نصيحة أسديها للزعماء والقادة العرب
تاريخ النشر: 16/02/14 | 1:41تعلّموا الإيثار، التضحية وإنكار الذات من الصحابي الجليل أبو عبيده الجرّاح!!
أبو عبيده عامر الجرّاح صحابي جليل أسلم قديماً مع عثمان بن مظعون على يدي أبي بكر الصدّيق، وهو أحد العشرة المبشرّين بالجنة من قِبَل الرسول محمد (ص) وفي نسبه يجتمع هو والرسول محمد في فهر بن مالك ويُنسب إلى فهر فيُقال القرشي الفهري. كان رحمه الله طويلاً نحيفاً فيه حدب، معرّق الوجنتين، خفيف اللحية، أشرم الثنيتين، كان أشرماُ بسبب حلق المغفر الذي دخل في وجنة النبي محمد (ص) في يوم أحد، قام أبو عبيده وانتزعه من وجنة الرسول بأسنانه حتى سقطت ثنيتاه. ناداه رسول الله وقال عنه انه أمين هذه الأمة فعن أنس بن مالك، قال: (قال صلى الله عليه وسلّم: إن لكلّ أمةٍ أمين، وأمينُ هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح). وعن أبي هريرة أنه قال: (قال رسول الله (ص): نِعْم الرجل أبو بكر، نِعْم الرجل عمر، نِعْم الرجل أبو عبيده) (أخرجه الترمذي). وقال عنه عمر بن الخطاب: (أتمنّى لو أنّ هذه الدار مملوءة رجالاً مثل أبي عبيده). أما عمرو بن العاص فأنه قال: (ثلاثةٌ من قريش أصّحُ الناس وجوهاً وأحسنها أخلاقاً وأشدّها حياءاً، إن حدّثوك لم يكذبوك وان حدثتّهم لم يكذّبوك: أبو بكر الصدّيق وعثمان بن عفّان وأبو عبيده بن الجرّاح) (أخرجه الفضائلي). ولما سُئلت عائشة أم المؤمنين: من كان رسول الله (ص) مستخلِفاً لو أستخلف؟ قالت: أبا بكر. قيل ثم من؟ قالت: عمر. قيل ثم من؟ قالت: أبا عبيده… لم يُسلِم والد أبو عبيده بل كان كافراً، وقد قتله ابنه أبو عبيده يوم بدر فكان الأب يتصدّى لأبنه فيحيد عنه أبو عبيده فلما لم ينعكف عنه أبوه أثقل عليه أبو عبيده فقتله فأنزل الله في حقه: (لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوّادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءَهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) صدق الله العظيم (سورة المجادلة آية 22).
وفي حالتين اثنتين ضرب فيهما أبو عبيدة المثل الأعلى في الإيثار والتضحية وإنكار الذات، وهما درسان من الأحرى والأجدر بالزعماء أو المتزعمين العرب الاستفادة منهما والعمل بروحمها.
الحالة الأولى كانت عندما تُوفي الرسول محمد (ص) في المدينة المنورّة اجتمع ثلاثة من الصحابة المرموقين والمبشرّين بالجنة في سقيفة بني ساعده وهم: أبو بكر الصديق، عمر بن الخطاب وأبو عبيده عامر بن الجرّاح. قال عمر لأبي عبيده أمدد يدك أبايعك (يعني الخلافة بعد الرسول): قال له أبو عبيدة: (أتبايعني وفيكم الصدّيق ثاني اثنين؟!) (الإشارة إلى الآية القرآنية: ثاني أثنين اذهما في العار). وفي رواية أخرى، أخرج ابن عساكر عن مسلمة قال: (بعثَ أبو بكر إلى أبي عبيده: هَلّمَ حتى أستخلفك، واني سمعت رسول الله يقول: إنّ لكلّ أمّةٍ أميناً وأنت أمين هذه الأمّة). فقال أبو عبيده: (ما كنت لأقدم رجلاً أمره رسول الله أن يؤمنا)… وكان أن بويع أبو بكر بالخلافة الأولى للمسلمين.
والحالة الثانية التي لا تقّل إيثاراً وتضحيةً عن سابقتها، فعندما تولى عمر بن الخطاب الخلافة بعد وفاة أبي بكر الصدّيق، كانت جيوش المسلمين بإمارة خالد بن الوليد، سيف الله المسلول، وجيوش المسلمين تحاصر دمشق بعد أن فتحت مناطق عديدة من بلاد الشام وبقيادة خالد بن الوليد، وجيوش المسلمين تحاصر دمشق قَدِم كتاب عمر بن الخطاب على أبي عبيده بأمارته على الجيوش وعزل خالد بن الوليد. فأستحيا أبو عبيده أن يقرأ خالد الكتاب حتى فُتحت دمشق وجرى الصلح على يدي خالد بن الوليد وكتب الكتاب باسمه وكان ذلك في شهر رجب عام 14 للهجرة فاظهر أبو عبيده وعُزل خالد… ويُقال أن المدّة التي كتم فيها أبو عبيده الخبر عشرون عاماً كان يصّلي فيها أبو عبيده خلف خالد بن الوليد.
فبالله عليكم أرأيتم أنبل وأشرف من هذين الموقفين… ألا يحق لنا والحالة هذه أن نطالب الزعماء والقادة العرب في كل مكان وكل حسب موقعه التحلّي بصفات هذا الصحابي الجليل؟! لقد عاش رحمه الله 58 عاماً وتوفاه الله عام 18 للهجرة في عمواس (في الأردن) ودُفن هناك وصلّى عليه مُعاذ بن جبل.