دار المسنين
تاريخ النشر: 06/03/17 | 0:11مَناظر بَعثرَت المَشاعِر ما بَين الرّأفة وَالغضَب العارم.
إنّ أسوأ ما قد يَصل إليه الإنسان هو فقدان الإنسانية ذاتها.
دار المُسنين, المَركز الذي وُلدَ مِن رَحِم فِكرة الرّحمَة وَالمَعونة وَالرّعاية لمَن هُم أصحاب الجيل الذّهبي, أصحاب التّعب وَالكد, كِبار السّن, الذين قضوا أعمارَهُم جُهدا لأبناء يتقلبون مَع الدّهر وَيتقبّلون فِكرة دار المُسن راضِخين لها وَلظروف العَمل القاسِية وَالانشغالات المُهمّة وَالغير مُهمّة واضِعين ذويهم داخِل هذا النّطاق.
نبذة قصيرَة عَن دور رعايَة المُسنّين وَكيفية عَمَلها:
فِكرَة دار المُسِن هِيَ بمَثابَة بَديل أو تَعويض عَن حَميميّة العائِلة بسَبَب كثرَة الأعمال وَالانشِغال الدّائِم لدى أفراد العائِلة مِمّا يصعب عَليهم القيام بواجِبهم اتجاه ذويهم وَمَنحَهم حَقهُم الشّرعِي.
انتشرَت هذهِ المَراكِز أو هذهِ الدّور في الآونة الأخيرَة لتُخفّف عَن عاتِق أفراد العائِلة عِبئ ما يُسمّى الشّيخوخَة وَجاءَت لتتقمّص دَور العائِلة في أواخِر عُمر كلّ شَخص يَدخل إلى هُناك.
عَمَل مِثل هذهِ الدّور يَتلخّص فيما يَلي:
يَعمَل المَركز عَلى احتِضان وَاحتِواء كِبار السّن الذين لا يَجدونَ مَن يَرعاهُم أو يُقدّم لهُم العِنايَة المَطلوبَة في شَيخوختهم.
يَعمَل المَركز في أغلب الأحيان عَلى تقديم العِلاج لِنزلائهِ نفسيًا وَ جَسديًا وَطبيًا ومُراعاة الأهميّة الكبيرَة لِلترفيهِ عَن النفس حِفاظا عَلى مَشاعِر هؤلاء الأشخاص الذين يُشبهونَ الأطفال برقة مَشاعرهم وَتحسّسِهم مِن كل ما يَدور مِن حَولهم.
يَعمَل المَركز عَلى تَقديم جَميع الخدَمات وَالمُساعَدات لِلمُسِن.
تَحتوي هذهِ الدّور عَلى العَديد مِن العامِلين وَالمُوظفين الذين يَجب أن تتوفّر لدَيهم أعلى مُستويات المِهَنية, وَمِن أهمّهم وَأبرزهم هُوَ طاقم المُعالجين الذين يَقضون وَقتا طويلا مَع هؤلاء العَجائز ليقدّموا لهُم الخدَمات وَالمُساعَدات اللازمة في الأكل, المَلبس, الدّخول إلى الحمّام, المُرافقة في النّزهات وَالفعّاليّات الترفيهيّة وَالاجتماعيّة وَأهم ما يَتمحوَر حَولهُ عَمَلهم هُوَ المُحافظة عَلى سَلامَة وَأمن هؤلاء النّزلاء.
ما حَصَل في بَيتِ المُسنّين (נאות כיפת הזהב) كسرَ جَميع قواعِد الإنسانية وَشوَّهَ تشويهًا تامًا مَفهوم دار المُسِن الحَقيقي وَشوَّش الأخلاقيّات المُهمّة التي يَجب أن تتوفر في هذا المَجال لينقلبَ حال دارُ المُسنين إلى دار المُسيئين.
عِندما تتدنّى الأخلاق وَتتّخذ دربًا مغايرًا يملأهُ الانحطاط تكون النتيجَة مُقزّزة لا مَحاله, وَهذا حال الأغلبيّة السّاحقة مِن مُوظفي بَيت المُسنين (נאות כיפת הזהב) الذي فُضح أمرهُم مِن خِلال كاميرات مُراقبة مَخفيّة كشفت أسرار العَذاب المُستمِر لدى النّزلاء مِن كِبار السّن مُقابل التّعامُل اللاإنساني مِن قِبل المُعالِجين, حَيث نُشر تقرير تقشعرّ لهُ الأبدان فِعلاً وَتضَمَّن مَشاهِد لا يُمكن لأيّ بَشريّ أن يَتقبّلها.
أثلجَ صَدري قليلاً هُوَ ذاكَ الشّاب العَرَبيّ الرّائع الذي رَفضَ ضَميريًا أن يَنساقَ وَراء القطيع المُنحَط أخلاقيًا وَإنسانيًا حَيثُ قرّر الخُروج عَن صَمتهِ وَكشف كلّ تِلكَ المَآسي.
بَعَثَ بيَ الأمل وَلو قليلاً بأنهُ ما زالَ هُناك أشخاص مُتمَسّكين بالضّمائِر وَالأخلاق الإنسانيّة وَالمِهَنيّة وَأثبتَ مِن خِلال مَوقفهِ أنّ في مُجتمعنا بَصيص أمل يَترَنّح عَلى أنامِل أشباهِ هذا الشّاب الذي أبى أن يَجعَل مِن نفسهِ ظالمًا قمعيًا وَأبى أن يَرى ظلمًا قد يَدومُ حالهُ إلى مُنتَهى لم يُحدّد تاريخهُ.
بالرّغم مِن أنّ هُناك مَراكز كهذهِ قد اجتاحَت المُجتمَع العَرَبي إلا أنّ هُناك الكُثر مِن رافِضي هذهِ الفِكرَة مُتمَسّكين بالعَلاقات الأسَريّة الوَطيدَة عِوضًا عَنها.
عَلى أمل دائِم أن يَبقى مُجتمَعنا العَربي مُحافظا عَلى التّرابط العائِلي في هذا النّطاق فهذا خير لآبائِنا وَأمّهاتِنا مِن أيّ دار مُسنّين, مُتداركين ألم قد نراهُ عَبرَ التلفاز أو نعلمُ بهِ يَومًا وَيَبقى نقشًا مُؤلمًا في الذاكرَة.
بقلم: أزهار أبو الخير- شَعبان.عَكّا