من قصـصـي القـصـيرة
تاريخ النشر: 06/02/14 | 1:40ليلة مخيفة
قال لي صديقي:
- "هل تجرؤ أن تتجول ليلاً في المقبرة؟"
قلت له هازئًا:
– "وما الفرق بين الليل والنهار؟ هل تؤمن بالجن والأشباح، أم تراك تؤمن بأقوال العجائز أن بعض القبور تضيء في الليل؟"
-دعك مني، ولكني أراهنك على مبلغ محترم إذا أثبتّ لي أنك تجولت بين القبور.
(أعرف أنه تراهن اثنان أن يدق أحدهما سكة بالقرب من قبر معين، فأخذ يدق السكة على أطراف ملابسه ولم يستطع أن يقوم…)
وبالرغم من أني لا أومن بالغيبيات، إلا أنني عندما اقتربت من المقبرة كان شبح يكمن وراء قبر مرتفع، اقشعر جسدي، بسملت وحوقلت، وقرأت ما حضرني من الآيات.
سرت برباطة جأش ليست من طبعي، وإذا بالشبح مجرد برميل.
وضعت يدي على البرميل، ثم ركلته برجلي، يدي على البرميل مبرهنًا شجاعتي، وسرت متوتر الأعصاب، متسلحًا بالعلم والمنطق.
الدقائق تمرُ متثائبة، وصوت يولول، أصوات متداخلة، وفي لحظة…
انشق قبر أمامي، ووقف منتصبًا شكلٌ ضخم جسيم.
انطلق يقهقه، أمسك بيدي مترفقًا ورحب بي.
أخذت أفتح عيني، وألمس أطرافي لأتيقن من سلامة عقلي.
هذه يدي!
هذه رجلي، إذًا ليست المسألة وهمًا ولا خيالاً، فالقبر ما زال مفتوحًا……
– "أتعرفني؟"
– م. م. م.
– "أنا أعرف أنك فلان بن فلانة، لا تعجب من قيامتي، تخيل نفسك بعد مئات السنين،……. أغاني أم كلثوم ما زالت أمام جمهورها، وكأنها اليوم"!
الخوف يعقد لساني، سأتأكد أنني لست في حلم.
هذا رأسي،
وهذه ساقي،
والساعة الآن الثانية عشرة ليلاً، وعقرب التاريخ يتقدم يومًا وما زال الشبح يحدثني، ويبدو أنه كان يتحدث عن الغناء.
– دعك من الزمن.
ساقني صوب القرية نتجول في شوارعها والناس في غطيطهم.
– "أليسوا أمواتًا؟"
وتابع:
"في الصباح سأرافقك إلى السوق، ولكنا الآن سنذهب إلى مكتبتك، إلى العمالقة الذين ظنوا أنهم لم يموتوا وحصلوا على المجد".
أخذت استعيد وعيي،……… ولكن هذا جنون،……
شخص ميت بعث من قبره، ويسير معي جنبًا إلى جنب، يمسك بيدي، ويدي دافئة.
– في الصباح حدقت إليه مليًا ثانية، لم يكن مخيفًا وبشعًا، عادي جدًا،
لن يصدقني أحد إذا قلت إن هذا ضيف هلّ علينا من عالم المجهول، وسيظنون بي الظنون إن قلت لهم إن هذا كان ميتًا،
وسيقترحون عندها على أهلي أن يرسلوني إلى مستشفى الأمراض التي كفانا الله شرها، والعوض بأهلي.
– عندما التقيت صديقي قدمت إليه ضيفي من العالم الآخر، وبينما كان الصديق يضحك ملء شدقيه على هذه النكتة الظريفة، كان الضيف يغمزني.
– سأرى الحفرة ومن أين خرج؟
وعندما وقفنا عند الحفرة كان الضيف يشيح بوجهه، وكان صديقي ينزل ليقايس نفسه في الحفرة، وفجأة أطبق القبر.
وتملكتني الدهشة.
لكن الضيف لم يُعر المسألة أي اهتمام، ابتسم، وقال "لنعدْ"!
لم يفتقد الناس صديقي،
ولم يسألوني "من هذا؟ من الضيف الغريب؟"
ذهب الضيف إلى بيت صديقي يهنئهم.
وكان بعض أهل الدار يبكي،
وبعضهم يضحك.
………………………………………
من مجموعتي القصصية "أمام المرآة وقصص أخرى". نابلس: دار الفاروق- 1995، ص 57.