نمر مرقس، اقوى من النسيان- عام على الرحيل
تاريخ النشر: 30/01/14 | 2:08تصادف في التاسع والعشرين من كانون الثاني 2014 الذكرى السنوية الاولى لرحيل القائد الثوري والاممي، رئيس مجلس محلي كفر ياسيف الاسبق المرحوم نمر مرقس. واحتراما لذكراه أعدت قراءة كتابه "أقوى من النسيان" بهدف تقديمه للقراء الاعزاء.
فالكتاب، وإن كان يشبه السيرة الذاتية، إلا أنه بالسيرة الذاتية للشعب الفلسطيني وللجماهير العربية في اسرائيل أشبه، فنمر مرقس، القائد-المعلم، يتحدث عن حياته بارتباطها المتلازم والمنسجم مع ما مرت به جماهير شعبنا منذ فترة طفولته في ثلاثينيات القرن الماضي وحتى تقاعده مع نهاية الالفية. والكتاب يزخر بنصوص ومقولات تعبر بايجاز بليغ عن إدراكه لوضع جماهيرنا العربية وعن ضرورة السير على هدى مبادئ الاممية- الثورية، نصوص يمكن توظيفها كعلامات مرشدة على طريق النضال من أجل حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال وحقوق جماهيرنا في المساواة والعيش بكرامة على ارض وطننا.
"آه يا ثوب القومية كم انت فضفاض! وكم يتستر بك خونة شعوبهم وأعداؤها والمستبدون بخيرات كدحها وأوطانها!"
في الجزء الاول من الكتاب ومن خلال ذكريات الطفولة، يسرد لنا ابو نرجس بوضوح وجلاء شديدين نمط الحياة الفلاحي في قرى فلسطين، وبعفوية الفلاح، يتطرق الى العلاقات الاجتماعية بين افراد القرية، من كل العائلات والطوائف، وترابطها وتكافلها.
كما يتطرق الى الطبيعة الفلسطينية في الجليل الغربي والى اساليب الزراعة وحصد المحاصيل وأسس الاقتصاد الفلاحي. في هذا الجزء ايضا يصف العاب الاطفال في ذاك الزمان، ونظام التعليم السائد-الغائب آنذاك. يلي ذلك وصف حالة القرية في زمن ثورة 1936 كما عايشها هو وتأثيراتها عليه وعلى من حوله من خلال القصص التي وصلت اليه عبر ديوان الحارة خاصة. قصص التبرع بالمال على شحِّه من اجل شراء البواريد وعلى دور الانتداب في التصدي للثورة واساليب الحصار والتحقيق المتبعة من قبله. كما يصل الى وصف تراجع الثورة والى التجاوزات التي اتبعها قسم من الثوار ادت في النهاية الى موتها، محاولا استجلاء الخطأ والتحذير منه.
"أيها الثوري الحالم بتغيير العالم! أنت لهذه الجماهير وهي مصدر قوتك".
من ثم يصل الكاتب الى فترة النكبة ومرة اخرى من خلال ذكرياته يقدم طرحه لما كان، وبعيدا عن الدراسة الاكاديمية، يعطي تحليلاته وتوضيحاته حول عمق الجريمة ومدى تكالب الثالوث الدنس ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه. مذهل حقا كشفه عن دور الرجعية العربية وتآمرها مع الانتداب. هنا ايضا يبدأ بوصف قصة التهجير واللجوء، والديناميكيات المرتبطة بها، نفسيا واجتماعيا. من تهجير قرى مرج ابن عامر بعد بيعها من قبل الاقطاعي العربي ودور قوات الانتداب في التهجير القصري لسكانها، الى تهجير ولجوء ابناء القرى المجاورة لكفرياسيف وفضح دور جيش "ماكو أوامر" في تمكين القوات اليهودية من الاستيلاء على القرى العربية ومنع أهاليها من المقاومة، على ضعفها.
"فتش عن المستفيد. إنه من وراء تأجيج هذه النار اللعينة."
