مهام في التربية
تاريخ النشر: 13/02/14 | 2:00قال تعالى (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) (ولو شاء الله لهدى الناس جميعا).
التربية: من أخطر المراحل التي يمر بها الانسان وأدق الآحوال البشرية منذ ولادته، فقد خلق الله الآنسان من أشتات الآرض وأجناسها، وكونه من عناصرها المتعددة المختلفة، ومن معادنها الثمينة وكنوزها الدفينة، فمنها المعدن الطيب، ومنها المعدن الخسيس الدنئ.
وتتجلى هذه العناصر في طباع الآنسان وأخلاقه، متأثرة تأثيرا مباشرا بالبيئة التي يعيش فيها الفرد، وسواء كانت بيئة خاصة، ونعني بها الآسرة المكونة من ذمر وأنثى (الآم والآب) وما يتصف بهما الآثنان من صفات، وما يحملان من عوامل وراثية ومفاهيم اجتماعية وقيم أخلاقية تنعكس سلبا وأيجابا على الآبناء.
وبيئة عامة، وهي الوسط والمحيط الذي يعيش فيه الناس وتنشأ به الآفراد والجماعات وما فيه من عادات وتقاليد موروثة أصيلة، أو طارئة، وثقافة مميزة.
ولعل من دواعي هذا البحث في هذا الميدان الآجتماعي والحقل التربوي: تحري الصدق والصواب، بناء على معطيات ومفردات منسجمة متناغمة أو متناقضة مضطربة، اذ لا بد من أعطاء الدراسة والبحث حقه واستحقاقه من جميع الجوانب، وبما يكفل الفائدة المرجوة منه، حيث يتركز هذا البحث ويتناول عنصرين هامين في التربية والمجتمع، وهماالبيئة بنوعيها،
البيئة الطبيعية العامة، والبيئة الخاصة.
ولكل عنصر من هذين العنصرين أهمية بالغة ومهمة قصوى في التربية والآعداد والتنشئة، وصولا الى مجتمع صالح طيب.
البيئة الخاصة: وهي الحاضنة الآولى التي يعيش فيها الآنسان وينمو ويتطور، وينهل من معينها ويغرف من بحرها ما يحفظ عليه وجوده وحياته في حضن الآم، التي انتدبها الله
سبحانه وتعالى للقيام بهذه المهمة العظيمة تكوينا وتهيئة. ومن هنا يجب النظر الى الوالدين ذكرا وأنثى، وميزات كل واحد منهما وبيان خصائصه وصفاته.
فالآم عامل حاسم في حقل الحاضنة الآولى، بما أعد الله هذا المخلوق وهيئه على نسق وميزة محددة، وأطار واق وحافظ لهذه المهمة الشاقة والبالغة الدقة، أذ أن المرأة أو الآنثى هي الوعاء الذي يحفظ هذه البذرة (النطفة) من المؤثرات الخارجية محاطا بالعناية والرعاية التامة فتنمو وتطور في قرار مكين (وأذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم)، الى أجل معلوم….
تضع الآنثى وليدها، ومن هنا تبدأ العملية التربوية رعاية وعناية وتغذية وتريبا وتوفير الحاجات الضرورية والآساسية لهذا الوليد، وتوكل هذه المهمة الشاقة الى الآم التي تعاني ما تعانيه من مشقة وتعب وسهر واهتمام وحذر حماية لهذا المولود الى أن يشب ويترعرع.
فالآم أذن مهمتها شاقة عسيرة وما تبذله من جهد وتحمل وصبر لا يستطيع الرجل القيام بها في الشهور الآولى أو حتى السنوات المبكرة. حيث أن الطفل يرتبط ويتعلق بها ارتباطا وتعلقا شديدا وثيقا، لا ينفك يتركها أو يبرحها، لآنه يعتمد عليها في كل شؤونه في غذائه ومنامه وفي أشباع كل غرائزه وحتى فيما يطرحه من فضلات وبقايا ونظافة وحماية، أذن دور الآم عظيم، بالغ الخطورة دقيق الأثر. فالآم الصالحة والزوجة الواعية التي تتسم بالشمائل الكريمة الآخلاق النبيلة والصفات الحميدة تنعكس على شخصية الطفل وتؤثر فيه..
