العالم محمد الغزالي كما عرفته وقرأت له
تاريخ النشر: 13/03/17 | 0:00أولا: معرفتي للشيخ حسب الذاكرة.. من النعم التي يظل يفتخر بها المرء أن وفقه ربه للكتابة عن العظماء، والكتابة عن العالم محمد الغزالي رحمة الله عليه تندرج في سياق استحضار العظماء رضوان الله عليهم جميعا.
يعود الرجل لطفولته ويستحضر الأيام الأولى من الملتقى الفكر الإسلامي المقام بالجزائر حين كان الشيخ محمد الغزالي يهز القاعة بصوته الجهوري ويرد ويضيف.
وأتذكر جيدا حين ردّ بحزم وقوة على الأستاذ التونسي القادم من الولايات المتحدة الأمريكية يومها حين تطرق لعدد 19 باعتباره معجزة من معجزات القرآن الكريم، فأعاب عليه الشيخ الغزالي ذلك قائلا أن مشاكل الأمة أعظم وأجل من أن تشغلها أرقام. مع العلم كانت المجتمعات الإسلامية يومها معجبة إلى حد الافتتنان بما ذكر صاحب رقم 19 باستثناء الشيخ الغزالي الذي عارضه بشدة، وأكدت الأيام ما ذهب إليه الشيخ حيث سلك صاحب رقم 19 مسلكا يتنافى مع القرآن الكريم، وليس هذا مجال التطرق للموضوع.
مازال الطفل يتذكر حنينه وهو يعانق المذياع ويتابع محاضرات الشيخ محمد الغزالي عبر الأثير. فقد رزق صوتا كله ثقة واطمئنان وهدوء يريح السامع، وتلك طبيعة المتمكنين العارفين المتيقنين مما يملكون من علم، وفقه، وأدب، وأخلاق.
وكنت أتابع باهتمام بالغ حصة “حديث الإثنين” التي يقدمها كل يوم الإثنين والتي كان يتابعها الجزائريون وينتظرونها بشغف بما فيهم الذين لا يتقنون اللغة العربية الفصحى، لما امتاز به الشيخ من طريقة عرض صافية نقية تعتمد على الفطرة السليمة في فهم الدين والمجتمع. وكانت كل دروسه حول هموم الأمة والمشاكل الثانوية التي شغلت بها الأمة عن ما خلقت له من مهام جليلة عظيمة. وقد جمعت أحاديثه في كتاب وأكرمني ربي أن قرأتها فيما بعد في كتاب: “حديث الإثنين”، للشيخ محمد الغزالي، رحمة الله عليه، إعداد الأستاذ: عبد القادر نور، الطبعة الأولى 2011، دار الوعي، الجزائر، من 259 صفحة، وعلّقت عليها في مقال أول بعنوان ” مع الشيخ محمد الغزالي في حديث الاثنين”، ومقال ثاني بعنوان “حكم الشيخ محمد الغزالي من خلال حديث الاثنين”، خلال شهري فيفري وماي 2013 لمن أراد الرجوع إليها واستحضار الأيام الخالدة والمنافع التي لا تنقطع.
حضرت له محاضرة وأنا طالب في الجامعة سنوات 1986-1990 بالعاصمة ولأول مرة أراه رأي العين وأنا الذي كنت من قبل أراه عبر المشهاد الجزائري يومها وأسمعه من وراء الأثير. واقتربت من المنصة بعد عناء شديد بسبب العدد الضخم جدا من الشباب الجزائري المتشوق لرؤية وسماع علماء الأمة. كان إلى القصر أقرب وما زال الطالب يحفظ عنه قوله: ورثت عن أبي قصر القامة لكني عرفت ربي عن علم ويقين. و كانت عباءته أقل جودة ولا تنم عن بذخ ولا ثراء مقارنة بالعلماء الأثرياء من دول عربية قدموا الجزائر ورأيتهم يومها رأي العين. وتخونني الان الذاكرة حول حضوري لدرس الجمعة بمسجد الأرقم بالعاصمة في نفس السنوات بحضور الشيخ أحمد سحنون رحمة الله عليهما.
أتذكر وأنا طالب في السنة الرابعة من الجامعة، آخر حوار أجرته يومها يومية “المساء” الجزائرية وهو يودع الجزائر، ومما علق بالذاكرة وأفتخر بكوني أردده الان قول الصحفي.. حين دخلت بيت الشيخ محمد الغزالي وجدته بملابس النوم فطلب مني أن لا ألتقط صورة له وهو بملابس النوم وينتظره حتى يغيّر ملابسه، وامتثل الصحفي الجزائري لنصيحة الشيخ والتقط له صورة بعباءته العادية التي عرف بها، وأضيفت الخصلة الحميدة لخصاله الكبيرة التي عرفت عنه من قبل.
ثانيا: الكتب التي أتذكر أني قرأتها.. قرأت له الكثير من الكتب وما زالت مكتبتي تزخر بكتبه ومن الكتب التي علقت بالذاكرة..
كتاب “فقه السيرة” لما امتاز به من بساطة في ذكر الأحداث وربطها بالواقع وكأنك ترى السيرة النبوية رأي العين.
