حكم التوسل بالصالحين
تاريخ النشر: 26/02/17 | 5:03ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التوسل بالصّالحين، وهو القول المعتمد في المذاهب الأربعة، بل إنّ الشيخ محمّد بن عبد الوهاب في رسائله إلى أهل القصيم لم ينكر مشروعية التوسل بالصّالحين، وأبلغ من انتصر لهذا القول الإمام الشوكاني السّلفي، وإليك نصوص أقوالهم:
نصوص علماء الحنفية:
جاء في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 360 ط. مكتبة البابي الحلبي/القاهرة سنة 1318هـ: قوله فيتوسل إليه بصاحبيه ذكر بعض العارفين أن الأدب في التوسل أن يتوسل بالصاحبين إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ثم به إلى حضرة الحق جل جلاله وتعاظمت أسماؤه فإن مراعاة لواسطة عليها مدار قضاء الحاجات”.
وجاء في تنقيح الفتاوى الحامدية لابن عابدين (ت:1252هـ) (7/417) في ذكر حال بعض الجراد الذي غزا البلاد: “وَادْفَعْ شَرَّهَا عَنْ أَرْزَاقِ الْمُسْلِمِينَ بِجَاهِ النَّبِيِّ الْأَمِينِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين”.
وقال ابن عابدين في حاشية رد المحتار على الدر المختار 1/84: “يقول أسير الذنوب جامع هذه الأوراق راجيا من مولاه الكريم، متوسلا بنبيه العظيم وبكل ذي جاه عنده تعالى أن يمن عليه كرما وفضلا بقبول هذا السعي والنفع له للعباد، في عامة البلاد، وبلوغ المرام، بحسن الختام، والاختتام، آمين” .
قال خليل أحمد سهارنبوري (المتوفي 1349هـ) في كتابه المهند على المفند(ص 86-87) وهو من كبار علماء أحناف ديوبند بالهند، في جواب هذا السؤال: هل للرجل أن يتوسل في دعوته بالنبي والصالحين والصديقين والشهداء والأولياء؟
“عندنا وعند مشايخنا يجوز التوسل بهم في حياتهم وبعد وفاتهم بأن يقول: “اللّهم إني أتوسل إليك بفلان أن تجيب دعوتي وتقضي حاجتي”. كما صرح به الشاه محمد إسحاق الدهلوي والمهاجر المكي ورشيد أحمد الكنكومي.انتهى.
قال الإمام محمد زاهد الكوثري في كتاب “مقالات الكوثري “(صـ 410): “وعلى التوسل بالأنبياء والصالحين أحياء وأمواتا جرت الأمة طبقة فطبقة”. اهـ
نصوص علماء المالكية:
جاء في الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، للعلامة أبي البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، وبهامشه حاشية العلامة الشيخ أحمد بن محمد الصاوي المالكي، (2\72): “….ثمّ ينتقل قبالة قبر أبي بكر ويقول: “السلام عليك يا خليفة رسول الله، السلام عليك يا صديق رسول الله، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده، جزاك الله عن أمة محمّد خيرا رضي الله عنك وأرضاك وجعل الجنة متقلبك ومثواك ورضي الله عن كل الصحابة أجمعين، ثمّ يتوسل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ينتقل قبالة قبر أمير المؤمنين عمر ويقول: “السلام عليك يا صاحب رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق، أشهد أنك جاهدت في الله حق جهاده، جزاك الله عن أمة محمّد خيرا رضي الله عنك وأرضاك وجعل الجنة متقلبك ومثواك ورضي الله عن كل الصحابة أجمعين، ثمّ يتوسل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ يأتي إلى البقيع فيسلّم على أهله هكذا ويتوسل بهم إلى رسول الله فلتحفظ تلك الآداب فإنّ من فعلها مع الشوق وفراغ القلب من الأغيار بلغ كل ما يتمنى إن شاء الله تعالى” .
نصوص علماء الشافعية:
جاء في مغني المحتاج (1/184): ”سئل الشيخ عز الدين هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالنبي والملك والولي؟ فأجاب بأنه جاء عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه علم بعض الناس: اللهم إني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة..الخ. فإن صح فينبغي أن يكون مقصوراً عليه عليه الصلاة والسلام، لأنه سيد ولد آدم، ولا يقسم على الله بغيره من الأنبياء والملائكة، لأنهم ليسوا في درجته، ويكون هذا من خواصه، والمشهور أنه لا يكره شيء من ذلك “.
قال الإمام النووي قال في كتاب الأذكار باب الأذكار في الاستسقاء، ص 160: إنه يستحب إذا كان فيهم رجل مشهور بالصلاح أن يستسقوا به فيقولون: “اللهم إنا نستسقي ونستشفع إليك بعبدك فلان كما روى البخاري أن عمر رضي الله عنه استسقى بعباس رضى الله عنه وقال جاء الاستسقاء بأهل الخير والصلاح عن معاوية رضى الله عنه وغيره”.
نصوص علماء الحنابلة:
جاء في الفروع، ابنُ مُفْلح في “الفروع” (3/229 ): “ويَجُوزُ التوسُّلُ بصالحٍ، وقيْلَ يُسْتحبُّ “.
جاء في “الإنْصاف” للمرداوي (2/456): “يَجُوز التوسُّل بالرجل الصالح، على الصحيح من المَذْهَب. وقيل يُسْتَحب قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِلْمَرُّوذِيِّ: يَتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ”.
جاء في كشاف القناع للإمام البُهوتي (1/546(: “ولا بأس بالتوسل بالصالحين”.
