شمس وطني
تاريخ النشر: 18/02/14 | 0:30ما اجملها من فتاة!تطل صباحًا من خلف جبال بلادي، تطلّ والحياء الناعس يستحوذ عليها، فيلوّن خدّيها بحمرة وخفر.
ارقبها يوميا من شرفتي المطلّة على الافق الشرقيّ، ارقبها صباحًا فتأتي والمنديل يلفّ شعرها الذهبيّ.وتأتي اخرى وهي تعتمر قبعة في غاية الجمال، وكثيرا ما تأتي سافرة تتسلّق مدارج الافق بهمّة لا تعرف الكسل، والبسمة الحنطية تزيّن محياها ابدًا.
وارقبها من شرفتي الغربية مساء، وهي تغيب عن ناظريّ خلف الجبال، فتستحم في مياه المتوسط،وتخلع ملابسها الشّفافة قطعة قطعة على مهل، وتغسل اقدامها الصغيرة الرشيقة في مياه بحر حيفا، ثمّ تروح تغوص في دلال وشعرها الاشقر المجدول يداعب الموجات الصغيرات، في حين تروح السمكات الشقيّات تدور حولها والدهشة تحتل الاعصاب منها.
شمس شرقنا، كاعب مغناج، تفتنّ بجمالها، وتتبختر يوميًا فوق سطوح بيوتنا، فتقبّل السّقوف وتتمرّغ على السطوح والشرفات، وتنام نومة القيلولة في ظلال ظهرنا.
منظر جميل يعجز القلم عن وصفه والتعبير عنه!!
عندما كنت صغيرًا كنت أصاب بالدهشة الممزوجة بالاستهزاء وانا ارى السائح الأجنبي الذي يزور بلدتنا الغافية على تلال الجليل؛ اراه وهو يصوّر بكاميرته نحلة تقبّل بشغف فمّ زهرة خجول،او ان يصوّر الشفق في ساعات الغسق او يطارد فراشة ملوّنة توشوش في اذان البرقوق النديّ والنرجس الحالم، فأستهجن ذلك قائلا:
"انه ولا شكّ احمق يبذّر وقته وماله في خزعبلات جوفاء… اما كان الأجدر به ان يصوّر زوجته وأطفاله وأفراد عائلته؟؟"
وكبرت وكبر فيّ الاحساس بالجمال، ونما في داخلي عشق الطبيعة البتول والفنّ السّامي، وتفتّحت عيناي على عشرات المقالات والتحف الفنيّة والموسيقية التي تسجد في معبد الجمال، وتركع عند اقدام الفنّ الذي خلقه الباري في دنيانا.
كبرت وكبر فيّ الإحساس بالجمال، في شروق الشمس وغروبها، وفي القمر يتفلّى النجوم الساهرة، وفي كلّ زقزقة وهمسة وهدير!!…
ما زلت اذكر فيلسوف بسكنتا والشخروب، ميخائيل نعيمة يقول بصوته الجهوري في كتاباته المغموسة بالحقّ: "كنت اريد ان تأكلوا ايّها الشرقيون لون وريش وصوت الحسّون الذي يقف صباحًا على شرفة بيتكم يردّد صلاة الشّكر والحمد بزقزقة تشجي النفوس وتطربها….لا ان تأكلوا لحمه القليل الذي لا يشبع ولا يغني من جوع.".
صدق نعيمة، فأني أرى الشحرور والحسون والدّوري، تطير فزعًا كلما رأت في شرقنا طفلا… انها تموت خوفا من المصيدة و"النقّيفة".
ما احوجنا الى صقل النفوس، وغرس عنصر الجمال في صغارنا حتى النخاع – وان كنت قد بدأت المح بشائره- ففي الجمال مسحة من إلوهية، وفي الفنّ مسحة من قداسة.
ميخائيل نعيمة نم قرير العين فأننا نسمعك!!