مع قيام الدولة وتبدل الاسياد يتطرق نمر مرقس الى الديناميكيات الجديدة الناشئة بين المواطنين وبعضهم البعض وبينهم وبين الحكام. فالحكم العسكري يمسك بزمام الامور وبمفاتيح الرزق على هيئة التصاريح التي كان يعطيها للمرضي عنهم والجيش يكرس حالات الرحيل والتشرد على اللاجئين من ابناء القرى المهجرة ويمنعهم حتى من دخول قراهم وبيوتهم لاسترداد ابسط الاشياء من مؤن واثاث يستعينون بها على غربتهم الجديدة. كما يصف وسائل الشاباك في استقطاب وتجنيد المخبرين من بين العرب ويتطرق بنحو خاص الى موضوع اللاجئين في لبنان، وبعضهم من اقاربه وزيارته لهم.
"عندما تمتلك الحقيقة لن يستطيع المستبدون تضليلها"
ثم يسرد مسيرته في مجال التعليم وتنقله من بلد لآخر، فحينا ينتقل للسكن في دالية الكرمل ليعود منها عاطلا عن العمل لما يزيد عن سنتين، من ثم يلتحق بدورة اعداد المعلمين في يافا ليعين فيما بعد مدرسا في عرابة البطوف، لينتقل الى البعنة-دير الاسد، ويسرد قصة نفيه للتدريس في قرية برطعة وغيرها من قرى هذا الوطن. لعل هذا التعرض للاجحاف من قبل سلطات التعليم مرتبطا بقربه من الشيوعيين هما ما ولدا لديه فكرة تنظيم صفوف المعلمين العرب والمشاركة بقيادة نضالهم واصدار المنشورات التي تتطرق الى قضاياهم. ويأتي انضمامه اللاحق الى صفوف الحزب الشيوعي وانشاء حركة الشبيبة الشيوعية في العديد من قرانا وبلداتنا، نوع من التخصص في العمل الحزبي الذي اتقنه ابو نرجس وساهم فيه سنوات عديدة.
"كل سلاحنا هو الكلمة…." و"التغيير يتم من الداخل – تلك هي القضية".
في وصفه لسنوات الخمسينيات يمر المعلم نمر على عدة محطات تاريخية بمستويات مختلفة: فمن تنظيم صفوف الشيوعيين في بلده وخوضهم الانتخابات المحلية ونجاحهم المبكر في تشكيل ائتلاف محلي وطني الى التفاعل مع الروح الوطنية-القومية التي بثها جمال عبد الناصر عقب نجاح ثورة يوليو 1952، الى العدوان الثلاثي على مصر ووضع حد له بواسطة الاتحاد السوفياتي، مرورا بمجزرة كفر قاسم والكشف عنها، ليس بدون الدور الفعال الذي لعبه عضو الكنيست الشيوعي توفيق طوبي. كما يتطرق الى هبة الوعي الوطني بعد اخفاق العدوان الثلاثي وبدايات تأسيس الحركة الشعرية والادبية المحلية، تشوء ما اطلق عليه لاحقا غسان كنفاني "شعر المقاومة" والذي شكلت الصحافة الشيوعية حاضنته الاولى. كم تطرق الى مظاهرة الاول من ايار 1958 في الناصرة كحدث مؤسس في تاريخ جماهيرنا العربية والتفافها حول الحزب الشيوعي بسبب الشراسة التي ابداها الحكم العسكري لمنعها وسياسة التنكيل ضد منظميها وزج بعضهم في السجون وعلى رأسهم توفيق زياد. هذه الشراسة ولدت مقاومة عنيدة ونمط جديد هو التظاهر المباشر ضد الحكم العسكري والمطالبة باطلاق سراح المعتقلين واعادة المبعدين الى قراهم وبيوتهم.
"لا. لن تقووا على مضطهديكم إلا إذا تحررت نساؤكم وبناتكم من إضطهادكم."
