تميم منصور بين التقبيح والتجميل!
تاريخ النشر: 23/02/17 | 0:00آمال عوّاد رضوان
أٌقام نادي حيفا الثقافيّ أمسيةً تكريميّة للكاتب والمربّي تميم منصور ومنجزاته الأدبيّة، برعاية المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ/ حيفا، في قاعة كنيسة القدّيس يوحنّا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا، وذلك بتاريخ 16-2-2017 ووسط حضور كبير من أدباء ومثقفين وأصدقاء وأقرباء من حيفا والجليل والمثلث، فرحّب بالحضور المحامي فؤاد نقارة مؤسّس ورئيس نادي حيفا الثقافيّ، وتولّى عرافة الأمسية الشاعر رشدي الماضي، وتحدّث عن منجزات تميم منصور الأدبيّة كلٌّ من الأدباء: آمال عوّاد رضوان، وسعيد نفاع وعبدالرحيم الشيخ يوسف، وفي نهاية اللقاء قدّم نادي حيفا الثقافيّ درع تكريم للكاتب تميم منصور، ثمّ تمّ التقاط الصور التذكاريّة.
مداخلة فؤاد نقارة: أهلا وسهلًا بكم في قاعة كنيسة يوحنا المعمدان الأرثوذكسيّة في حيفا. أمسيات نادي حيفا الثقافي تُقام برعاية المجلس الملّيّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا. الشكر الكبير لمُشاركي أمسياتنا. نشكر موقع ودار “الوسط اليوم” للنشر والإعلام على ما تقوم به من رعاية لأدبائنا ونشر وطباعة كتبهم الأدبيّة، ونشر تقارير أمسياتنا المفصّلة للأخت الشاعرة آمال عوّاد رضوان؛ المحرّرة الثقافيّة في “الوسط اليوم”، وتوزيعها في عدّة مواقع محليّة وعربيّة وعالميّة، كما ونشكر المواقع الإلكترونية والمجلّات والجرائد التي تنشر أخبار الأمسيات. نشكر جميع العاملين والمشاركين بالكامل في النادي بمحبة وشغف تطوّعًا في أمسياتنا، من مداخلاتٍ وفِرَقٍ موسيقيّة وفنّانين، عن مبدأ ورسالة لخدمة الثقافة والأدب والإبداع والمجتمع، فالجزء الأكبر منهم يُثمّنون مشروعَنا الثقافيّ والعمل الدؤوب الذي تتطلبُهُ إقامة أمسياتنا، من ترتيبات وتحضيرات وتنسيق واتصالات، وتحضير دعواتٍ وطباعتها ونشرها وتوزيعها، وإقامة الأمسيات وتصويرها وتوثيقها، ورعاية الحضور وتقديم التضييفات لهم، ومن ثمّ نشر تقرير مفصّل مَحليّا وعربيّا وعالميّا بقلم الشاعرة آمال عوّاد رضوان المحرّرة الثقافيّة لموقع “الوسط اليوم”، وخبر بقلم خلود فوراني سرّيّة، ولكن وللأسف، هناك بعض آخر يستكبر وبعض يتنكّر!
إنّ إقامة أمسياتٍ ثقافيّة لا يُجبرُنا عليه أحد، وإنّما نقوم بذلك بدافع الواجب والتقدير، ونحن نعتقد في نادي حيفا الثقافي أنّنا نتعامل مع المحتفى به برقيّ، ونتوقّع منه أن يُبادلنا هذا الرقيّ ولو بكلمة شكر. نشاطات نادي حيفا الثقافي يُموّلها المجلس المليّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا، والنادي مستقلٌّ تمامًا ولا يتلقّى أيّ دعم من أيّة جهة، وإنّما بما يتبرّع به أعضاءُ النادي وبعض المشاركين بجزء من ريع كتبهم. إنّ الكاتبَ الأمّيّ ظاهرةٌ منتشرة في وسط كتابنا وشعرائنا، فلا أستطيع أن أستوعبَ أنّ هناك كاتبًا لا يقرأ للآخرين، وتستطيع أن تلاحظ ضحالة ثقافتهم. نحن ندعو إلى ثقافة المَحبّة والاحترام لكلّ إنسان، وقد استضافَ النادي مبدعينا من المثلث والجليل والكرمل وحيفا ومناطق السلطة الوطنيّة والشتات، وصفحة نادي حيفا الثقافيّ على الفيس بوك، يمكنكم متابعة نشاطاتنا وأخبارنا بالكلمة والصورة والفيديو، فهذا النادي هو استمرارٌ للنهضة التي قام بها أسلافنا لخدمة لغة الضادّ والعروبة وبمسؤوليّة، يجب أن يتحمّل كلّ منّا حسب قدرته المساهمة بها، بهدف تنوير وترسيخ انتمائنا العربيّ في هذا الشرق.
الأديب تميم منصور مِن مُرَبّي أجيالنا، ومواقفُه المُشرّفة حولَ ما يدورُ في مجتمعنا تُنشَرُ على الملأ منذ عقود، وإصداراتُهُ وأبحاثه تشهد له غيرته وحرصه على شعبنا وقوميّتنا، وكمثقف راقٍ جريء كتاباته عابقة برائحة الوطن والتراث، ويُشرّفنا استضافته في نادي حيفا الثقافيّ، ونرحّبُ بالمشاركين في المداخلات: الباحث والمُربّي عبد الرحيم الشيخ يوسف، والكاتب المحامي سعيد نفّاع، والشاعرة آمال عوّاد رضوان، وعريف الأمسية الشاعر رشدي الماضي.
مداخلة رشدي الماضي: للشاعرة آمال عوّاد رضوان أقول: تعمّدتُ شاعرتي أن لا أسيءَ إلى إليكِ، لأغرقَ فيه، فأصعدُ إلى ذرى قصيدتِكِ وأعصرُ عنقودًا وأشدُّ له وترًا، أريقي النورَ في سُحُبي بردًا، ألستُ المتيّمَ، وكلُّ نيرانِكِ نيراني وتكويني؟
وللأديب تميم منصور ناثر تباشير الغد الآتي: أنا على مقعدي في تاريخ الحزن العربيّ، أبكي نصف الكلام، وقبلَ أن أسقط مضرجًا بدمي وحبر قصائدي، بعد أن ضاق المكان على المكان، أنتظرُ الهدهدَ ليدلّني على الطريق إلى دمعة البئر البريئة التي تبرّئ ذئب كنعان من إثم الخيانة والخطيئة. أنتظرُهُ مفتاحًا يفتح لي تمامة وتميمة، وتميم في طقوس معابد الكلام يتهاطلُ دفء أنفاس الوطن، أبجديّة إبداعيّة تثمر حبًّا بين الإنسان والمكان، حبًّا لمّا أزل يا تميم أتلوه عشقًا بيني وبين هذه الأرض الطيّبة، وأتلوه أنشودة إباء وشموخ، وملحمة عبور نحو انتصارات الحياة، على جواد يمتطي صهوة الخلاص والقيامة والحرّيّة. كلماتك يا تميم نشيد كرامة وعزّة في هذا الزمن الذلة، صباحات شفيفات منقوعة بالزنابق، مغسولة بالنعناع والمواقف لكلّ المعذبين والرافضين الصاخبين في وطن العرب. أعلنتَ انتماءك للحياة وطنًا وقضيّة، أرضًا وإنسانًا، فانتعشت في صحراء فراشات وارتعشت حولها أطيار، وسأظلّ أنا العاري الذي لا مدينة يلبسها، أجيئك أسرق من سلاسلك المطر والفرح جذوة تمسك بالنور، يُصرّ أن لا ينقطع عن الإصغاء إلى همسك.
مداخلة آمال عواد رضوان: *سلامي لكم مطرا وإبداعًا وانتماءً لهذا البلد العامر بنا، ومباركٌ لنا “ذكرياتُ معلم” إنجاز الكاتب تميم منصور، الذي شدّني إلى حروفه، وقد لامستُ معاناتَك الصادقة ووصفك للأحداث، ووجدتُني أشاطرُكَ الكثير من أحداثه المشابهة لِما مرّ بي في مشوار معاناتي في التعيين والتنقيل وتوابعه! وكمحرّرة ثقافيّة في دار الوسط اليوم للنشر والإعلام، أشكر رئيس تحريرها الأستاذ جميل حامد على الجهود التي يُخصّصها لأصدقائي الكتّاب والمبدعين، ليس فقط في طباعة كتبهم وتنسيقها وتنقيحها ومونتاجها وتصميم غلافها، إنّما أيضًا بتسهيل إيصالها لهم، وقد كان كتاب “مذكّرات معلم” أحد الكتب في سلسلة الكتب الصادرة عن دار الوسط اليوم للنشر والإعلام، وقد أسعدَني جدّا أني كنت من أوائل من اطلع على الكتاب وأشرف على طباعته، فمبارك لنا ولك بهذا المنجز التوثيقي التأريخي القيّم.
