ماذا أعطتنا الدنيا
تاريخ النشر: 28/02/17 | 0:00الدنيا موجعة، نعم هي كذلك.
ومن غرّه بهاؤها وزخرفها فقد ضل.
وماذا أعطتنا سوى التفاخر والتكاثر في الأموال والأولاد ؟ وماذا عودتنا عليه سوى اللعب واللهو والزينة ؟ وفي المقابل، ماذا قدم لنا من أوجد هذه الدنيا ؟ وهب لنا الذِّكر والرسل والحق ليؤنسنا وينجينا من الهوى باتباع هديه وسبيله.
الدنيا مؤلمة، ولا يدوم لها فرح؛ بل وقد نصاب بالغم في خضم السعادة ! نحن لا نرضى بشيء، ونطمع بالمزيد، ويؤلمنا الفقد ونركض خلف الكمال.
وتنقصنا أجزاءٌ كثيرة جداً، كالرضا والتوكل والتسليم.. نطمح ببناء المساكن والقصور، وأساسات الذات ركيكة بل ومعدومة !
ماذا قدمت لنا الدنيا كي نفرط في بهرجتها ومكافأتها بالإقبال عليها؟ ماذا قدمت لنا سوى التسخط والتكبر والأنانية؟ وفي المقابل، ماذا قدم لنا مالكها وبارئها؟ ألهمنا الصبر وعلمنا الإيمان..
وعلمنا ألا نكون عبيداً لمن هم دونه، خلقٌ من خلقه، وصنعٌ من صنعه، حذرنا أن نعبد الدرهم والدينار، والحلي والزينة، والزخرف الدنيوي بكل صوره وأشكاله .. علمنا الملك؛ أن من هو دونه مذل ودينه هو المعز، وأن الدنيا ستتبرأ منا إذا ما تبعناها، وأنه تبارك وتعالى لن يبتعد عنا إذا ما تبعناه، بل سيقترب أكثر فأكثر على قدر قربنا منه.
أهنالك أكرم منه ؟
فالدنيا نعطيها وتسلبنا، نقبل عليها وتصدنا، لا تهتم بنا حقاً فإنما أوجدت ابتلاءً وامتحاناً لنا، فلمَ نهتم بها بهذا القدر؟ ستمضي وتتركنا خلفها حين نموت؛ ولن تأبه بحالنا، ما نقص من زخرفها شيء، وذهابنا لا يعنيها.. لن تمد لنا يد العون وتحمينا من الظلمة والوحشة. وفي المقابل، من أمر ملك الموت بأخذ أرواحنا، سيحمينا وينير ظلمة قبورنا ويهدي لنا أعمالنا أنيسةً ومبشرةً بالخير.
قد نتساءل أحياناً، لم هنالك حياة وموت ؟ ودنيا وآخرة ؟ وثواب وعقاب ؟ ومن أحب الله بحق سيعلم يقيناً، أن حكمة الله تقتضي ذلك، وأنه هو القديم الأزليّ الذي يشاء وينفذ وما نحن والدنيا سوى خلق من مخلوقاته. لا أمرٌ لنا نافذ ولا حكم. ومن أحب الله بحق أيضاً، سيحتقر الدنيا ويستيقن أنها لا ترد الجميل أبداً، فلمَ نجعلها تأخذ وقتنا وجهدنا وقلوبنا وأرواحنا ؟
الله وحده من يستحق القلب والروح والوقت والجهد، لأنه أهلٌ لذلك وأوجدنا لذلك، أما هو فغني .. غني ! عز وجل، مازادت صلاةٌ صليناها ولا صومٌ صمناه ولا صدقةٌ تصدقناها ولا خيرٌ قدمناه من ملكه مقدار حبةٍ من خردل ولا أدنى من ذلك ولا أكثر.
فلأي شيءٍ نغتر ونتكبر ؟
لنعد التفكير في حياتنا ونتدبّر*
{ وتلكَ الأمثالُ نصربُها للنَّاسِ لعلَّهُم يتفكْرُون } سورة الحشر-21