فالمرأة التي تنشأفي أسرة طيبة وبيئة أجتماعية كريمة لا شك في ذلك تحمل صفات وأخلاقيات هذه البيئة التي ولدت لفيها وربيت ونشأت فيها، ترتد الى الطفل سلوكا وخلقا وقولا.
وكلما تعهدت الآم الطفل وأخذت بيده الى كريم الخصال ونبيل المزايا، كلما حققنا المرجو من التربية، استقامة ونزاهة ومسؤولية، فنقدم للمجتمع عناصر طيبة صالحة، تقاوم الشر.
وتنبذ السوء وتتحاشى كل ما هو شائن معيب، فحضن المرأة الدافئ وحرارة الآم ووجدانها النقي الحارس الآمين للآبناء والآطفال…… فقال الشاعر مادحا الآم ومكانتها…
حيث قال:
هي الآخلاق تنبت كالنبات…………… أذا سقيت بماء المكرمات
وليس ربيب طيبة المزايا……………. كربيب سيئة الصفات
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم أن العرق دساس)
أذن شروط التربية السليمة كثيرة نجمل منها:
أولا. الوالدان.
ثانيا: البيئة، وهي تنقسم الى قسمين.
أ. البيئة الخاصة (الآسرة) ونعني بها الآسرة التي يعيش فيها الآبوان.
ب. بيئة الآب والآم قبل الزواج.
البيئة العامة ونعني بها البيئة الطبيهية.
والبيئة الآجتماعية، وما فيها من مفاهيم وعادات وتقاليد وموروث ثقافي وأدبي وتاريخي. ونسهب تفصيلا لكل شرط مما سبق.
الوالدان:. قال تعالى (ومن كل خلقنا زوجين اثنين) فالآجناس متجانسة والآضداد متنافرة، فالذكر يطلب الآنثى، والآنثى تطلب الذكر في سائر الكائنات الحية والمخلوقات. فالآجناس تعيش مع بعضها البعض ليتمم أحدهما الآخر، أذ لا تستقيم الآمور الا بذلك، استمرارا للبقاء، وحفظا للنوع، وامتدادا للحياة.
؟أما الآنسان فهو أسمى الكائنات الحية وسيد الكون بلا منازع ذكره وأنثاه، ولذا فهذا البحث ينصب حول التربية المتعلقة بالآنسان فحسب.
خلق الله الآنسان من تراب وذراتها وأجناسها المختلفة والمتبانية كما أشرنا سابقا، وانتدبه الله لخلافته في الآرض وكلفه بهذه المهمة، وأبدع خلقه وركبه في أجمل تركيب وأحسن تقويم، وخلق له زوجة من جنسه لمؤازرته ومعاونته وتحمل أعباء الحياة ومشاقها معا، فتؤنس وحشته وتملآ حياته بهجة وسرورا في أطار الآنسجام والآلتئام.
وأسمى مكان وأحصن أمنا ودفئا للتربية والآعداد هو حضن الآم الدافئ، والبيئة السليمة الصالحة أذ يشعر الطفل الوليد بالطمأنينة والآمان وتغمره بالرأفة والرحمة، والآم بما تمتاز به من صفات وما تتصف به من مزايا كريمة يتأثر بها الطفل، فتصقل شخصيته وتسمو نفسه، وما تحيط به الآم وليدها بكل ألوان الرعاية والعناية والنظافة والنشاط، ولا ينتهي دور الآم، ولا يقف عمد حد فهي تشحذ همته وتنمي عاطفته وتذكو مروءته وتسمو مشاعره وترقى أحاسيسه بما تفرغ فيه من أساليب وألفاظ طيبة وعبارات عذبة رقبقة بما تسمعه من قصص البطولة، ومواقف الآباء والآنفة، تنطبع في وجدانه وصفحات فؤاده وقلبه، فهي تلقي في روعه وأسماعه معاني سامية وألفاظ شريفة وتراكيب قوية يستقيم بها لسانه ويقوم بها سلوكه وتلين به عريكته
فيعتاد العادات الطيبة ويتحلى بالخلال السامية وتنمو مواهبه وقدراته. والآم الكريمة المعطاء ذات نسب طيب ومعدن كريم هي التي تعد للمجتمع الرجال القادة يأبون الضيم ويعشقون الحياة.
وتربي الآمهات الآجيال على كريم المزايا وحميد الشمائل. فدور الآم مستمر دائم عطاء وخبرة ودراية وأمانة فتغدو الآجيال حصينة منيعة، والآم لها اليد الطولى في التربية والتنشئة.
تبدأ التربية منذ وضع الآم وليدها الى ما شاء الله.
مفهوم التربية العام: ونقصد بذلك الوصول الى قناعة بأن دور التربية في المجتمع هو تنمية دور المتعلم، بحيث يعيش في مجتمع ما يجب أن يكون دور التربية توفيقي بين كا هو كائن.
وما يجب أن يكون علييه المجتمع. وهنا يجب أن ننظر الى التربية على أنها أكساب الآنسان ثقافة مجتمعه من جهة، وأكسابه العناصر الثقافية العالية التي تحتوي العلوم والفنون والآداب من جهة أخرى.
فالطفل عند الولادة يكون مهيئا بقدرات تمكنه من العيش في أي ثقافة كانت، (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والآبصار والآفئدة قليلا ما تشكرون).
ثم النظر الى العناصر الثقافية بأنها مكتسبة يأخذ بها الطفل أثناء التربية الرسمية بالمدارس وفي البيت والمجتمع أثناء التربية الآجتماعية. فالتربية تهدف الى نقل التراث الثقافي من جيل لآخر. والتي عادة ما تكون في مفردات ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه الفرد وما تكون عليه الثقافة في المستقبل، فالتعليم في المدارس يكون مجموعة أجتماعية جديدة جذورها في الثقافة الآم، وما تكون
عليه تلك الثقافة في عصر الآجيال الجديدة، طالما يستجيب الآنسانة العادي الى كلمة (تربية)عادة تلقائية، فيفكر في ثقافة الآم والآب وسعة مداركهما والمدارس ودور العلم، ولو أن علم الآجتماع التربوي يتناول التنشئة الآجتماعية التي تسبق التعليم في المدرسة، فهو يذهب الى البيت الذي يشكل اللبنةالآولى في العملية التربوية ذلك لآنها أكساب الفرد ثقافة مجتمه، وما علا منها في المدارس
والجامعات وما انخفض منها في البيت والآهل والآصحاب، كما يجمع هؤلاء على أن حياة الطفل تزوده بمخزون ثقافي معرفي يكون في مركز اللاشعور ويبقى معه طيلة حياته متأثرا بالمكتسبات الآخرى، فما الحاجة الى التربية أذن؟ هناك أمور منها:
1- تنمية الفرد وأعداده ليعيش بنشاط وهمة مع مستقبل مجتمعه.
2- تنمية ثقافته وموروثه ومخزونه المعرفي والخبرة لجعلها أكثر قدرة.
على تحدي المشكلات وحلها والتعامل مع البيئة الطبيعية التي يعيش فيها.
طبيعة التربية الطبية الآساسية للطفل تملي علينا كيف نربي، فالطفل مهئ لاكتساب أي لون من الثقافات الآنسانية، كما يقبل لا شعوريا أي نمط من التربية، ثم أن المجتمع يوجد من هذا الطفل أجنبيا أو عربيا وما الى ذلك، فيجب أن نعرف ولا نخلط بين ما هو بيلوجي وما هو ثقافي، فالآعمال التربوية ليست ذات أثر كبير فيها، أما بالنسبة للعادات والتقاليد والقيم التي تشكل بمجموعها طرق سلوك فهي من الصفات المكتسبة التي يتعلمها الطفل بعد ولادته، فالطفل يدرك العالم كما تقدمه له ثقافته فهي التي تقرر له ماهية الخير والشر في معظم الحالات والقيم التي هي معالم.
الحكم على القضايا، يتعلمها الطفل من مجتمعه أثناء عملية التثقيف، ويلتزم الفرد بتبني ثقافة مجتمعه لعاملين:
1- ليتمكن من كسب رزقه.
2- يتحلى بالصفات الشخصية المقبولة في مجتمعه والتي تؤهله لأن يكون عضوا في ذلك المجتمع وفي المجتمع ما يسمى الشخصية النموذجية وهي التي ينظر اليها المجتمع أنه من وظائف الثقافة السير نحو تبني (ابنه).
ذاك النمط، الشخصية وذلك بمكافأة من يتحلى بها ويعاقب من يخالف بعض صفاتها وعناصرها.