أستاذي تميم منصور، لماذا فطنت إلى كتابة مُذكرّاتك فقط بعد تقاعدك؟ هل اكتسبتَ شجاعةً وقوّةَ مواجهة، بعد أن تحرَّرتَ من قيود التعليم ومن أجهزته؟ هل لأنك انطلقت خارج دائرة الشكّ والترهيب التي فرضتها السلطات الإسرائيليّة عليك وعلى جهاز التعليم العربيّ؟ هل كنت آنذاك مُعلّمًا جبانًا مهزومًا أمام لقمتك، تطاردُك كوابيسُ الترهيب والمخاوف، وتُلاحقك حقائق تناقضات الهُويّة والانتماء المفروضة عليك، فتعلم تاريخ معاناة اليهود، وتطمس معالم النكبة وأهلك؟ هل حقّا مُذكّراتك تتّسم بالموضوعيّة والمصداقيّة، وتعرية المتعاونين المنتفعين الوصوليّين المُتستّرين على سياسة التمييز القوميّ والعنصريّ؟ هل أردتَ لهذه المُذكّرات أن تعيدَ الحياة لأحداثٍ ولّت بعدما كانت ميّتة، وأردت أن تؤبّن الزمن الراكدَ الراقد؟ هل أردت بذكرياتك أن تفتح تابوت آلامنا وأحزاننا، وتعرض أشرطة صور وخيالاتٍ وفضائح، لتكشفَ ألقابَ وأسماءَ طواها الزمن، وتُغلقَ نوافذَ مجاملاتك وصمتك وندمك؟ ما هي العبر التي تريدنا أن نجنيَها ونعتبر منها في ذكرياتك؟ هل هي ذكريات لمجرد التوثيق والتأريخ لمرحلة عبرت، أم لأهداف خفيّة أخرى في بطن الحوت وفي نفس يعقوب؟
صحيح أنّ بعض الأجوبة نجدها في مضامين النصوص، لكن هناك كثير من الأجوبة مُغلّفة بهالاتٍ ضبابيّة مُبهَمة، فاحتملني عزيزي، هو رأسي الصغير يُتعبني حين يضجّ بتساؤلات تتوالد متناسلة، وأظلّ أستفزّك، وتظلّ ترمقني بعينيك المكتنزتين بالموج الهادئ العاصف قائلا: على رسلك يا آمال عوّاد رضوان، فهناك ص6 “ملاحظة لا بدّ منها، فأنا لم أذكر في هذه المذكّرات كلّ الحقّ، لكنّني لم أذكرْ فيها إلّا الحقّ، والعِبرة التي أضيفها أمامَ كلّ مَن يفكّر ويحملُ أداةً للكتابة وأقول: الكتابةُ ترتبط ارتباطًا عضويًّا بالحرّيّة، فعندما لا تكون حرّيّة، لا تكون كتابة”!
عن أيّة حقبةٍ زمنيّةٍ تتحدّثُ ذكرياتك السالفة؟ أتحدّث عن زمن الحكم العسكريّ ما بين الأعوام (1949- 1966) بعد أن سنّت الحكومة الإسرائيليّة قانون التعليم الالزاميّ المجّاني من جيل (5- 14 سنة)، الذي أتاح استئجار وبناء مدارس مختلفة للعرب، وفتحَ أمامنا آفاق التعلم بعدة مواضيع أساسيّة، وتعلم اللغة العبريّة والموسيقى والتاريخ والموطن، وقد عُيّن معلمون عرب أنهَوْا صفوف الثاني عشر، ومعلمون لم ينهوا المرحلة الثانويّة، وبسبب النقص في المعلمين العرب خاصّة في المثلث، عيّن في المدارس العربيّة معلمون يهود يتقنون اللغة العربيّة، وما أدراكم بحال معلمينا وطلابنا العرب آنذاك! كان الحكم العسكريّ صارمًا يُشدّد الرقابة على تعيين المعلمين وعلى التعليم العربيّ، ويُبعَد كلّ معلم له آراء سياسية وقومية عقابا له، وكان الطلاب ميسورو الحال او من لعبت معهم الظروف يُكملون دراستهم الثانوية في حيفا والناصرة والطيبة والطيرة، وفي بداية السبعينات انتشر بناء المدارس الثانوية في معظم القرى والبلاد العربيّة والتعليم المجانيّ للمرحلة الثانويّة، فازدادت فرص التعلم والتعيين أيضّا، وأنا بدوري أنهيت تعليمي الثانويّ في مدرسة يهوديّة وفرع علميّ، لكنّي عيّنت كمدرّس للتاريخ في العام 1960!؟
أستاذي تميم، ذكرياتك السالفة هذه هل تختلف كثيرًا عن حاضرنا؟ وهل اختلف كثيرًا حالُ تعيينات المعلمين اليوم عمّا كانه بالأمس؟ وهل حَمَلةُ شهادات اليوم يُضاهون معلمي الأمس معرفة وانتماءً وإخلاصًا، أم أنّ الشكليّات والظاهر والأوراق باتت تطفو قوّة وحضورًا على سطح الحقيقة المزخرفة بالتضليل والتشويه والتعتيم؟ قال: بكلّ أسف، الأوضاع التعيسة في مدارسنا العربيّة خلال 40 عام هي هي، على بؤسها تقوم، ليس فقط في البدايات، فحتى نهاية خدمتي كان وما زال السيناريو يتكرّر على نفس المسرح، وفقط يتغيّر الممثلون والديكور والملابس والكراسي! لقد كان معظم مفتشي المعارف العرب عراقيّين، وكان السموأل مفتش لغة عربّية، وكثير من مدراء المدارس منهم شولميت مديرة مدرسة حسن عرفة، وكان مدير دار المعلمين العرب في يافا إلياهو كوهين عراقيّا، وقد امتاز باستبداده وتحطيم شخصيّة المعلمين، وكذلك كان معظم المعلمين عراقيّين في اللد والرملة ويافا وكفرقاسم وجث وغيرها من قرى المثلث، فكانت لدينا صعوبة في فهم لهجتهم، وقد واجه المعلم العربيّ القوميّ الاضطهاد والملاحقة والمطاردة والتعجيز والعقاب في التعيينات البعيدة التي يتعذر التنقل والسفر الوصول إليها والمبات. ولا ننسى فصل المعلمين العرب بطريقة التفتيش الفنيّ، أي بطرق ملتوية وتقارير سيّئة متوالية ومتعاقبة لتحكيم المعلم وإثبات فشله من أجل فصله، إضافة إلى إلزام المعلمين العرب بالاشتراك في اقتناء “جريدة اليوم الحكوميّة”.
نحن أمام كتاب مقالات، لو أزلنا عناوين المقالات وربطنا المواضيع ببعضها، لكان لدينا سيروائيّة جزئيّة للكاتب، لأنها تشمل على الوصف والسرد ومعظم مقوّمات الرواية، لكنّ كاتبنا آثر أن يأخذ فيها منحى المقالة، وكمعلم سار في سلك التعليم الشائك الجارح منذ بدايات الستينات، بلغة توثيقية تأريخية حكائيّةٍ وشبه تقريريّة يكتب، فيسرد معاناته كمعلم تنقّل عبر عقد من الزمن في طمرة الزعبية، الناعورة، نين، عرب الشبلي، طرعان، جسر الزرقا، كفرقاسم وأخيرًا الطيرة، وتتبدّى لنا الحقائق حقيقيّة دون تشويه وتزوير. يسرد لنا بلغة سرديّة حكواتيّة موجوعة، وبأسلوب ساخر فيقول ص7: “إن المادة الدراسية التي تفرضها المناهج لم تتغير ولم تتجدد. الفتوحات الإسلامية أصبحت في ذمّة التاريخ، وانتصارات العرب في الأندلس كانت، والحروب الصليبيّة كانت، وشروق شمس الدولة العثمانيّة وغروبها كانت، والحضارة العربيّة بعلومها وآدابها وفلسفتها كانت، ولم تعد قضيّة فلسطينيّة، وتشرذُم العرب على حاله لم يتغيّر. وهدف الطلاب من حفظ كلّ هذه المواد وغيرها، ليس من أجل بناء أبراج شاهقة من المعرفة، بل كي تكون جسرًا عابرًا يمرون من فوقه، للحصول على شهادة المدرسة الثانويّة، وتأشيرة الدخول إلى الجامعة”.
