصون لها مكاناً في زاوية مهملة وبأحرف صغيرة وباهتة.

قلت: تفضل وهات ما عندك

قال صديقي: كنّا خمسة مدرسّين مسافرين نركب سيارة جيب متوجهين إلى مشفى بيلنسون في بيتح تكفا פתח תקוה لعيادة زميل لنا وكان الوقت عصراً أي بعد انتهاء دوامنا المدرسي، ونحن في طريقنا والسيارة تسير بنا مسرعة شاهدنا على حافة الطريق منظراً مثيراً، اضطررنا معه إلى التوقف والنزول من السيارة وإذ بإنسانٍ ملقىً على الأرض وقد انقلبت عليه دراجته النارّية كان يصرخ ويستغيث ويتلّوى من شدّة الألم وقد أقعده الألم عن الحركة، هذا المنظر أثار في أنفسنا الشفقة عليه، وبالطريقة التي تعلمناها في دروس الإسعاف الأولي وكيفية التعامل ونقل المصاب، حملناه إلى سيارتنا وحاولنا إيقاف إحدى السيارات لتقّل أحد ركاب سيارتنا الخمسة لعدم وجود متسّع لراكب إضافي في مركبتنا المرخصة بنجمة ركاب، ولكن محاولاتنا لإيقاف مركبة ما تتكلّل بالنجاح، وما كان من سائقنا إلا إصراره على نقل المصاب معنا مخالفاً بذلك أنظمة السير. وسرنا على بركة الله وأثناء سفرنا تعرّفنا على الشاب المصاب، وعرفنا أنه المدينة العبرية المجاورة لنا، وأنه كان في طريقه إلى مشفى تل هشومير ليقّل شقيقته وإعادتها إلى بيتها بعد أن أجريت لها عملية جراحية وتمّ شفاؤها حوالي الساعتين… قلنا له: نحن في طريقنا إلى مشفى بيلنسون لعيادة زميل لنا، ما رأيك لو أخذناك إلى هناك للمعالجة؟! قال: لا مانع لدّي… وأختك التي تنتظرك؟ الله يساعدها… وهنا تحرّكت الرحمة فينا من جديد فقرّرنا أن نستّمر في سفرنا إلى مشفى تل هشومير ونؤخر زيارة صديقنا في مشفى بيلنسون… أخبرناه بقرارنا، فرح كثيراً وأبتسم كمن نسي مصابه وألمه ووصلنا مشفى تل هشومير وما أن رأت الأخت أخاها حتى أجهشت بالبكاء وهجمت عليه تعانقه، وعندما روينا لها القصة كاملة شكرتنا من صميم قلبها وتوسلّت إلى الباري عز وجلّ أن يحمينا، وأن لا يرينا أي مكروه… وتوّلت أمر أخيها.

ومن ثم توجهنا إلى مشفى بيلنسون لعيادة صديقنا وما أن وصلنا حتى تبيّن لنا أننا تأخرّنا كثيراً عن موعد الزيارات وأن موعد زيارة المريض قد انتهى… تقبلّنا الأمر وتفهمّناه ولسان حالنا يقول:

لقد استبدل الله المعروف الذي قصدناه بمعروف آخر ورضينا بقضاء الله وقدره…

وانتهى صديقي من سرد قصته: أعجبت بشهامته وشهامة رفاقه وقلت: بارك الله فيكم وبارك في شهامتكم وأصالتكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة