نادٍ لعله الأول في تاريخ العرب
تاريخ النشر: 05/02/17 | 12:08في أثناء تصفحي لكتاب (الأغاني) لأبي الفرج فوجئت وأنا أقرأ عن نادٍ أقيم في مكة في فترة الأمويين، ناد كان في بيت عبد الحَكم الجُمحي، فيه القراءة وفيه الألعاب، واجتماع الأصحاب.
ففي ترجمة الشاعر الأحوص كانت هناك رواية:
“أخبرني الحَرَمِي قال حدثنا الزُّبَـير قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو الجُمَحِي قال:
كان عبدُ الحكَم بن عمرو بن عبد الله بن صَفْوان الجُمَحِي قد اتّخذ بيتًا فجعل فيه شِطْرَنْجات ونَرْدات وقِرْقات ودفاترَ فيها من كل علم، وجعل في الجدار أوتادًا، فمن جاء علَّق ثيابه على وتِدٍ منها، ثم جرَّ دفترًا فقرأه، أو بعضَ ما يُلعب به، فلعب به مع بعضِهم.”
الأغاني، ج4، ص 250 (دار الفكر).
يمضي الراوي ليحدثنا عن لقائه مع الأحوص، وكيف أن الشاعر رافقه إلى النادي:
“قال: فإن عبد الحكم يومًا لفي المسجد الحرام إذا فتى داخل من باب الحنّاطين- باب بني جُمَح- عليه ثوبان مُعَصْفَران مدلوكان، وعلى أذنه ضِغْث ريحان، وعليه رَدْع الخَلوق، فأقبل يشقّ الناسَ حتى جلس إلى عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله، فجعل من رآه يقول:
ماذا صُبَّ عليه من هذا؟ ألم يجد أحدًا يجلس إليه غيره؟
ويقول بعضهم: فأي شيء يقوله له عبدالحكم وهو أكرمُ مِن أن يَجْبَه مَن يقعد إليه، فتحدث إليه ساعة، ثم أهوى فشبّك يده في يد عبد الحكم، وقام يشقُّ المسجد حتى خرج من باب الحناطين.
قال عبد الحكم: فقلت في نفسي- ماذا سلّط الله علي منك؟ رآني نصف الناس في المسجد، ونصفهم في الحنّاطين، حتى دخل مع عبد الحكم بيته، فعلَّق على وتِد، وحلَّ أزراره، واجتزَّ الشِّطْرَنْج، وقال: من يلعب؟
فبينا هو كذلك إذ دخل الأبْجر المغنّي، فقال له أيْ زِنديق! ما جاء بك إلى ها هنا؟ وجعل يشتمه ويمازحه.
فقال له عبد الحكم: أتشتم رجلاً في منزلي؟
فقال: أتعرفه؟ هذا الأحوص.
فاعتنقه عبد الحكم وحيّاه.
وقال له: أمّا إذا كنتَ الأحوص فقد هان علي ما فعلتَ.
شرح كلمات
النَّردات: جمع النَّرد (طاولة الزهر في لغتنا اليوم).
القِرْقات: جمع قِرْق- وهي لعبة للصبيان يخطّون بها أربعة وعشرين خطًّا مربعة،
كل مربع منها داخل الآخر، ويصفّون بين تلك المربعات حَصَيات صغيرة على طريقة مخصوصة.
معصفران: مصبوغان بالعصفر، وهو نبات صيفي من الزهر، يستخرج منه صبغ أحمر يُصبغ به الحرير غالبًا.
الضِّغْث: ما ملأ الكف من النبات.
رَدْع الخَلوق: لطخ الزعفران.
هل تخيلتم الكتاب وكيف كان، كانوا يجرّونه!!!
هكذا تعرفنا إلى ناد كانوا يلتقون فيه، يعلقون بعض ثيابهم، يقرءون ويلعبون، ويجتمعون، فأين نحن اليوم، وخاصة في قرانا، من النوادي؟
ب.فاروق مواسي