فهل يا حضرة المدير ليوم واحد فقط، اختلف حالُ أمسِكم عن حال يومنا؟ “اسمع يا أستاذ، لا تستغرب، بحبّ أقول لك، بأن رئيس المجلس في كفر قاسم ومعه عدد من الضيوف في طريقهم لزيارتك، بصراحة، هُم بحاجة إلى مدير لإدارة المدرسة الشاملة، ولم يجدوا أفضل منك لهذا المنصب”. وبين يوم وليلة، ومن خلال اجتماع ارتجاليّ مفاجئ أصبحتُ مديرًا للمدرسة”. كانت زوجتي أوّلَ من هنّأني بهذا الهمّ الجديد، لكن كنت أشعر بأنّ هناك صخرة فوق صدري، فحديث المفتش زاد من شعوري بأنّ هناك شيئًا يُحاكُ ضدّي (مؤامرة! وتحرّيات)! في الساعة العاشرة ليلًا، اتّصل بي رئيس المجلس المحلّيّ في كفر قاسم، وكانت كلماته مهزومة مُلطخة بالخجل، وأخذ يلفّ ويدور بطريقة طفوليّة، كأنّه يريد التوصّل لعبارات خاصّة. لم أُمْهِلْهُ وقاطعته ضاحكًا: هل رفضت وزارة المعارف اختياركم لي؟ عندها تشجّع وقال: نحن خجلون منك، يجب أن نضع رؤوسنا في التراب، بحقّ، نحن من قدِمَ إليك، وتوسّلنا إليك كي توافق على إدارة المدرسة، لكن وزارة المعارف وضعت أمامنا العراقيل. إحنا في طريقنا إليك، بمرافقة وفد من وجهاء كفر قاسم لتقديم الاعتذار”.
وتقول شوقيّة عروق: “نعم يا آمال عوّاد رضوان، أمام مذكّرات مُعلّم نكتشف أنّ ليلَ المعلم له أنياب الخوف مثل الطلاب، فليله يحمل القمعَ والرفضَ والمؤامرات والقوانين، وجهاز وزارة المعارف يحاصر عقله وأحاسيسَه وأفكارَه ووطنيّته ومبادءَه، فهناك من يُتقن تفسير قسَمات الوجوه والكلمات والسلوكيّات والحركات، ومن تحت الذرائع العديدة تكون شراسة الفصل والطرد. مذكّرات معلم هي روعة التجربة، وقرع طبول التمرّد في زمن كانت قبعة قبطان الذعر تطفو فوق شواطىء الوظيفة، فتلخّص العمرَ، وتكتب على عتبة دخولها (قل كلمتك وامش.. وحذار من التردد). ليست هي مذكراتٍ خرساءَ، ولا مذكّراتِ ثرثرةٍ وترويجٍ للكراسي المكسورة أو المناصب التي نخرَ خشبَها السوسُ. هي مذكّراتُ الحقّ والحقيقة، ومحطة القطار التي شهدت بدايةَ رحلةِ السفر ورحلة العودة. إنّها وثيقةٌ وشاهدةُ عيانٍ وإثباتٍ على وجودنا وصراعنا الدائم، مع الذين يحاولون مسحنا وتهميشنا ورفضنا”.
مداخلة الكاتب سعيد نفاع: الكاتب تميم منصور في كتابه “أّيّام فلسطينيّة” يبدعُ ويوجعُ. أتداخل اليومَ، ليس فقط كأمين عامّ لاتّحاد الكرمل للأدباء الفلسطينيّين، وتميم منصور (أبو السائد) عضو بارز في الاتحاد، وإنّما أيضًا كرفيق درب ومن ثمّ صديق، ولذا فقوْلي فيه ربّما يكون مثلومًا، وهذا يتطلب منّي جهدًا خاصّا. بدايةً، هذا المنبرُ شهد ويشهد الكثيرَ من الأمسيات الاحتفاليّةِ أو التكريميّة لمبدعين، وإشهارَ إبداعاتهم وفي شتى مجالات الإبداع، وقيّض لي أن أقف أو أجلس أمامه وخلفه. وكنتيجةٍ، لا بدّ من ملاحظةٍ. أعتقد ومثلي الكثيرون، أننا عندما نجلسُ قبالةَ المنبر لا نريد أن نجلسَ كطلابِ جامعة يتلقون محاضرةً في المعاييرِ والأسسِ النقديّة، وإن كان المبدع تخطّاها سلبًا أو إيجابًا، ولا في المدارس النقديّة والتحليليّة وإلى أي ينتمي الكاتب، فلسنا بذاهبين بعد الندوة لامتحان نصبو بعدَه لشهادة، نحن ذاهبون إلى الميدانِ وميدانُنا وعِرٌ، ولذا فنحن بحاجة لمعرفة الرسالةِ التي حمل المبدع وإنتاجُه، لشحننا في مواجهةِ وعورتِه، وهذا يجب أن يكونَ دورُ المتداخل. تميم أحبّ الوعِرَةَ من الميادين، وفي كتابِه “أيام فلسطينيّة” دخل أوعرَها. وبدءًا أقول إنّ هذه الوعورة أتعبتني كثيرًا، فلا دخولَها سهلٌ ولا الخروجَ منها سهلٌ. قالت رفيقة دربه الكاتبة شوقيّة عروق منصور في تقديمه: “إن الأكاذيبَ التي وضعتها الصهيونيّةُ كثيرةً وكبيرة، ووضعُ الحقائق أمام الأجيال ليس مجرّدَ ترفٍ ونزق إعلاميّ، بل هو ينير أنفاقَ الأكاذيب، ويدفع الأجيالَ الفلسطينيّة والعربيّة والعالميّة إلى مكافحة حرب الخداع والتسليم بتاريخهم”. فهل نجح تميم في هذا؟! يقول تميم في المقدمة: “ما يتوفر (من مصادر) ليس أكثرَ من بعض الغمار الموزّعةِ داخلَ صفحاتِ بعضِ الكتب، هذه الغمارُ بحاجة إلى جهد جهيد ودرسٍ متواصل لتحويلِها إلى صروح معلوماتيّة قادرةٍ على سدّ هذا الفراغِ من تاريخ شعبنا الحديث”. لقد دخل في هذا الكتاب وأدخلنا في أنفاقَ كثيرةٍ ومظلمةٍ استطاع أن ينير فيها مساحاتٍ كبيرةٍ من ظلماتها. ففي الكتاب (أنفاق)، أدخلنا إليها من أبواب شتّى، عاملًا على أن ينير لنا على ما خلفها بجهدٍ كبير.
*في الباب الأول عن الحركة الكشفيّة في فلسطين(ص19): يأخذنا الكاتب عميقا في الحركة الكشفيّة الفلسطينيّة، موغِلًا في تاريخِ الحركة عالميّا. المأخذُ على الكاتب يكمُن في الصفحات (19 و23) حين يعود بنا لمؤسّسها اللورد روبرت بادن باول، دون أن يشيرَ إلى أن انطلاقتَها كانت أداةً استعماريّة، وهذا أمر يجب أن يُطرح أمام القارئ.
الباب الثاني عن رسل الدعوة الإصلاحيّة في فلسطين (ص43): إن حرقةَ تميمٍ على فلسطينيّته جعلته يفتشُ عن كلّ حزمة نور في أيّامنا الفلسطينيّة، ومن خلال “ظبّ الغمار”، فاته أحيانًا أن يطرحَ “الزوّان”. ففي هذا الفصل (ص43) يذكر الشيخَ الشاعر علي الريماوي من ضمنِ الدعاة الإصلاحيّين، رغم أنّ هذا الشيخ الشاعر كان من “المدّاحين” لدرجة أنه مدح بريطانيا.
*الباب الثالث عن المنظمات العماليّة (ص53): يستعرض تميم الحركةَ العماليّة إنجازاتِها وإخفاقاتِها، ويشير فيما يشير إلى ميشيل متري رئيس “جمعيّة العمال العرب” ويصفُه بالمناضل وهو حقّا كان كذلك ودفع حياتَه ثمنا، اغتيالا أوائل العام 1936 (؟). (ص58 و59). ما فاته هو حكايةُ اغتيال المهندس ميشيل متري، وهذه حقيقة تاريخيّة لها مدلولاتها وكان على الكاتب ألّا يغفلها. إنّ المخابرات البريطانيّة وبالتعاون مع الصهيونيّة هادفة إلى ضرب نسيجنا الوطنيّ، دأبت في تلك الفترة على إطلاق سراح مجرمين من السجون، شرط أن ينفّذوا أعمالًا يوكلوا بها تحقيقا لهذا الهدف، وكان اغتيال المهندس ميشيل متري أحد هذه الأهداف. للاستزادة يستطيع المعني قراءة مذكرات الحاج أمين الحسيني، فما جاء فيها حول هذا الاغتيال وكشف منفذيه وملاحقتهم هام جدّا.
*الباب الرابع عن الحركة الرياضيّة في فلسطين (ص79).
*الباب الخامس عن الجمعيّات والاتحادات والروابط والنوادي في فلسطين إبان عهد الانتداب (ص123): وهنا يسقطُ تميم في هفوة، إذ يقول أو يقتبسُ لا أعرف: ” في عهد الانتداب تمّ إنشاءُ ما لا يقل عن خمسَ عشرةَ جمعيّةِ فلسطينيّة وطنيّة، أكثرِها خيريّة وأدبيّة، ومن الملاحظ أن غالبيَّها كانت مسيحيّة، ويعود السببُ إلى الامتيازات التي تمتع بها المسيحيّون. ص123. إلا أنه ما يفتأ أن يعود ليقولَ: “كان نشوء الجمعيّات وغيرِها من المؤسّسات الثقافيّة والاجتماعيّة يرتبط ارتباطا عضويّا بظهور المجتمع المدنيّ من ناحية، ويرتبط بالفئة المثقفة من الناحية الأخرى (ص128). وفي هذا الباب، لا بدّ من ملاحظة تقنيّة إذا صحّ التعبير. فالاسمُ الثاني لمحمد دروزة.. ضاع بين غرّة وغزة إلى أن استقرّ على عزة في الثالثة (ص129) ولكن الملفت للنظر في هذا الباب، هو ما ذهب إليه الكاتب في وضع عائلة الحسينيّ والنشاشيبيّ في نفس الميزان في سياق حديثة عن الجمعيّات. فلا يصحّ أن توضع عائلة الحسينيّ ورغم ما يمكن أن يكون عليها من ملاحظات، في نفس المستوى مع زعامات من عائلة النشاشيبي التي هادنت الإنجليز والصهيونيّة، ولنا في راغب النشاشيبي وفخري النشاشيبي البيّنة. (ص155و156)
*الباب السادس عن الروابط الأدبيّة والثقافيّة في فلسطين (ص177)
*الباب السابع عن المكتبات في فلسطين (ص183)
*الباب الثامن عن المطابع في فلسطين (ص205): يسجّل الكاتبُ هنا حقيقةً تاريخيّةً (إذا تغاضينا عن قول نابليونَ: إن التاريخَ هو الحكايةُ التي نتفق عليها)، من المهمّ الإشارةِ إلى هذه الحقيقة على ضوء محاولات “تحنينا” للخلافة العثمانيّة، وهي أن الغرب وضع أولَ كتاب في اللغة العربيّة عام 1514م، بعد الثورة التي سبقت في عالم الطباعة، في حين أنّ الدولةَ (العليّة!) العثمانيّةَ لم تكن تسمحُ بطبع الكتب العربيّة وحتى العام 1712م. (ص209).
*الباب التاسع عن مؤسّسات الرعاية والعناية الصحيّة في فلسطين (ص219).
*الباب العاشر عن منظمات شبه عسكريّة فلسطينيّة أقيمت قبل النكبة (ص227). *النجادة. *الفتوة (ص256). *منظمة الشباب (ص269). محمد نمر الهواري (ص273) انظر( ص277 ). في هذا الفصل دخل الكاتب ميدانا من الأشدَّ وعورةً وفوق كلّ ذلك مليئاً بالألغام، ولا هو خرج منه سالما ولا أخرجنا سالمين. يبدو للقارئ وكأن الكاتبَ في مكان ما معجبُ بشخصيّةٍ كان لها ارتباطُ عضويُ في منظمة النجادة، ألا هو محمد نمر الهواري، الذي يخصّص له جزءا كبيرا من الفصل، واضعا إياه ندّا لجمال الحسيني وحتى المفتي ولاحقا الحزب الشيوعي الإسرائيلي. لا أستطيع هنا وفي مداخلة كهذه تناول الأمر من كل جوانبه، ولكني أطالب تميم بطبعة ثانية حتى يزيل كل لبس عن هذا الرجل الدخيل على النضال الوطنيّ الفلسطينيّ.
الباب الحادي عشر والأخير عن المنظمات العسكريّة (ص287(. جيش الإنقاذ (ص291). جيش الجهاد المقدّس (ص320). في هذا الفصل الأخير في الكتاب، يطأ الكاتب حقلا أشدَّ وعورةٍ من سابقه، ولكنه هذه المرّة خرج وأخرجنا، وجراحُنا أقلُّ ثخونةٍ من السابق. فيما يتعلّق بجيش الانقاذ أعاد الكاتب لهذا الجيشِ بعضَ ما يستحقُّ مكانةً، ولكنّه في باب المعلومات أخطأ أو خُطّئ. وتكفي الإشارةُ إلى أمرين، الأوّل دخول وخروج جيش الإنقاذ وملابسات ذلك، فخلا الأمر من الدقّة التأريخيّة. والثاني عدد شهدائه (309!)، والتغاضي عن دور فوج “شكيب وهاب” أو ما أسماه فوج جبل العرب، فلم يكن كذلك أولا إذ انضم تحت لوائه كل المجاهدين في المنطقة بغض النظر عن انتماءاتهم الثانويّة، وثانيا يذكر أن شهداءه كانوا 5 ويقول: “قتلوا في معركة (كفار يوحنا) يوم 1948\04\12. هذه المعطيات أبعد ما تكون عن الحقيقة التاريخيّة حتى النسبيّة. فلا يوجد في كل فلسطين مكان اسمه “كفار يوحنا”، والمعركة هي “رمات يوحنان” في المصادر الصهيونيّة وفي أدبياتنا “هوشة والكساير”، ودامت ثلاثة أيام متوالية، وهذا الفيلق ضمّ في صفوفه قرابة ال300 مقاتل من عرب البلاد من كل الطوائف والمذاهب، وفيها وصل عدد الشهداء 9 فقط من شفاعمرو ويركا وبيت جن، وأما من شباب الجبل ف-86 شهيدا، والأسماء متوفرة وقبورهم في شفاعمرو ويركا وبيت جن قائمة حتى اليوم.
خلاصة القول: لم يكن عليّ بتاتا من السهل الخوض في غمار هذا المؤلّف، خصوصًا وأنّ جامعه لمَّ غماره من خمسة وأربعين حقلا. مشكلتنا الأساس في روايتنا الفلسطينيّة كانت وما زالت أنّ الجلّ الكبير ممّن تناولها، تناولها بطريقة استعراضيّة بعيدًا عن النهج التاريخيّ العلميّ وعن النقد الذاتيّ، نافين كلّ ما جاء في الرواية الصهيونيّة جملةً وتفصيلًا، ومعتمدين على روايتنا منقوصة الوثائق والمصادر، وفي هذا ضعفها وانحسارها أمام الرواية الصهيونيّة. فيما يخصّ كاتبنا وكتابنا، ورغم ما قلت أعلاه، فإن الجهد الجبّار الذي بذله تميم منصور مبارك، وقد أغنى بيدرنا بالغمار الوفيرة، وأنا متأكّد أنّه تصبّب عنه الكثير من العرق، بل أكثر ممّا يتخيّل قارئ. وقد وُفّق في كلّ فصول الكتاب، اللهم إلا في الفصول الثلاثة الأخيرة، وأنا أطالبه حثيثا أن يُعيد إنتاجهما في كتاب خاصّ أو طبعة خاصّة، وأنصحه إذا كان هنالك مكان للنصيحة، أن يأخذ الرواية الصهيونيّة مصدرًا مُقارنًا ولا يكتفي بروايتنا التجميليّة التقويّة (من التقيّة). وهذا يتطلب صحّة جيّدة وعمرًا مديدًا، وهذا ما أتمنّاه لتميم، فنحن بحاجة لقلم كقلمه.
مداخلة الكاتب عبد الرحيم الشيخ يوسف: سيرة تميم منصور هارمونيا بين الأحداث والأسلوب: يقول د. إحسان عبّاس: “بين المتحدّث عن نفسه وكاتب السيرة الذاتيّة فرق كبير، فالأوّل لا يزال كلّما أمعن في تيّار الحديث يُثير شكّنا، والثاني يستخرج الثقة الممنوحة له منا خطوة إثر خطوة، ولذلك كان الأوّل شخصًا عاديًّا أو أقلّ من العاديّ في نفوسنا، أمّا الثاني فشيء مغاير له تمامًا، لاعتقادنا أنّه لم يكتب سيرته لملء الفراغ، وإنّما كتبها لتحقيق غاية كبيرة”. وأنا أقول: إذا لم يكن لكاتب السيرة الذاتية ضمن سيرته حياة ملتحمة بحياة الناس، يذوق معهم الحلو والمُرّ، ولا تعني الناس من قريب ولا من بعيد، تبقى محصورة ضمن دائرة العجب الذاتيّ، ولا يشوق أحد أن يُضيّع وقتًا بقراءتها، وأرى بكلّ وضوح وثقة واطمئنان، بأنّ سيرة تميم منصور في ثنائيّته “الأمس الذي لا يموت” و “الحاضر الذي مضى” مرآة ناصعة، تنعكس عليها لوحات خالدة من لوحات الآفاق الفلسطينيّة والعربيّة، فلسطينيّة داخل ما يُسمّى بالخط الأخضر أو عرب48، ولعلّ قيمتها تحققت عبر المواصفات التالية:
1* إنّ الكاتب لم يكتبها ليُظهر بطولته في أيّ مجال، وإنّما ليُعلن للملأ أنّه تشرّف بأن كان روحًا عايشت الأوضاع في كلّ آمالها وآلامها، وابتغى توثيقَ أجزاء وصور على صفحة التاريخ من صور عذاب هذا الشعب المكافح، واصطباره على توحّش الظلم وغطرسته الذي مارسه بحقّه وما يزال حكّام لا أخلاق لهم ولا فهم لحقيقة الانسان. 2* إنّ الكاتب كان أمينًا صادقًا في كلّ ما عرض، فلم يزد ولم ينقص من الحقائق. 3* تشير هذه الصفحات من هذه السيرة إلى صفاءٍ فكريّ، بحيث جاءت أحداثه كأنّه يُعايشها اليوم. 4* جاءت هذه السيرة بأسلوب ذي خصائص كتابيّة، تبدو وكأنّ صاحبَها مُنشئٌ مبدع حاذق في استغلال بعض جماليّات القصّ وجماليّات اللغة. 5* تمتاز مضامين التأليف لدى الكاتب تميم بأنّها مُطعّمة بإشاراتٍ ثقافيّة مستقاة من التاريخ ومن علوم ثقافية أخرى.
الأسلوب: 1* الكلمات الغاضبة: لأنّ الظروف قاهرة أحيانًا، ومقرفة أحيانًا أخرى، لا يستطيع الكاتب الناصع الصريح إلّا أن يقذف بحممه كما البركان، ممكّنا لسورة غضبه أن تنفلت لتُلبس المجرم لباسه الحقيقيّ، ولتجلف عن الحقيقة القشور البشعة والمنتنة التي رانت عليها بخبث ودهاء وطغيان عقيم. لقد وجّه الكاتب تميم وبكلّ جرأة وصراحة كلمات نفاذة إلى أعداء العروبة واعداء الشعب الفلسطينيّ ومغتصبي حقوقه بخاصّة، كما وجّهها إلى التافهين وبائعي الذمم وعديمي الأخلاق والحسّ الوطنيّ، وكنماذج من “الحاضر الذي لا يموت” (ص16): رأيت هذا اليهوديّ يتعثر بثيابه من شدّة حرجه، وضبطته مُتلبّسًا بالعنصريّة. هناك طريق شائك يحيط بأولمرت وهم أفاعي اليمين الفاشي. و(ص108) هذا هو حال إسرائيل والعصابات التي تحكمها. تاريخها حافل بأعمال العنف والقتل والتشريد، من بين هذه الأعمال الجرائمُ التي قامت بها أجهزة الأمن الإسرائيليّة، والتي عُرفت بيوم الأرض سنة 1976. القوّة الاستيطانيّة التي تتغذى وتنمو على مستنقع الاحتلال والحروب وسفك الدماء. قطر دويلة التناقضات وأحد أذناب المؤامرة على العراق. لماذا دخلت هذه الدولة المسخ بقوّة على خط المواجهة في لبنان؟ و (ص22) لُعنتُ الساعة التي أصبحتُ فيها مُعلّمًا حتى أتعامل مع هذه الآفة الغريبة عن روح الحضارة التربويّة.
السخرية: إنّ الأسلوب الساخر هو أعلى حدّ من حدود الغضب، تمثّل السخرية بكلّ الإصرار والتحدّي ضمن الكفاح والمقاومة. “الحاضر الذي لا يموت ص141” في مملكة الحيوان تتحوّل الشرنقة إلى فراشة، أمّا في ممالك الأنظمة العربيّة فإنّ فراشات الشعب تتشرنق. وفي (جمرات داخل رماد الأيّام ص74) قولٌ لمظفر النوّاب: قمم قمم قمم معزى على غنم. و (ص98) معذرة للملكين العبدلين السعوديّ والأردنيّ. و(ص104) هذا الازدحام العربيّ أمام البوّابات الإسرائيلية أحرجها إسرائيل، لأنّها أصبحت عاجزة عن استيعاب هذا العطاء، وهذا الكرم العربيّ الذي يُصرّ على الاعتراف بها والتعاون معها. كانت الوزيرة السحاقيّة. و (ص97) المندوبون العرب من أمراء ووزراء أصرّوا على الحجّ إلى حرَمها أثناء وجودها في نيويورك. براك أوباما أمريكيّ أبيض بوجه أسود. و(47ص) محمود عباس: إنّ البعض اتّهمه بأنّه أصبح مُدمنًا على السير فوق البُسُط الحمراء. مؤامرات القاع العربيّة. و(ص101) تذكّرت في الحال الفنانة صباح لأنّها هي الأخرى ترفض التسليم بحالة الشيخوخة، وجعلت من وجهها غرفة لعمليّات جراحة للتجميل، فخسرت الوجه والحيويّة والهيبة.
الصراحة والصدق: جميع أوصافه ولقطاته عرضت بألفاظ وتعابير غير مُبطّنة، ولم يخشَ في ذلك لوْمة لائم. ونموذج لذلك ما حدث أمامي، وأنا أشهد على ذلك مع د. حسين فوزي.
الافتتاحيّات: عبر أقوال لقادة من الماضي والحاضر أو تقديم فكريّ من عنده مُتّخذًا أسلوبَ التحليل فيما بعد. يقول المؤرّخ إدوارد جيبون: التاريخ ليس إجابة كتاب أو حتى خاصّة لقضايا تسلسليّة في الواقع، إنّه ارتباط في الماضي ويُفسّر حبّ الكاتب وقدرته على التعمّق والتحكّم. (مقدّمة الحاضر الذي لا يموت ص7): عندما تمتلئ جيوب الذاكرة بمخزون السيرة الذاتيّة، يُصبح صاحبُها كالشجرة المُحمّلة بالثمار الناضجة، وهذه الشجرة بحاجة إلى هزّة واحدة أو أكثر كي تسقط الثمار مرّة واحدة أو أكثر، أو بعض مرّات. و (ص104) لا زال الزواج هو بوليصة الأمان الأخلاقيّة والنفسيّة والاجتماعيّة للمرأة. و(ص128) اثنان في الوطن العربيّ يرتعدان خيفة من يقظة النائم هما اللصّ والحاكم. و (ص54) صدق علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه)، وذلك تعقيبًا على العنوان الذي يقول “أشقى الرعاة من شقيت به رعيّته”. و(ص93) قال عبد الرحمن الكواكبي: أسفلهم طبعًا أعلاهم وظيفة. وقال يصف الأمراء والملوك العرب: أجسادهم خلقت دمّلًا على أديم الأرض وظيفتها توليد الصديد- رياح الصبا تهبّ على السعوديّة.
استشهاد وتمثل بأشعار وأقوال وإشارة إلى كتب: (الحاضر الذي لا يموت ص8) يقول الفليلسوف جوته: إنّ استحضار الذاكرة كاستحضار الأرواح فيها خطورة وألم وفرح ومعاناة وقلق. هذه الصورة المشوّهة لِما يحدث فوق أرض الكنانة، تُذكّرنا بقول الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبدالعزيز 717-720 حيث قال: ما رأيت نعمة موفورة إلّا وإلى جانبها حقّ ضائع. وقال أحد الشعراء: فمذ أذنابنا أصبحت رؤوسًا لنا، غدوْنا بحكم الطبع نمشي الى الوراء. وصَف الأديب العراقيّ عبدالستار ناصر حال ملوك وسلاطين وأمراء الخليج الذين يُكدّسون الأسلحة قائلًا في (الأمس الذي لا يموت ص23): يشترون الأسلحة، لكن لم تستطع هذه الأسلحة حماية مؤخّرات نسائنا. مظفر النواب: قمم قمم قمم معزى على غنم/ على سمو نعجة على حمار بالقدم وتبدا الجلسة. ورد في موسوعة الهاغاناة العبرية الجزء الثاني: ان قيادات العصابات اليهودية المسلمة قررت احتلال اكبر عدد ممكن من القرى والمدن الفلسطينيّة.
استخدام اللغة العامية والعامية المعدلة: هذا مش شغلي (الأمس الذي لا يموت ص13). همس عبدالرحيم شيخ يوسف في أذني: عِلِق، اِهْريه. محمود عباس يناطح بقرون من خزف. قطاعات كبيرة من أبناء الشعب المصريّ والسواد الأعظم من الشعب الفلسطينيّ سيّان، في المجاعة واللهث وراء رغيف العيش وحبّة الدواء ورائحة الزفَر. انت شلون تدخل في شي ما يعنيك؟ هذا ما يخصّك فهمت؟ انا أقدر أرجعلك الى جسر الزرقا. سمعت بلى أنا أقدر رجعلك. كلش زين. اكو عندكم شاي. الرئيس الفلسطينيّ محمود عباس “مشغول خالص في هذه الأيام”.
عناصر الأسلوب القصصي: 1* الشخصيّات في كتاب جمرات معروفة وهي في غالبها سياسيّة، ولكن المؤلف كان يتعامل مع بعضها بأسلوب القصّة، فيظهر أبعادها وخاصّة البعد الجسميّ. قال عن هيلة ابراهام في (الحاضر الذي لا يموت ص22): جحظت عيناها واتّسعت الندوب المتناثرة في وجهها، من بقايا مرض الجدري الذي أصابها على ما يبدو قبل قدومها إلى إسرائيل. لقد رأيت أمامي وجهًا شبه محنّط هجرته الحيوية وغزاه الإرهاق والعناء، تتصدّر هذا الوجه عينان غائرتان في تجويف الوقب متعبتان، وعضلات الأهداب ثقيلة بحاجة أيادٍ لفتحها وإغلاقها.
2* تيار الوعي: إنّها حاسّة لها مُسمّيات كثيرة، هل هو العقل الباطن الذي يسيطر على إرادتنا ويدفعها أمامه؟ هل هو القدَر الذي لا رادّ له بقوّته غير الملموسة والمرئيّة، هو من أمرني وحرّكني من أمام واجهة حانوت الألعاب؟ للإجابة على هذا الإحساس وهذه التساؤلات أجد نفسي في منزلة بين المنزلتين، إحداهما تؤمن أنّ الإنسان لا يختار أعماله، وأخرى تقول عكس ذلك. (الحاضر الذي لا يموت ص22). حسنا فعلت، عندما تركت المكان، ولسان حالي يقول سوف أشتري الهديّة من كفار سابا.
3* الأسوب الأدبيّ: للكاتب تميم منصور من الخيال الشرود والمجازات القريبة والبعيدة والاستعارات بأنواعها، ما يَرقى بالأسلوب إلى دائرة التعابير الفنّيّة الأدبيّة الرائعة فيقول: قبل أن يصل إلى التقاطع الزمنيّ الذي شهد توقّف بعض الحركة التقدميّة فوق رمال شاطئه، حيث سارع التاريخ إلى لفّها بكفّه، بعد أن أبقت حيّزًا واسعًا من الفراغ المظلم الموحش داخل الشارع العربيّ (الحاضر الذي لا يموت ص75). تجمّعت غمار هذا الكتاب من حصاد الأحداث التي اختزنتها الذاكرة، فخرجت بعد اختمارها حاملة عبق التاريخ ومرايا الوجوه والأحداث، وما يُميّز هذه الغمار كونها مُكلّلة بندى الصدق والواقعيّة، بعيدة عن صنيعة الخيال والتكلف وزيف الأقنعة، ولولا ذلك لما بقيت سنابل هذه الغمار سليمة امتداد عمر إخصابها داخل أعماق الزمن (الأمس الذي لا يموت ص9). هنا حدث عكس ما هو متوقع، فبدلًا من الفرح، لأنّ مسوار العودة أخذ يلفظ أنفاسه، والليل يطوي خيمته السوداء، بدلًا من ذلك ازدادت مخاوفي كثيرًا، ووقعت في شباك الذعر (الأمس الذي لا يموت ص66).
السرد الملحمي: لعلّ أوضح لقطة تشدّ أنفاس القارئ تلك الصورة الملحميّة، على أثر انفجار القنبلة في تلّ أبيب وما أعقب ذلك. (الحاضر الذي لا يموت ص23). وكذلك يمكن الاشارة الى غربة بأنّها صورة ملحميّة للهجرة وترك المنزل.
منذ أكثر من ربع قرن شهدت وعرفت مواقف العزّة الوطنيّة والقوميّة معًا للصديق الكاتب تميم منصور، هذا الرجل الذي الذي كان وما زال وشيجة راسخة من وشائج الانتماء الوطنيّ المتين، ولا تحمل هذه الكلمات مبالغة صديق ورفيق، بقدر ماهي محاولة للاعتراف بحقّ صاحب الحقّ، أقول وقد عشت بين العبارات الملتهبة بحرارة الكبرياء والأنفة، وعلى أرض الشمم والعزّة إلى جانب الصراحة والوضوح، أنّ هذا الكاتب ماهو إلّا مهندس فذ لتوثيق الزمن دون زيف أو رياء، وهو قارئ أمين لسفر من أسفار حياة عاشها وعشناها معه، وقد عرض علينا صفحات الأيّام الحارّة التي ارتسم بين أسطرها وبين كلماتها الغضب المتحفز، ويقينًا أنّ من يقرأ كتب تميم منصور، يعرف أنّ هذا الكاتب قارح البصيرة، جذع الإقدام، لم يُخلص إلّا للحقيقة، ولم يكتب إلّا بحبر قلبه، بعد أن قرعت الحقائق أجراسها، فنهض مُجيبًا قائلًا أنا لها. ولعلّ نبضَ الحقائق في سيرته يعكسُ لنا أنّ الكاتب لم يؤرّخ لسيرته ما أرّخ لشعبه، ولم يلهمه حبّ نفسه شيئًا في الكتابة، ولكنّ مُلهمَه الحقيقيّ هو هذا الشعب صاحب التاريخ الناطق، وإذا كانت هذه خميرة فكره، فما من شكّ في أنّ الحقائق أوضح وطريقها أصلح ولسان الحال فما أفصح.
الإيقاع المتغيّر في أسلوب بسط السيرة الذاتيّة لتميم منصور وصور بين التحبير الإنشائيّ والتعبير الكتابيّ: 1* التمهيدات العامة او الخاصة: (ص40) التمهيد لموضوع “في ضيافة الصليب الأحمر” تمهيد يعرف بقرية كفرقاسم من حيث الموقع والعلاقات مع من هم وراء خطوط وقف النار بين الاردن وإسرائيل. و(ص38-39) التمهيد لموضوع “من أوّل غزواته كسر عصاته”، وتضمّن توضيحًا وشرحًا عن مدرسة كفرقاسم الثانويّة، والتعريف بالمعلمين العراقيّين ومستواهم العلميّ، ثمّ جاء الموضوع الذي مثله إعادة طالب كان قد تسلل إلى المناطق الأردنيّة. و(ص130-130) التمهيد لموضوع “مدارسنا ودرس الرياضة المهمل” وتضمن معالجة لموضوع الرياضة وأهمّيّتها وإهمال شأنها لدينا في مدارسنا ويُفصّل النواقص، ولا يكاد يخلو أيّ موضوع وأيّة حلقة سيرة تعليميّة من تمهيد معيّن، وهذا الأسلوب ينسحب على سائر كتبه.
2* الأساليب الأدبيّة: وردت هذه الأساليب ممثلة بتمثال واسع يشبه خيال الشعراء والمترسلين البلغاء، فيقول في مطلع موضوع “شاي ودم” (ص35): “التقيت به، فدلّني إحساسي أنّ هذا الأستاذ الشابّ وراءه قصّة حزينة. وجهه الغاضب وجبهته العريضة يُشيران إلى أنّ البركان في داخله ما زال ثائرًا، تتسلّل ألسنة اللهب الحارّ مِن مسامات بَشرَتِه ومن كلماته الناريّة. و(ص46): لأنهم يعيشون داخل جرح المجزرة الذي ينزف”. و(ص53) وبعد أن دخلنا إلى المختبر، همس قائلًا لي بكلمات متثاقلة، مبلولة بعرق اللهاث، كأنّه كان يصعد سلّمًا. و(ص80) وصلتُ إلى الضفة الثانية من نهر الواجبات والمستحقّات، للحصول على اللقب الأوّل بعد ثلاث سنوات. خلال هذه المدّة القصيرة نسبيًّا، لم تكن السباحة سهلة في مياه التوتر والضغط والعمل والواجبات الحياتيّة والاجتماعيّة، وغير ذلك من تعابير كثيرة لا يكاد يخلو منها أيّ موضوع في الكتاب، جاءت وكأنّها لوحات تزيّن جدران غرفة جميلة شائقة للجلوس على المقاعد الوثيرة المريحة.
3- التشبيهات: متوفرة بكثرة فتؤكد أحيانا وتقبح احيانا أخرى وتصف في حالات وتجمل في حالات فيقول ص48 فانتفضت كما تنتفض الدجاجة عندما يبتلّ ريشها بالماء. و(ص69) وقد ظهرت خيوط الفجر المُتدلية فوق جدران السجن، كجدائل امرأة أرهقها سهاد الليل، وهي تنتظر حبيبها الذي خرج ولم يعد..! و(ص144) لأنّ طبقات الغيوم الرماديّة وقفت بالمرصاد أمام الحزم الضوئيّة، لمنعها من الوصول إلى فضاء سجن أبو كبير. لكن خسرت الغيوم في النهاية هذه المواجهة مع أشعّة تمّوز المُلتهبة، لأنّ طبقات الغيوم تقهقرت وتبخّرت، وذابت كما يذوب الشحم فوق اللهب
4- دقة الوصف: يصف د. حسين فوزي (ص86): كان عجوزًا مُترهّلا مُحدَوْدبَ الظهر، تملأ التجاعيد وجهه، ومشيته بطيئة قريبة من الكبرياء، بعيدة عن التواضع، نظراته فيها بريق محيّر، ولمعان انبهار بالمكان الذي يتواجد فيه. راقبت نظراته المتأجّجة بالشهوة، فوجدتها تحطّ فوق صدور طالبات يهوديّات يجلسن على المقاعد الأماميّة، ورغم أنّ الجميع انتبه لنظراته المُتصابية، إلّا أنّه استمرّ في غرز النظرات الناريّة. ويصف السجان (ص70): كان يتعثر أمام كلّ حرف، فمرّة يرفع النظارات عن عينيه، ومرّةً يُعيدها ومرّة يَدفن رأسه في بطاقة الهُويّة. وص144 كان عجوزًا مُترهّلا مُحدَوْدبَ الظهر، تملأ التجاعيد وجهه، ومشيته بطيئة.
رابعاً : أساليب من عالم الرواية والقصة القصيرة: الشخصيات وأبعادها:
*البعد الحسّيّ: (ص68) كان عجوزًا مُترهّلًا محدودب الظهر، تملأ وجهه التجاعيد. و(بُعد نفسيّ ص111) صاحبة صولجان العبوس. و(بُعد جسمي ص95) الوجه الكشر؟ و(بُعد اجتماعي ص78) مُفتشة.
* أسلوب القصّ يتراوح بين ضمير المتكلم الذي جاء في معظم المواضيع، لأنّ الأحداث التي يبسط الحديث فيها يكون هو في أثنائها وفي أمواج تدفقها وحدوثها ، ولكن إذا أراد اللجوء إلى المقدّمات والتمهيدات، فإنّه يعرض ذلك بأسلوب العارف الكليّ .
* تيار الوعي: معروف قصصيّا، حين يختلي البطل بنفسه ويبدأ بالمناجاة والحوار الذاتيّ، فيقول “ص80”: في حَرَم الجامعة ومقاصفِها ومكتباتِها وحدائقِها وقاعاتِ المحاضرات، تعرّفتُ على ذاتي، وتفجّرتْ غالبيّة طاقتي وقدراتي، وتضاعفتْ مساحات أفقي وتعمّق انتمائي إلى وطني وشعبي.
*الاختزالات القصصيّة (ص90): قرّرتُ مراجعة المفتش الذي وعدني بالنقل في نهاية السنة الدراسيّة، وكان مكتبه في مدينة نتانيا. قرعت باب مكتبه ودخلت، وما أن رآني أمامه حتى شعر بنوع من الارتباك، ثمّ طأطأ رأسه ورفع يده ومسح جبهته العريضة. نظر إليّ نظرات عرفتُ تفسيرها فورًا.
* الحسّ المتزامن أو تبادل الحواسّ: (ص66) وجوه العمّال نحاسيّة اللون. و (ص20) أحلامي الملوّنة. و(ص36) وجوههم البلاستيكيّة. و (ص36) ابتسامتهم الثعلبيّة.
* التناص: كقوله (ص36) ابتلعته الغرفة، (من يوسف إدريس، ابتلعتها الحارة، قصة نظرة). حطّابين وسقاة ماء من أوري لبراني قال عن العرب (بأنهم يجب أن يعملوا ويعيشوا كحطابين). كلّ واحد كتابه بيمينه، من القرآن الكريم،( فأمّا مَن أوتي كتابه بيمينه).
*أطماع اليائس: بداية جميلة ونهاية سيئة أو قبيحة كقوله: “أمّا بيوتنا فهي فنادق .. بمستوى نجمة واحدة”. الاستعارات كثيرة وتأتي في معظم مقالاته وموضوعاته كقوله (ص35): “تتسلل ألْسِنَةُ اللهب الحار”. و “أمّا جدران ذلك الصف فكانت مُطرّزة.. بالشقوق والحفر والبقع السوداء”.
*اللغة: وكانت اللغة بأسلوب سائد، وطعمت بلغة محكيّة أو بأمثال فلسطينيّة أو أقوال معروفة فلسطينيّا، أو بلغة غير فلسطينيّة كاللهجة العراقيّة وفيما يلي النماذج: (ص30) الظاهر أني ياما راح أوكل غيرها. و(ص16) قميصي الجديد تجعلك. و (ص19) يدبّر حالو. و (ص25) “الأساتيز” يعني الأساتذة، و “المعاليم” يعني المعلمون. و (ص29) “شو الّلي دفعك للمُرّ إلّا اللي أمرّ منو”. و (ص27) معلش اتحمّلونا اليوم يا أساتذة. ومثل هذا كثير في النصوص.
*أسلوب التجميل: (ص11) سنة دراسيّة أكون أنا فيها الربّان في سفينة تهتزّ، وأحاول الإمساك بها بعيدًا عن مناطق الغرق.
*أسلوب التقبيح : شعورٌ يؤكّد لي أنّ شيئًا غامضًا سيخرج من بين جحور وزارة المعارف. *اللهجة العراقية: “أكو شاي عندكم” (ص36). “أسمع، عندك والله خوش مدرّس” (ص144). “هذا الأستاذ كُلش زين” (ص153).
إنّ أسلوب تميم منصور في كتاباته كالثوب المرصّع بالحلي والجواهر، بأساليب شعريّةٍ وأدبيّة وبلاغيّة، وفي ذلك تخفيف وتشويق للقارئ ليكون في نزهة ممتعة تشوّقه لقراءة الكتب، فتميم منصور متدفق الشعور والأفكار متنوّع الأساليب، ومَن يطالع كتاباته يقف على متعة فنيّة، واكتساب الحقائق والمعلومات.
مداخلة تميم منصور: المحامي الفاضل فؤاد نقارة رئيسِ نادي حيفا الثقافي. المحامي حسن عبادي وجميعُ زملائهِ الأعضاءِ في نادي حيفا الثقافي، السيداتُ والسادةُ الحضور، مع حفظِ الأسماءِ والألقاب. لا توجدُ كلمة حقٍ جديرةٌ بالذكرِ أوْلى من تقديمِ كلِ الثناءِ والشكرِ لحضراتِ السادةِ أعضاءِ المجلسْ المليّ الأرثوذكسي الوطني في حيفا ، لأنهم الرافعةُ والقامةُ الشامخةُ التي تدعمُ هذا النشاطَ الدؤوبَ لناديّ حيفا الثقافي، هذا الدعمُ لا يتمُ فقط بتوفيرِ وتقديمِ هذا المكان الطاهر، بل مباركٌ كلُ ما يقومُ به هذا النادي الصاعدُ كُلَ يومٍ في سُلَّمِ النجاحِ والعراقةْ. كلمةُ حقٍ يجب أن تُقالَ في هذهِ المناسبةِ وأمامَ هذا الحضورِ الكريمِ وفي كلِ مكان، إنَّ ما يقومُ به نادي حيفا الثقافي من رفعِ منسوبِ الثقافةِ، ودفعِ عجلةِ النشاطاتِ الفكريةِ والثقافيةِ، برغمِ إمكانياتهِ المتواضعةْ، قد فاقَ كُلَّ تصوّر، وهذا يعودُ الى قوّةِ إرادةِ التواصلِ وشكيمةَ أعضاءْ هذا النادي، الذينَ يَرْوْنَّ دعمَ الإبداعِ بكلّ صورهِ رسالةً مقدسةً، لا بدَ من حَمْلِها وإيصالِها الى بيتِ كلّ فنانِ و كاتبِ عربيّ في هذا الوطن. إن مسيرةَ أعضاءِ هذا النادي وإصرارَهم على الأخذِ بناصيةِ الكُتابِ والشعراءِ وكافةِ المبدعينَ، تُعتبرُ مفصلاً هامًّا في تاريخِ هذهِ الشريحةِ من العربِ الفلسطينيّينَ الذينَ انفردوا منذُ عامِ النكبةْ حتى اليومِ بصفاتٍ ومميزاتٍ خاصةْ، قَلَّ ما نجدُها لدى أيّة شريحةٍ عربيةٍ وغيرِ عربيةْ، لقد عَملَ المواطنونَ العربُ بمقتضى ما قالهُ بعض الحكماء: “إن النكباتِ تجلي معادنَ الشعوب”.
عندما وجدَ المواطنونَ العربُ أنفسهمْ معزولينَ مُهمّشينَ حتى من أبناءِ جِلْدَتِهم، كان الخيارُ الوحيدُ أمامهم الاعتمادَ على أنفسهمِ، رغمَ النسيان والحصار ومحاولاتِ التجهيل ومُصادرة الانتماء، قاوموا الاغترابَ في الوطنِ ولم يَصلهم الدعمُ من أحدِ حتى من الأمم المتحدة. لقد نتجَ عن هذا الإهمالِ وهذا الحصارِ ميلادُ أجيالِ تتمتعُ بالحصانةِ القوميةِ والوطنيةْ ، فتمتْ ترجمةُ ذلك بالحفاظِ على الهويةِ وقدحِ زنادِ ذاكِرَتِهم وفكرهم ، فتفتقَ عن قدحِ هذه الذاكرةِ والفكرِ ، ظهورُ هذا الكمِ الهائلِ من المبدعينَ والفنانيينْ والكتابْ والشعراءْ وقادةِ الفكرِ ، عدا عن الأطباءِ والمهندسينَ والمحامينَ والمدرسينَ والقائمةَ طويلةْ. لا أظنُ أنه يوجدُ شريحةٌ أو جزءٌ من شعبِ يملكُ هذا العددَ من الكتابِ والأدباءِ والمبدعينَ والمؤلفينَ في شتى المواضيع، هذا الكمّ كانَ بمثابةِ الضوءِ الأخضرِ الذي لفتَ نظرَ نادي حيفا الثقافيّ، فسارعوا الى حملِ رايةِ السيرِ في مقدمةِ مواكبِ الكتابِ والأدباء، أحد هذه المواكب دَفعُ عجلةِ الثقافةِ ومشتقاتِها الى الأمامِ قدرَ الإمكان، وإقامةْ وصلاتِ التكريم والاحتفاء بصدورِ الكتبِ وإقامةِ الندواتِ الثقافيةِ بهذا الزخمْ الثريِّ المتواصلِ، والذي يزيدُ يوميًّا مستواهُ الفكريّ المبدع.
أيها الأخوات والإخوة: إنّي أدعمُ رأيَ شاعرِ العصرِ (نزار قباني) عندما قال: الكتابةُ عملٌ انقلابيّ، وحقيقةً إنه إذا لم يكن في الكتابةِ جديدٌ ، تغدو تأليفًا لما سبق وشرحًا لِما انتهى شرحُهُ ومعرفةً مما سبق معرفتُهُ، إنّني أعتبر نفسي من الكتّابِ المُتشدّدين الذين يرفضونَ المهادنةَ في المواقفِ والرؤى السياسيّة، وضدّ المتخاذلينَ، وقد انتقدني على هذا الأسلوب بعضُهم، لكن هذا الانتقاد لم يثنِني عن الايمانِ بهذا القول: إن الكاتبَ الذي لا يقولُ نعمْ لما هو صحيح، لا يمكن أن يقولَ لا لما هو باطلٌ وزائف. لا أريدُ أن أتحدّثَ عن نفسيِ، لأنّ القارئ هو الميزانُ الحقيقيُّ للكاتب، وهذا الثالوث ( قارئ وكاتب ومادّة مكتوبة) دائمًا يخضع للجدلِ، نحنُ دائمًا نفكّرُ بالكلماتِ، ولا يمكن أن يجريِ التفكيرُ دونِ كلمات، وأنا كغيري أصيبُ وأخطئ.
إنّ عمرَ مشواري في الكتابةِ حتى الآن ما يقارب أربعةَ عقودِ فيها المدُ والجَزرُ، وممّا زادَ من وعورةِ مشواري أنّني كنتُ أعملُ في وزارةِ التربية والتعليم، وأنتم تعلمونَ كيفَ هذا الجهازُ يحاصرُ ويلاحقُ المعلمينَ، وقد دوّنتُ ذلك في كتابِ “مذكّرات معلم”. كان اختياري جانبَ النقدِ والتحليل السياسيّ والاجتماعيّ، وهذا أصعبُ شيءْ يواجههُ الكاتبُ من وجهةِ نظري، فالناقدُ السياسيّ عليهِ أن يبقى يَقظا يتابعُ التطوّرات وما أغزرها في منطقتنا، لكن بقدرِ هذه الغزارةِ هناكَ غيابٌ للمنابرِ الإعلاميّةِ الشريفةِ الملتزمةْ ، وهذا ينعكسُ على استمراريّةِ الكتابةِ لدى الكاتبِ. لقد كتبتُ في جميعِ الصحفُ الصادرةِ في بلادناِ وفي الخارجِ، وكنتُ كاتبًا رئيسيّا في صحيفةِ الكرامةِ الناصريّةِ، وصحيفةِ القدسِ العربيّ، وصحيفةِ البديل في مورتانيا، وصحيفة الأخبارِ اللبنانيّة وصحيفةِ السفيرْ قبل التوقف، عدا عن عشراتِ المواقع على رأسها موقع “رأيُ اليوم”، الذي يرأس تحريره الكاتبُ والمُحللُ السياسيّ عبد الباري عطوان، وهناك حقيقةٌ أعترفُ بها في هذهِ المناسبةِ، أنّني وجدتُ في صحيفةِ الاتحاد الحيفاويّة الميناء الذي رستْ به مراكبي، وها أنا منذ خمس سنوات أكتب أسبوعيّا مقالًا خاصّا في مُلحقها الأسبوعيّ. أعرفُ وأعلم أنَّ الكتابةَ قدري، وأنَّ قولَ كلمةِ الحقِ قد تُلاحق وتُحاصر، ولكن رغمَ ذلكَ سأبقى أكتبُ وأكتبُ ما زلتُ حيّا.
ويبقى المجدُ للكلمةِ، لأنَ الكلمةَ هي الباقية وكلُّ شيءٍ زائلٌ، فقد جاء في القرآن الكريم “اِقرأ” وفي الأنجيلِ “في البدء كانت الكلمة”. أتوّج كلمتي بالشكرِ العميقِ للشاعرةِ الرائعةْ المُربّية أمال عوّاد رضوان على كلمِتها. الشكر العميقُ للصديقِ الكاتب ومهندس بترول المواهب كما أسمته زوجتي شوقيّة عروق الأستاذ عبد الرحيم الشيخ يوسف على كلمته. الشكر العميق للصديق المحامي الكاتب سعيد نفاع، والشكر العميق للشاعر المربي رشدي الماضي، الدينامو المحرك لهذا الاحتفال الذي أضاء بكلماتهِ ليلتَنا هذه. شكرًا لجميعِ من حضرَ وتحمّلَ مشاقَ السفر، فكلُ واحدٌ منكم يستحقّ التكريم والثناء، وآملُ أنْ يبقى نادي حيفا الثقافي مِشعلاً يبددُ ظلمةَ التمييزِ والقهرِ الذي نعيشه.
أمال عواد رضوان
الصور بعدسة المحامي فؤاد نقارة مؤسّس ورئيس نادي حيفا الثقافيّ