جاء في “منتهى الإرادات” مع شَرْحِهِ للإمَام الُبهوتي (2/58 :(“وأُبيْحَ التوسُّلُ بالصَالحيْن”.
جاء في “غاية المُنْتَهى” مع شرْحه للإمَام الرحيْبَاني (2/316(: “وكذا أبيْحَ توسلٌ بصالحيْن”.
وجاء في المغني (ج2: ص439): “ويستحب أن يستسقى بمن ظهر صلاحه; لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء، فإن عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن عمر: استسقى عمر عام الرمادة بالعباس، فقال: اللهم إن هذا عم نبيك صلى الله عليه وسلم نتوجه إليك به فاسقنا. فما برحوا حتى سقاهم الله عز وجل” .
وجاء في كتاب مناقب الإمام أحمد ابن الجوزي ص 297: عن عبد الله بن موسى أنه قال: “خرجت أنا وأبي في ليلة مظلمة نزور «أحمد» فاشتدت الظلمة، فقال أبي: يا بني تعال حتى نتوسل إلى الله تعالى بهذا العبد الصالح حتى يضاء لنا الطريق، فمنذ ثلاثين سنة ما توسلت به إلا قضيت حاجتي فدعا أبي وأمنت على دعائه، فأضاءت السماء كأنها ليلة مقمرة حتى وصلنا إليه”. اهــ
رأي الشوكاني السلفي رحمه الله تعالى: وقال: (ويتوسل إلى الله بأنبيائه والصالحين) أقول: ومن التوسل بالأنبياء: وذكر قصة الأعمى، وأما التوسل بالصالحين حديث استسقاء سيدنا عمر بسيدنا العباس رضي الله عنهما). انظر: (كتاب تحفة الذاكرين ص37).
وينقل رضي الله عنه إجماع الصحابة على جواز التوسل ثم يقول: “وأما التوسل إلى الله سبحانه وتعالى بأحد من خلقه في مطلب يطلبه من ربه فقد قال عز الدين بن عبد السلام: إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعندي (أي عند الشوكاني) أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمرين: الأول: ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله عنهم والثاني: أن التوسل إلى الله تعالى بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة، إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله”.
رأي الشيخ محمّد بن عبد الوهاب: حيث في رسالته الموجهة لأهل القصيم الاستنكار الشديد على من نسب إليه تكفير المتوسل بالصالحين، وقال: إنّ سليمان بن سحيم افترى عليَّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي، فمنها: أني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري لقوله: يا أكرم الخلق، وأني أحرق دلائل الخيرات، وجوابي عن هذه المسائل: أني أقول سبحانك هذا بهتان عظيم، وجاء أيضاً تأييد قوله هذا في رسالة أخرى له بعثها إلى أهل المجمعة يقول فيها: إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها، منها ما هو من البهتان الظاهر، وهو قوله: أني أكفر من توسل بالصالحين، وأني أكفر البوصيري إلى آخر ما قال، ثم قال: وجوابي فيها أن أقول سبحانك هذا بهتان عظيم. [أنظر الرسالة الأولى والحادية عشرة من رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب القسم الخامس 12 وص64].
وقال في موضع آخر: “فكون بعضهم يرخص بالتوسل بالصالحين، وبعضهم يخصه بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأكثر العلماء ينهى عن ذلك ويكرهه، فهذه المسألة من مسائل الفقه، وإن كان الصواب عندنا قول الجمهور من أنه مكروه، فلا ننكر على من فعله، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد، ولكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات وإغاثة اللهفات وإعطاء الرغبـات، فأيـن هـذا ممـن يدعـو الله مخلصـاً لـه الديـن لا يدعـو مـع الله أحـداً ولكـن يقـول في دعائـه: أسألـك بنبيـك أو بالمرسلين أو بعبـادك الصالحين، أو يقصـد قبراً معروفـاً أو غيـره يدعـو عنـده، لكـن لا يدعـو إلا الله مخلصاً له الدين فأين هذا مما نحن فيه. (انتهى من فتاوى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب في مجموعة المؤلفات القسم الثالث ص68 التي نشرتها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في أسبوع الشيخ محمد بن عبد الوهاب). وهذا يدل على جواز التوسل عنده وغاية ما يرى أنه مكروه في رأيه، والمكروه ليس بحرام فضلاً عن أن يكون بدعة أو شركاً.
وخلاصة القول: أنّ التوسل بالصّالحين هو قول جمهور العلماء وهو من المسائل الفقهية الفرعية التي لا ينبغي انكارها ولا التشنيع على فاعلها كما يقوم به بعض المتسرعين بالتفسيق والتضليل.
د.مشهور فواز
أصبح البخاري ومسلم أهم لدينا من كتاب الله، وتحول الإسلام من رسالة عالمية إلى الناس إلى دين أحكامه تناسب شبه جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي،
فالرسول (ص) بالنسبة لنا أصبح يضاهي الله تعالى في المكانة، وأقواله وأفعاله اتخذت مقاماً في حياتنا بما يتجاوز التنزيل الحكيم ويضعه جانباً،
ونحتكم إلى أموات، وبينما يكتشف العالم كواكب جديدة وتقنيات حديثة وعلاج لأمراض، ونحن في مستنقعاتنا نلوك فتاوى هل الكلب نجس أم لا،
واكتفي من التنزيل الحكيم بتصنيف آياته كطاردة للجن وجالبة للرزق، فإذا قرأت قوله تعالى
{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (يوسف 40)