الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة عقب هدم المنازل في غور الأردن
تاريخ النشر: 02/02/14 | 23:50"إحذروا، فالجرافات وسيارات الجيب العسكرية قادمة". سمعت شيرين السلامين هذا التحذير من إحدى جاراتها بعد أن فرغت من حلب الشياه والنعاج على مقربة من منزلها. وتقطن شيرين في قرية الحديدية الواقعة خلف مستوطنة روعي المقامة بشكل غير مشروع على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
وقالت شيرين لنا: "كنت على وشك أن أبدا بإعداد الجبن ولم يكن هناك متسعا من الوقت كي أزيل كل شيء من الطريق؛ الأطفال والمواشي والطعام: لم يكن لدينا متسعا من الوقت. فلقد كانت الماشية منتشرة على جميع أرجاء المنطقة. واضطُررنا إلى إعادة بناء كل شيء. ولقد بقينا على قيد الحياة ولله الحمد".
تؤوي قرية الحديدية في شمال غور الأردن حوالي 150 شخصا يقيمون في خيام وأكواخ ويحاول الرعاة المحليون كسب عيشهم فوق أراضي القرية الصخرية المائلة للحمرة.
ولقد اعتادت عائلة شيرين على عمليات هدم المنازل. فلقد سبق للجيش الإسرائيلي وأن هدم منازل العائلة وحظائرها مرتين في صيف عام 2013 – وكرر الفعلة أربع مرات قبيل ذلك التاريخ أيضا.
ودعتني هذه الأم الشابة إلى خيمتها واللقاء بأسرتها. وشاهدت حبال تقاطعت داخل الخيمة وقد تدلت ملابس الغسيل الرطبة المعلقة عليها. ورأيت مرتبة على الأرض ويرقد عليها طفلين صغيرين تحت بطانية ثقيلة. ولم تكن مهمة رعاية ولديها بالمهمة السهلة، لا سيما في حر الصيف عندما تم هدم منزلهم.
وتقع الحديدية ضمن المنطقة (ج) التي تغطي 60 بالمائة من أراضي الضفة الغربية. ووفق تصريحات الجيش الإسرائيلي، تُعتبر الأكواخ البسيطة والخيم وحظائر الحيوانات هياكل غير قانونية جراء عدم امتثالها للمخططات التنظيمية التي وضعتها إسرائيل للمنطقة التي تقع ضمن نطاق سيطرة الجيش بالكامل.
ولا يُؤخذ برأي الفلسطينيين المحليين في القرارات الخاصة بالمخططات التنظيمية للمنطقة (ج) والتي تعود بالفائدة على المستوطنات التي يقطنها اليهود فقط. ولقد طرحت الحكومة الإسرائيلية، خلال الشهر الجاري فقط، عطاءات لبناء أكثر من 1000 وحدة سكنية جديدة.
وبحسب ما أفاد به مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فلقد أُزيل 565 مبنى هناك في عام 2013. وفقد أكثر من 800 شخص منازلهم. ووقعت أحدث عمليات الهدم والإزالة تلك في 3 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أي قبيل ثلاثة أيام من زيارتنا للموقع.
وفي المقابل، تزهو المستوطنات الإسرائيلية المجاورة للحديدية بوجود بيوت للضيافة فيها وأراض زراعية شاسعة وفلل بأسقف يعلوها الكرميد الأحمر اللون.
وعلى الرغم من الجهود الإسرائيلية الرامية إلى اقتلاع مجتمعها المحلي، تقدر شيرين عاليا أسلوب حياتها الذي تعيشه. إذ تلعب شيرين وغيرها من نسوة القرية دورا هاما في اقتصادها الذي يعتمد على منتجات الألبان واللحوم التي تُباع في سوق أكبر البلدات المجاورة وهي نابلس الواقعة على بعد 20 كلم من القرية.
وفي سبيل كسب الرزق، يحتاج أفراد المجتمع المحلي لاستخدام مراعي تلال الحديدية. ولهذا السبب يحرص سكان القرية على البقاء فيها على الرغم مما ترتكبه السلطات الإسرائيلية بحقهم من انتهاكات لحقوق الإنسان، لا سيما وضع عراقيل أمامهم تحول دون وصولهم للخدمات الصحية المعتادة والحصول عليها.
ويعاني طفل شيرين الثاني من الشلل الدماغي – مما يجعله بحاجة للرعاية في حر الصيف أثناء عمليات الهدم والإزالة، وها هي تحاول الآن تدفئته أثناء أمطار الشتاء. وولد الطفل في مستشفى بالقدس بعدما تمكن الجيران من تأمين سيارة إسعاف عسكرية لنقل شيرين إلى هناك لحظة المخاض.
ومنذ ولادة الطفل، لم تتمكن من الحصول على تصريح سفر لابنها للحصول على العلاج الذي يحتاجه بشدة. وقالت شيرين: "لم يحصل طفلي على علاج منذ ولادته؛ وهو الآن بين يدي الله".
كما عانت شيرين من تبعات حظر السفر عند ولادة طفلها الثالث مما اضطُر أسرتها للتفاوض مع الجيش الإسرائيلي للحصول على سيارة إسعاف لنقلها إلى المستشفى في نابلس القريبة. وسُمح لسيارة الإسعاف الفلسطينية بنقل شيرين بمرافقة عسكرية إسرائيلية.
ويُعد شهر يناير/ كانون الثاني موسم اخضرار تلال الحديدية فتبدأ الماشية بإدرار المزيد من الحليب. إلا أن الشهر نفسه هو موسم الهدم أيضا. فكل مبنى أو كوخ في القرية معرض للهدم وكل يوم هو عبارة عن معاناة قائمة بذاتها.
وقالت شيرين: "أقوم كل يوم بحلب الشياه فجرا وأشرع بصنع الجبن ومن ثم أقوم بإعداد الإفطار وأغسل الملابس وأنظف المنازل. وفي خضم ذلك كله لا أغفل عن مراقبة المكان خشية وقوع عملية هدم. فمشكلة المشاكل هنا هي الهدم والإزالة.
ووفق أحكام القانون الدولي، تُعد المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الأراضي الفلسطينية المحتلة مستوطنات غير شرعية، ويُحظر هدم ممتلكات الفلسطينيين إلا في حالات الضرورة القصوى من أجل القيام بعلميات عسكرية. ومع ذلك فالسلطات الإسرائيلية عازمة في الحديدية على تجريف المنازل والإطاحة بأحكام القانون الدولي معها.
هيك الكلام