وعلماء الاجتماع عند دراستهم لتربية الاطفال يركزون على عمليات ثلاثة:
1- عملية التثقيف أو أكساب الآنسان ثقافة مجتمعه.
2- عملية بناء وتكوين الشخصية.
3- التنشئة الآجتماعية تلك التي تجعله عضوا فعالا في مجتمعه.
يتنازع الفرد في المجتمع مؤسسات مختلفة ومتعددة لآجل أكسابه أنماط سلوكية واتجاهات وآراء وقيم من مصادر أخرى أضافة الى التربية الرسمية، فالطفل يتأثر ويكتسب الطريقة والآسلوب الذي تعامله بها الآسرة في المقام الآول، ثم يتأثر برفاق اللعب مع تقدمه في السن، ثم يتسع تأثره باتساع دائرة علاقاته وتفاعلاته أثناء حياته اليومية، يتعامل مع وسائل الآتصال كالتافاز
والراديو والصور المتحركة والصحف والكتب، لها الآثر في شخصية الانسان وثقافته. ويكون تأثير العائلة في المجتمعات البدائية أكبر بكثير منه في المجتمعات الحديثة، حيث أن التعليم الثقافي يكون معدوما، ووسائل الآتصال الآخرى غير متاحة ومتوفرة، ورفاق اللعب هم في الآغلب من أفراد العائلة أو القبيلة وأنشطتهم محدودة بالنشاطات الجماعية التي يقوم بها أفراد القبيلة، ندرك أثر العائلة البدائية في أطفالها بالمقارنة مع أطفال العائلة الحديقة، فيكون تأثير المجتمع البدائي مركزا على أكساب الفرد أي الطفل ثقافة مجتمعه بشكلها الحاضر.
ذلك لأن قيم المجتمع تقف موتغييرا وتطورا وتقوم بصقل الفرد في عادات مجتمعه يصبح نسخة أخرى من والده ومن أفراد مجتمعه، يشعر الفرد في المجتمعات البدائية بالتيه والحرج أذا ما خالف عادات وطرق مجتمعه، لا سيما هذا النمط من الثقافات الآنسانية تجعل الفرد مقيدا ىقيم مجتمعه لا يخالفها ولا يخرج عليها وبمعنى آخر يكون التغيير في هذه المجتمعات بطيئا.
أما في المجتمعات الحديثة فأن التربية تحث على التغيير والتطور، أذ لا يكون الفرد مقيدا بقيم مجتمعه وثقافته بالقدر الذي يكون الفرد في النمط الآخر من المجتمعات. وبالرغم من أن لكل ثقافة أنسانية طرقا خاصة في تربية الآطفال وملتزمة بهذه الطرق ألا أنه لا يمكن لآي ثقافة أن تنتج أفرادا متطابقين تماما في مجموع سلوكهم ولا في طرق استجابتهم وتقيدهم بالقيم والضوابط الإجتماعية وذلك بسبب الفروق الفردية بين بني البشر.
الطفل والطفولة: الانسان نوع من أنواع المخلوقات التي تعيش على هذه الآرض ينتمي الى ما يطلق عليه علماء الآحياء المملكة الحيوانية، وقد تفرد الآنسان من بين تلك المخلوقات بأن له ثقافة آلت اليه عن طريق حجم دماغه وقوة فكره مما يطلق عليه الآنسان العاقل. فهل كان الآنسان غير هذا الآنسان الحالي نعم فقد وجد الآنسان العاقل هذا وسبقه أناس كثيرون من أمثال أنسان ستانشروين وأنسان أمركانوس، وانسان تيانتدرنال وأنسان هومواريكتس، ثم جاء الآنسان العاقل الحالي على أنقاض هؤلاء جميعا، ويسود الآعتقاد بين علماء الآجتماع بأنهم كانوا قد انقرضوا أو أنهم تحولوا الى الآسان العاقل وهو خليفة لهم..
ضعف الطفل في النوع الانساني: طفل الآنسان االعاقل أذا قورن بغيره من اطفال المخلوقات الآخرى فأننا سنجد أن طفولته طويلة تستمر الى أكثر من ثلاث سنوات وقد تزيد في مجتمعات أخرى.
أما في المخلوقات الآخرى فأن تلك الفترة لا تستمر الا بضعة اشهر أو حتى بضع ساعات ويأخذ أموره بيده ويتمكن من السير على أقدامه ويفتش عن طعامه ويتفتح على الحياة في سن مبكرة، والنتيجة ان الطفل في نوعنا البشري يلد ضعيفا عاجزا ويحتاج الى مساعدة الآم، ولذا تكونت الآسرة والقبيلة ثم امتدت لتصبح دولة هدفها المحافظة على المواطن وحمايته، ومع هذا يلد الطفل ومعه قدرة ادراكية تؤهله للحياة اذا ما وجد المساعدة في اول أمره والتي تقل كلما تقدمت به السن، أنه يدرك الخوف من الصوت بدافع الغريزة، كما أنه يستجيب للضوء ولديه القدرة على الرضاع من ثدي أمه و وعندما يشعر بالآسترخاء بعيدا عن التوتر في بعض أعضائه يكون هادئا، أما أذا حصل له ما يؤثر في أعضائه ألم ونحو ذلك فأنه يثور بالبكاء الذي قد يستمر طويلا لآن لديه طاقة على البكاء، أما الآسترخاء هنا أزالة التوتر الناتج أما عن الجوع أو ما الى ذلك.
يحاول الطفل بعد الولادة تلقائيا أو غريزيا بإزالة أي حدة توتر قد تطرأ له جراء الجوع أو الخوف الناتج عن الاصوات الغريبة عليه الى ان يتكيف ويتعود سماعها ينتقل بعد ذلك الى أدلراك وتلمس بيئته الجديدة، فيدرك مثلا ما حوله من الناس وأول ما يدرك هي الآم التي ترعاه وتتعهد بأزالة حدة التوتر عنه واستبدالها بالآسترخاء، ولذا فأن الآم ووجودها مرتبط دائما بتلك الظاهرة.
وبالدفء، حتى ان الطفل في سن مبكرة يميز دقات قلب الآم الذي كان قد تعود على تحسسها أثناء وجوده في الرحم، والآم التي ترفع وليدها وتضعه على كتفها فأنها لا شعوريا تختار الجهة اليسرى القريبة من القلب ويمكن التمييز فيما اذا كان هذا القلب الذي يريد أي قلب الآم أم لا، فأن تصرفاته هذه جميعا يتصف بالسلوك الفطري الغريزي، وليس بالتمييز المعروف الينا، يتأتى عن طريق العقل والحواس…
آراء بعض العلماء حول طفولة الآنسان.
تعتبر تربية الطفل موضوعا شغل العلماء والمفكرين منذ الآزل. وثمة خلافات بينهم في الرأي بل ان ذوي التخصص الواحد لا يتفقون على نظرية واحدة في تربية الطفل، فينقسمون الى مذاهب وأفكار.
يذهب علماء النفس الى الآخذ بالبيئتين: الطبيعية والثقافية الاجتماعية كأساس متين في بناء شخصية الطفل وتربيته، بينما يضيف علماء السلالات البشرية عاملا ثالثا وهو العامل البيولوجي، ومن علماء الآنسان الذين ركزوا انتباههم على تلك القضية (رالف لفتيون) والذي يعتقد بالآسس البولوجية خصوصا وأنه وجد شخصيات متشابهة في بيئات ثقافية مختلفة
وكذلك بيئات طبيعية مختلفة، فدفعه ذلك الى طرح العامل البيولوجي، ولما لم يستطع تفسير الأمر عن طريق العامل البيولوجي الذي يؤدي الى التشابه تكهن بأنه يمكن رد ه الى الغدد الصماء.
وقد أجمع العلماء حتى الآن على أن العوامل الثقافية والطبيعية البيولوجي هي وراء تكوين شخصية الفرد.
البيئة وأثرها في تكوين عقلية الفرد:
يعرف علماء البيئة بأنها المناخ الذي يعيش فيه الآنسان حيث ولد، وحيث نشأ وترعرع وحيث يموت. والجو الذي تنمو فيه المشاعر والعواطف ويتغذى فيه الوجدان والخاطر، وهي تنقسم الى قسمين رئيسيين كما أشرنا سابقا وقد يتفرع منهما أقسام أخرى، ولكن الذي يهمنا ما نحن بصدد الحديث عنه من أطار عام تندرج تحته كافة الانواع والاقسام الآخرى، ولذا فهي بيئة طبيعية.
ما يحيط بالآنسان من جبال ووهاد وسهول وتلال وأشجار وأنهار وبحار وصحراء جرداء ذات طبيعة قاسية، وأرض خصبة ذات زروع وثمار ونماء، وأخرى أجتماعية وهي ما اتصف به المرء والفرد من عادات وتقاليد موروثة ومفاهيم تقليدية، وما اتسم به من سمات أخلاقية وقيم نبيلة، وفضائل كريمة وفنون وآداب، فمثلا نظام الآسرة والقبيلة ذو دور بالغ التأثير في الآسهام في نفسية الفرد والمجتمع، وتنمية عواطفه وخواطره ونضوج أفكاره وغزارتها وسعة أدراكه وخياله، فيرتبط الآنسان الفرد والجماعة بالبيئة زمانا ومكانا ارتباطا وثيقا ويتحد اتحادا وجدانيا، فهي زاده الذي يتناوله صباح مساء ومعينه الثر الذي يعب منه ليله وتهاره وتشهد مدرج طفولته ومرتع شبابه وكهولته، وفي أحضان هذه البيئة تتولد الافكار والخوطر والقصص وتتأجج العواطف بمشاعر
فياضة غامرة، فتصور حياة هذا الآنسان في كافة مراحل عمره بأتراحه ومسراته آلامه وأحزانه، ومن هنا كان الارتباط وثيقا والعلاقة متينة وشيجة والذكرى لاهبة، والزفرات حارة والآنات حية يقظة في تضاعيفها الافكار والخواطر، وفي ثناياها خلجات النفس وخصوبة الخيال وغزارة التفكير، فالبيئة الطبيعية كبيئة الصحراء بيئة متحركة غير ثابتة ومستقرة نظرا لظروف الحياة وقسوة العيش، فنرى أثرها واضحا في أخلاقيات وسلوك ساكنيها، فهي ذات أباء وأنفة وخشونة وصلابة، فالصبر والصدق فيهما عنوان ورمز يدل على البيئة الصافية الواسعة الى حدود بعيدة، فقد يرضى بالقليل وبالشظف من العيش، وقد يعيش فترة على الضروري من القوت الذي يحفظ عليه حياته ويتحمل ويصبر على ذلك، فتعيش معه وتنشأوفي غمرة هذه الآحوال قصص البطولة والشهامة والمروءة والوفاء، حيث يضرب في بطون الآرض وفجاجها هنا وهناك لأنه يعتمد في معيشته على الأنعام كالمواشي والآبل فهي مصدر رزقه وثرونه وماله، وقد نرى أثر البيئة واضحة البصمات في عقليته ومزاجه ووجدانه وسلوكه، فهو يحارب الرذيلة وبأبى الجور والظلم، ويمتدح البطولة ويمجد الأبطال، كما يمتد أثر البيئة ختى الى الآسماء وما ينطوي عليها من معان من قيم
ومثل سامية، وما تحمل أداب الشعوب وتاريخها قصص البطولة والمروءة لدلالة ناصعة تنبعث من أعماق البيئة، ويسجل لنا التاريخ مواقف الأمجاد والوفاء وخاصة في أدبنا العربي الآثيل. فنرى كيف امتزجت البيئة الطبيعية بالآخرى الآجتماعية والتي عنينا بها تلك المفاهيم من العادات والتقاليد الموروثة التي تصقل شخصية الفرد وتنمي بها المكارم والمناقب، فاختلاف البيئات وتعددها في المجتمعات الآنسانية تتنوع الثقافات وتتلون المعارف والعادات، وتأثيرها واضح في شخصية الآفراد والشعوب، فهو من بيئة يغرف معارفه ويستمد ثقافته وعاداته.
تباين طرق التربية لتباين الثقافة:
لكل ثقافة طريقتها الخاصة في تربية الآطفال، ففي بعض الثقافات تقوم الام بارضاع أطفالها عندما يطلب الطفل ذلك عن طريق البكاء ولا يتقيدن بساعات معينة للآرضاع، بينما نجد في ثقافات أخرى أن الآم تتبع نظاما معينا في أرضاع طفلها، كأن يتم ذلك كل فترة زمنية محددة تلتزم بها الآم مما يجعل الطفل يتعود هذا النظام، كما يلف الطفل في بعض الثقافات بملابس معينة ويربط الى مكان نومه ملفوف اليدين، بينما يوضع هذا الطفل في ثقافات أخرى حر اليدين بدون رباط ولف، ولكل من العادات السابقة أثلره في نمو الطفل، فكثيرا ما يعزى الصبرعند العرب الى التربية المبكرة، كذلك فأن الدفء العاطفي بين الآطفال والآباء والألتزام الدائم للصغار يقودان الى الآتزان في الشخصية عند الرشد.
تنشئة الطفل:
تنشئة الطفل في الآطار الثقافي موضوع جديد في العلوم الآحتماعية والنفسية، تنبه اليه علماء الآنسان الذين بيبحثون في الثقافة والشخصية، ولكل ثقافة أنسانية نمطها النموذجي التي يطلق عليها هؤلاء الشخصية النموذجية لتلك الثقافة، فالثقافة من هذا المنطلق عامل مهم في بيان شخصية الآفراد الذين يعيشونها، ولذا فأن البحوث التي يجريها علماء النفس على الطفولة قد لا تنطبق على جميع الثقافات الآنسانية.
فعادات الآكل والتعليم وقضاء الحاجات الغريزية كالتبول والتبرز أثناء تنشئة الآطفال تترك آثارها في شخصيتهم أثناء الرشد مما يجعل شخصية الفرد مؤطرة بتلك المؤثرات الآساسية التي كان الفرد قد نشأ عليها وعاشها.
ومن علماء النفس الذين درسوا طرق تربية الآطفال في الثقافات المتباينة (ابرام كاردنز) ومن علماء الآنسان الذين ركزوا انتباههم الى تنشئة الآطفال في الثقافات البدائية (مرجريت ميد وروث مندكت) مما أثرى طرق تنشئة الآطفال بالمعلومات القيمة، وقد خلصوا الى تنتيجة مهمة وهي ان السنوات الآولى من عمر الآنسان تتأثر كثيرا بالمعطيات التي يتعرض لها الطفل كما أنها تبقى معه الى ما بعد طفولته. وقد تعرض الى قضية الآثار الثقافية في تربية الطفل عالم النفس المعروف (فرويد)، فقسم مراحل نمو الطفل التي تترك بصماتها في حياته الى مراحل أساسية ثلاث يكون الرشاد نتاجها:
1- مرحلة الفم.
2- مرحلة الشرج
3- مرحلة اللذة
وتمتد هذه المراحل ما بين السنوات الآولى من عمر الآنسان الواقعة ما بين السنة الآولى والخامسة، في تلك المراحل تتكون شخصية الآنسان، ويتقرر ما سيكون عليه في المستقبل، ويعيش الطفل في المرحلة الآولى التي تلازم السنة الآولى من عمره بالتركيز على الآكل، وفي الثانية (مرحلة الشرج)، وتلازم سنه الثانية في محاولة التخلص من فضلاته، وأما المرحلة الثالثة والتي تستمر ثلاث سنوات فأنه يتحسس علائقه العاطفية المركزة سياق في امه وأبيه وكما يقول فرويد بأن البنت تتعلق لا شعوريا بالآب وتنجذب اليه، يتعلق الولد بأمه وتبقى في اللاشعور المكون لديه كالسيدة المثالية التي تشبع حاجاته وتقضي مراده، وفي رأيه أن تلك الآسس التربوية تنطبق على جميع الثقافات الآنسانية، ويعيش بها الآطفال أيا كانت مجتمعاتهم، ثم بعد سن الخامسة تتلقفه ثقافة مجتمعه فتبدأ بالتأثير على سلوكه الفطري الذي قد تشكل في السنوات الخمس الآولى والتبديل حسب المؤثرات القيمية التي تأخذبها تلك الثقافات، فأن كانت من النمط الذي يركز على الآخلاقيات نجد هذا الطفل بكبت ما لديه من شعور في سنواته الخمس الآولى، أما أذا كانت الثقافة مادية فأنه سيستمر في التوجه نحو تنمية وتطوير ما اكتسبه في سنواته الآولى.
وهناك من يعارض فرويد في الكثير من تحليلاته هذه وخاصة بالنسبة للاثار الثقافية في السنوات الآولى من عمر الطفل، لقد ترك أثر الثقافة الى ما بعد السنة الخامسة من تنشئة الطفل، ولكن ذريعته التي تبرز له هذا التحليل بأنه قام بالتوصل الى حقائقه من خلال تحليل نفسه، تلك النفس التي عاشت في ثقافة مادية اوروبية ربما لا تطابق طرائقها مع طرائق الثقافات الآخرى، ومهما يكن الآمر فأن نظرية فرويد يأخذ بها الجمع الكثير من علماء النفس وتبقى قضية تستحق الدرس والمتابعة.
تختلف تربية الطفل في الغرب عنها في الشرق، ذلك أن قلنا أن هناك ثقافة غربية واحدة وثقافة شرقية واحدة ففي الغرب يعيش الآبوان حياتهما العاطفية والغرامية أمام الآبناء لابد للاطفال التكهن بما يتبع ذلك، فيأخذ الطفل باالنظر الى ما يدور حوله متقمصا تلك المواقف مما يجعل ذلك الطفل ينتظر نموه الى سن تؤهله بأن يصبح راشدا ومما يسعفه في ذلك ان التربية الغربية تعزز نمو شخصيته في اتجاه يؤدي به الى الآستقلال عن العائلة والخروج عن اطارها ليسير وحده في ذلك المجتمع، بعكس التربية الشرقية التي تعزز ربط الآنسان في اطار عائلته وقبيلته، ولذا فأن نظرة الانسان العربي للعالم تكون أكثر شمولية وعمومية من نظرة الآنسان الشرقي يقول هول ولندزي، عندما يبلغ الآنسان الغربي سن الثامنة عشرة يبدأ يتحسس طريقه الى المجتمع فيغادر الحياة مع الآسرة ويستقل عنها ويتحمل اتخاذ القرارات المتعلقة في مستقبله ودراسته ومهنته ويصبح ولاءه للدولة والمجتمع وهنا يبدأ االتعامل مع الآبوين على أساس المساواة، وبطرق توحي بأنه غريب عنها.
هناك مراحل للطفولة في المجتمعات الغربية تختلف عنها في المجتمعات النامية، فبينما يمر الطفل يمر الطفل في المجتمعات النامية بمرحلتين فقط هي مرحلة الطفولة ومرحلة الرشد.
نجد أن مراحل الطفولة في المجتمعات المتقدمة متعددة من مثل مرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة الطفولة المتأخرة الى أن يدخل الفرد بالتدريج الى مرحلة الرشد، وهذا نتيجة تقدم المعرفة ونحوها في المجتمعات الصناعية، أذ لا بد هناك من التدرب والدراسة في المدارس الآبتدائية والثانوية ثم الآلتحاق بالمعاهد والجامعات حتى يتمكن من فهم الحياة المحيطة به ومن الإلمام بمعطيات المعيشة، أما الآنسان في المجتمعات البدائية فهو لا يعاني بلك التعقيدات وذلك لآنه لا يمر الا بمرحلتين فقط هما، مرحلة الطفولة ومرحلة البلوغ، وتكون المهنة محددة ومعروفة أذ أنه سيتخذ مهنة الآب وهذه في العادة لا تحتاج الى تدريب طويل أنما يتم التدريب بالمشاركة داخل نطاق العائلة ويلتزم أبناء الثقافة الواحدة في المجتمعات البدائية بثقافتهم التي تورث لآبنائهم كما ورثوها عن أجدادهم. فالطفل هنا يجد أما وأبا يعيشان من أجله وهو بالتالي لا بد أن يعيش لهما ولآبنائه فتبق العائلة متماسكة في هذا النمط الثقافي ولا يسمح للطفل بالحرية الفردية حتى ينظر من حوله ليتفحص الكيفية التي يحل بها الآخرون مشاكل تواجههم، فينسخ تلك الحلول ويتبناها طريقة له دون أن يكون له أي خيار في استبدالها أو تغييرها بمبادراته الشخصية.
العلاقة بين الثقافة والتربيبة:
يتطلب منا هذا الموضوع معرفة أيهما السابق على الاخر، التربية أم الثقافة، وحتى نجيب عن هذا التساؤل لا بد من العودة بعيدا الى وجود الآنسان العاقل على هذا.