في الستينيات يصف نمر مرقس احترافه العمل السياسي المنظم كسكرتير منطقة عكا للشبيبة الشيوعية ومساهماته في كافة نشاطات الحزب، محليا، منطقيا وقطريا، مرورا بزياراته للدول الاشتراكية وحصوله على ثقافة فكرية عميقة من خلال دراساته الفردية ومشاركته في هذه الدورات. وفيها يصف حبه للفنون الجميلة، للرقص والموسيقى، وللادب الرفيع. كما يتطرق الى مشروع مصادرة الاراضي، خاصة في الجليل لاقامة المدن والمستوطنات اليهودية على حساب اراضي العرب، وحرب 1967 والاحتلال الذي نتج عنها لسيناء، الجولان، الضفة الغربية وقطاع غزة، وموقف الحزب الشيوعي، المعارض الوحيد في الكنيست، للحرب وللاحتلال، وصولا الى اواسط السبعينيات واقامة لجنة الدفاع عن الاراضي ويوم الارض الخالد. كما يتطرق ابو نرجس الى رؤيته لمشروع اقامة منطقة عكا الحزبية وما شملته من مساعي لضم وتنشيط ابناء الشبيبة في كافة قراها والاهمية القصوى التي اولتها المنطقة للمرأة ودورها في الحياة السياسية والمجتمعية.
"الشيوعية ومثلها العليا ليست بنبتة غريبة عن حقل أمتنا، بل نبتة أصيلة في ترابها وتراثها."
وينهي ابو نرجس كتابه بفقرات تصف حالة الجماهير العربية بعيد يوم الارض الخالد، متوجة باقامة الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة ونجاحها لاول مرة منذ اقامة دولة اسرائيل في الحصول على غالبية الاصوات العربية في 1977، مرورا بحرب لبنان الاولى والجهود لمعارضتها وينتهي باقامة فروع الجبهة في القرى والبلدات العربية وخوضها الانتخابات المحلية، والتي اسفرت في بلده كفر ياسيف، عن فوزه برئاسة السلطة المحلية، الامر الذي تكرر لاربعة مرات لاحقة. هذه السنوات العشرين التالية، وعن مساهماته فيها، تبقى لشديد الاسف هدفا-وعدا لم يحققه في حياته، وكلنا امل في ان يتصدى رفاق حزبه في كفر ياسيف، الى كتابة رسالته التالية، الينا جميعا. لتبق ذكراه عطرة في قلوبنا.
"إن تطويع الحرية الفردية في سبيل تحقيق أهداف المجموع، هو قمة الحرية والسعادة."
أشكرك صديقنا وزميل دراستنا د. حسام على هذه الدراسة القيمة لرسالة والدي لنا، بنات وأبناء هذا الشعب العنيد والمناضل. لقد اوفيت والدي حقه عن طريق تسليطك الضوء على أهم محاور الكتلب التي أراد أبي المرحوم جذب انتباه القارئ اليها. أراد أبو نرجس، الرفيق نمر أن يقرأ الجيل الشاب هذه الرسالة وأن يتعلم منها..من دروس الماضي لكي يعرف كيف يفقه الحاضر ويجهز نفسه لتحديات المستقبل. أتمنى من قلبي أن يصل الكتاب لكل الشرائح للاستفادة الشخصية والجماعية. سلام وتحية لك.
يا أستاذ حسام …بعالم كله الشيوعية اختفت فلماذا نحن عرب ٤٨ من بقي يتاجر بها ويتفاخر باربابها
قد تكون الشيوعية او بالاصح المنظومة الاشتراكية انهارت واختفت، بالرغم من وجود بعض الاحزاب الشيوعية في الحكم، كوبا، فنزويلا، الصين، وغيرها. بالنسبة لنا نحن نسأل: هل انتهى استغلال البشر؟ هل حالنا تحت حكم “القطب الواحد” افضل؟ هل المساندة التي نتلقاها من الدول الغربية وغير الغربية كافية لحصول شعبنا على حقوقه؟ الكتاب يطرح زاوية رؤية وطريقة مبدئية معينة لتحليل الامور ولاتخاذ القرارات، هو يصور تاريخنا كما رآه وعايشه ويصل في كل مرحلة الى استنتاجات معينة، لنا ان نوافق عليها ولنا ان نعارضها. برأيي نجح ابو نرجس في اعطاء تحليل دقيق للامور، من خلال سياقها التاريخي، ويمكننا ان نستفيد كثيرا من تحليله.