إبحثوا معي
تاريخ النشر: 21/01/17 | 2:45من هو المتنبي؟
ما هو موضوع البحث؟
شغلني أسلوب لم أجده في المصادر القديمة، هو أسلوب إدخال (الضمير) في الجملة، ولا أعني به ضمير الفصل (أو العِماد)، كما لا أعني به ضمير الشأن (أو القصة)، لا ولا التوكيد للضمير الغائب، فقد بحثت في المصادر القديمة عن الضمير بعد الاستفهام بـ (من، ما، أين…) وغير ذلك، كأن نقول مثلاً:
ما هو موضوع البحث؟
من هي شجرة الدرّ؟
من هم الكنعانيون؟
في الأسلوب القديم سألوا مباشرة:
ما موضوع البحث؟
من شجرة الدر؟
ومن الكنعانيون؟
ولم يستخدموا هنا الضمير بين المبتدأ والخبر.
هكذا في فصاحة القرآن الكريم:
ما الحاقة؟ ما القارعة؟ ما يوم الفصل؟ من راقٍ؟ ما الطارق؟
وهكذا في الحديث الشريف:
فما مخموم القلب؟
وما الرويبضة؟
وما الوهن؟ وما المفَرِّدون؟
ثم بحثت في القديم ثانية، لأجد قولاً نسب للمعري (ما هي لفظة؟):
أنحويَّ هذا العصر ما هي لفظة *** جرت في لسانَيْ جُرهمٍ وثمودِ
إذا استُعملت في صورة الجَحد أثبتت *** وإن أثبتت قامت مقام جُحود
(ابن مالك: شرح الكافية الشافية 1/ 467، شرح الأشموني مع حاشية الصبان 1/ 268، 269.)
بحثت في شعر المعري، فلم أجد له هذين البيتين، ولا أظن أن ما يقوله المعري في اللغة يكون موضع إلغاء مطلق لدى النحويين، وهو العالم العلامة فيها.
يذكر ابن هشام أن البيتين في (مُغْني اللبيب، ص 868) ليس فيهما شاهد نحوي، كذلك فهو لم يذكر في كتابه أن الشعر للمعري.
واللغز هو حول (كاد)، إثباتها نفي، ونفيها إثبات، فإذا قيل “كاد يفعل” فمعناه لم يفعل، وإذا قيل- “كاد لم يفعل”، فمعناه أنه فعل.
وعلى ذلك يعترض ابن هشام، والصواب أن حكمها حكم سائر الأفعال.
وبعد،
ففي لغتنا المعاصرة نحن نستخدم كثيرًا هذا الأسلوب في “إقحام” أو على سبيل التلطف (زيارة) الضمير:
من هن الجميلات؟ من هما العُمَران؟
أين هو المكان؟ أين هم الأصدقاء؟ من هم الأبدال؟
الأرزّ هو نبات يُزرع في الصين.
إن نزارًا هو شاعر مبدع أصيل.
لعل نزارًا هو شاعر الغزل الأول.
لاحظوا أن الضمير في الجمل السابقة ليس ضمير الفصل (أو العماد)- في نحو “المتّقون هم الفائزون”، فضمير الفصل سُمّي بذلك لأنه يَفْصِل بين الخبر وبين التابع (النعت، أو البدل)، فإذا قلت: محمدٌ القائمُ، احْتُمِلَ أن يكون (القائمُ) نعتًا لمحمد على اعتبار أنّ الخبر سيأتي ذكره- ويكثر ذلك في الكلام المنطوق- واحْتُمِل أَنّ يكون (القائم) خبرًا لمحمد، فلما أُتى بضمير الفصل، في جملة: محمدٌ هو القائم، صحَّ أن يكون ( القائمُ ) خبرًا عن محمد.
كذلك لاحظوا أنني لا أعني ضمير الشأن في نحو: {…هو الله أحد} أو “هي الأيام دول”، فالضمير لا يعود على ما قبله كبقية الضمائر، وهو يتميز بالإبهام، فتفسره الجملة بعده، ويقصد بهذا الأسلوب التفخيم أو البيان أو إثارة الانتباه، (لضمير الشأن أسماء أخرى منها- ضمير القصة، وذلك مع ضمير الغائبة- هي).
ما هو الحل؟
في رأيي ألا نخطِّئ من يستخدم الضمير، وأن نسمي هذا الضمير (الزائر)، ونذكر أنه لا محل له في الإعراب، وهذا تسهيل وتيسير:
من هي الخنساء؟
من= خبر مقدم
هي- ضمير زائر لا محل له في الإعراب
الخنساءُ= مبتدأ مؤخر
(هناك من يعرب: من مبتدأ، والخنساء خبر)
أين هو الحل؟
أين= خبر مقدم،
هو= ضمير زائر لا محل له في الإعراب،
الحل= مبتدأ مؤخر.
لا نستطيع رفض هذا الأسلوب الذي لم يكن في عصور الاحتجاج اللغوي، فاليوم نحن نستخدمه، ولا منطق في أن نتغاضى عنه، وسأكتفي بالشاعر نزار، وهو يستخدم ضمائر زائرة، أذكر منها:
قال في مقدمة “طفولة نهد؟، ص 17: إذن فما هو الشعر؟
وفي ثلاثية أطفال الحجارة، ص 13: من هم أطفال الحجارة؟ من هو الولد الطالع مثل الخوخ الأحمر من شجر النسيان؟
ويستمر في (من هو هذا الطفل…، ص 60- 62.
في ديوانه “هل تسمعين صهيل أحزاني؟”: ما هي جدوى الأسئلة؟ (ص 168).
وفي “قصائد مغضوب عليها”: ما هو القانون؟ ما هو الشعر؟ (ص 22، 35)….إلخ
ولا ننس أسئلة المعلمين في الامتحانات: ما هو الـ….. ، ما هي الــ…
إذن فالضمير الزائر نرحب به، لأنه شائع وذائع في كتاباتنا، وزياراته متواصلة،
واخترت أنه لا محل له في الإعراب على غرار ضمير الفصل أو العماد الذي كان أحد أوجه إعرابه أنه لا محل له في الإعراب.
ب.فاروق مواسي