من القائل: إنا محيّوك يا سلمى فحيّـينا
تاريخ النشر: 24/02/17 | 10:15إنا محيّوك يا سلمى فحيّـينا *** وإن سَقَـيتِ كرامَ الناس فاسقينا
المعنى: إنا مسلّمون عليك يا سلمى، فقابلينا بالتحية والسلام، وإن دعوت لكرام الناس بالسقيا- أي بالخير، فنحن منهم، فادعي لنا أيضًا.
البيت هو مطلع القصيدة التي وردت في كتاب (الحماسة) لأبي تمّام- ج1، ص 34 شرح التبريزي، تحت عنوان:
“وقال بعض بني قيس بن ثعلبة”، لكن الشارح التبريزي عرّفه، فقال: “هو بَشامة بن حَزْن النَّهشَلي، ولم أقف له على ترجمة في كتب الأدب”.
كذلك يذهب المبرِّد في (الكامل، ج21، ص 101) إلى أن القصيدة لبَشامة بن حَزْن، ويقول إنه يُكنى أبا مخزوم، وهو من بني نَهشَل بن دارِم، وتبعه في ذلك البغدادي (الخزانة، ج8، ص 301).
هناك من يرى أن الشعر هو لنَهْشَل بن حَرِّيّ- وهو شاعر مخضرم، ت. 665 م. (ابن طَباطَبا: عيار الشعر، ص 66- دار الكتب العلمية، وكذلك ابن قتيبة (الشعر والشعراء، ج 2، ص 638)، ومن الغريب أن ابن قتيبة نفسه عاد في كتابه الآخر (عيون الأخبار، ج1، ص 287) ليقول لنا إن بعض أبيات من القصيدة هي لبَشامة (لم يذكر لنا أيهم؟ ابن عمرو؟ ابن الغدير؟ ابن حَزْن؟).
غير أني كنت قرأت في (الوسيط في الأدب العربي وتاريخه) تأليف أحمد الأسكندري ومصطفى عناني، ص 52 أن الشعر للمرَقِّش الأكبر (عمر بن سعد)، ولكني بعد تنقيب وجدت أن هناك اختلافًا في الأبيات بين القصيدة وهذه الأبيات الأربعة الواردة للمرقِّش الأكبر، ومطلعها:
يا دارَ أجوارنا قومي فحيّينا *** وإن سقيتِ كرام الناس فاسقينا
(انظر المفضليات، النص 128).
سأقف على بيت من القصيدة، وأتقصى ما ورد على غراره، والبيت هو:
وليس يهلِك منا سيدٌ أبدًا *** إلا افتلينا غلامًا سيدًا فينا
(افتلينا= فطمنا من الرضاع، وفلوت الفَـلُـوّ- أخذته عن أمه- والمعنى- نشأ فينا سيد مكانه).
وهذا البيت شبيه بقول أبي الطَّمَحان القَيني:
وإني من القوم الذين همُ همُ *** إذا مات منهم سيدٌ قام سيد
وورد في شعر حاتم:
إذا مات منا سيد قام بعده *** نظيرٌ له يُغْني غَناه ويخلُفُ
ويقول عُروة بن الوَرْد:
إذا مات منهم سيد قام بعده *** على مجده غَمْر المُروءة سيد
ثم إن هناك البيت المشهور:
إذا سيدٌ منا خلا قام سيد *** قئول لما قال الكرامُ فعولُ
وهو بيت نُسب إلى أكثر من شاعر:
نُسب لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي ( ابن طَباطَبا، عيار الشعر، ص 68- دار الكتب العلمية) ونُسب للسموءل بن عادياء (ديوان عروة بن الورد والسموءل، ص 90- دار صادر).
يذهب داود الأصبهاني في كتابه (الزهرة)، ج2، ص 643- الباب الثاني والسبعون
إلى أن الشاعر هو السموءل أو عبد الرحمن القَيني أو عبد الملك الحارثي المعروف باللجلاج.
في شرح (حماسة أبي تمام) – المرزوقي، ج1، ص 110، يرى أن القصيدة هي لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي، ثم ما يلبث أن يضيف: “ويقال إنها للسموءل”.
أما في (الحماسة البصرية)، ج1، ص 45 فقد ذكر أن الشعر للسموءل “وتروى أنها لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي من شعراء الدولة العباسية”.
مهما اختلف الرواة في صاحب الشعر فالمعنى هو واحد:
السيادة مستقرة فينا، وهي لنا دائمة جيلاً بعد جيل.
وأخيرًا، فكثيرًا ما تختلط المعاني في قصيدة “إنا محيّوك” بأبيات صَفِيّ الدين الحِلّي الحماسية التي مطلعها:
سلي الرماح العوالي عن معالينا *** واستشهدي البِيض هل خاب الرجا فينا
ولي عودة إلى بعض معاني هذه القصيدة.
ولا ننس أن صفيّ الدين خمّس قصيدة “إذا المرء لم يدنس من اللؤم عِرضه”، وهو تخميس أصيل وجميل.
ب.فاروق مواسي