وكتاب “فن الذكر والدعاء” الذي يربط بين الذكر وما يحيط به، فالقارىء يعيش الذكر والدعاء قبل أن يتلفظه، فقد استطاع أن يجعل من الذكر حياة يعيشها المرء طيلة اليوم وليس ترديد كلمات لا يعرف المرء معناها، ويعترف القارىء المتتبع أن طريقة عرض الشيخ محمد الغزالي لكتاب “فن الذكر والدعاء” لم يقرأها عند غيره وتلك ميزة تميّز بها الشيخ.
وكتاب “جدد حياتك” الذي حاول عبره الاستفادة من الحضارة الغربية بما يتناسب مع قيم وعادات المجتمع الاسلامي، وكان في كل مرة ينقل عن الأستاذ الأمريكي ديل كارنيجي قوله في مسألة ثم يعقب قائلا لكن ديني يأمرني بكذا وكذا ويفصل الأمر نهائيا بما تنص عليه الشريعة الإسلامية وفهمه السليم للدين.
وكتابه “قذائف الحق” الذي يتحدث فيه عن الخطط الغربية وبعض حكام العرب في هدم المجتمعات الإسلامية، وما حذّر منه الشيخ في كتابه ما زال معمولا به وإن كان الأسلوب تغيّر بعض الشيء، وفيما أتذكر فقد ذكر أنه ألف الكتاب وهو في الطائرة.
وكتابه “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث”، وهو يعد من أعظم الكتب التي ألفها الشيخ لأنه أكد على ما ذكره في سنوات سابقة وهو يعتمد على طول تجربته ورسوخه في العلم، ويعتبر الكتاب قاموسا في الفهم الصحيح للفقه والحديث وكيفية تطبيقه على المجتمع خاصة وأنه إعتمد على أقوال الأئمة الكبار وقارن بين المدارس وأضاف لها علمه وتجربته التي أنارت وأشعت.
وقرأت له أول كتاب كتبه سنة 1947 بعنوان “الإسلام والأوضاع الاقتصادية”، الذي تحدث فيه يومها عن ما يسىء للاقتصاد وما يرفعه، وأن الاستدمار الداخلي يمهد للاستدمار الخارجي، وقيمة العقل والدين”.
وقرأت له كتاب “خلق المسلم”، وتطرق فيه “لأركان الإسلام ومبادىء الأخلاق، ودائرة الأخلاق تشمل الجميع، ثم لعيّنات رفيعة من الأخلاق كالحياء، والإخاء، والاتحاد، والعزة، والرحمة”.
وكتاب “عقيدة المسلم”، الذي عرض فيه ما يجب على المسلم معرفته في مجال العقيدة، والابتعاد عن بعض مايسىء لعقيدة المسلم، فكان قمة في بساطة العرض وتقديم النقي من الأخلاق والعقيدة.
وكتابه “معركة المصحف في العالم الإسلامي” يتعرض فيه للهجمات التي يتعرض لها المصحف الشريف ويحذر منها بحرقة ودموع.
وقرأت له كتاب “ظلام من الغرب” ويتحدث فيه عن الثورة الجزائية ويدافع عنها بشدة ويلوم العرب والمسلمين عن تقاعسهم في نصرة الجزائر.
وكتاب “الحق المرّ” وتحدث فيه عن قضايا عامة تشغل الأمة، كقوله: “خطورة الخلافات الفرعية، ولماذا نلوم أعداءنا ولا نلوم أنفسنا؟، وتراثنا وكيف نستفيد منه؟، والويل لأمة تفقد ذاكرتها”.
وكتاب “مشكلات في طريق الحياة الإسلامية” ، وتحدث عبره عن “الثقافة والتربية والأخلاق، والحاجة إلى إحياء الثقافة الذاتية، والخطورة التي تلاحق اللغة العربية، والمتاجرة بالخلاف تجارة عظمى، والتعاون في المتفق عليه، والعاملين بالإسلام لاينقصهم الحماس لكن ينقصهم عمق التجربة وحسن الفقه”، واشتريت الكتاب النفيس يومها بـ 7.98 دج.
وكتاب “كفاح دين”، وتحدث فيه عن “تحقير الإسلام في بلادنا، والمعنى الحقيقي لانتشار الإسلام، والموظف النموذجي، وتطرق للأسرة من خلال الأحوال الشخصية ومما يحاك ضدها”.
وكتاب “كيف نفهم الإسلام”، وتطرق إلى بعض المساوىء التي ألحقت عمدا بالتعليم الديني، وأن من جهل الدنيا سقط فيها، وأن العقيدة صلة إلهية ومنهج إنساني، ونادى بضرورة الجماعة الإسلامية، والتجديد والاجتهاد.
وكتاب “الدعوة الإسلامية تستقبل قرنها الخامس عشر” بمناسبة مرور 15 قرنا من العام الهجري. وكتاب “الإسلام والإستبداد السياسي”، يتحدث فيه عن مساوىء الحكم المطلق، وقيمة الحرية، والتناصر في وجه الظلم.
وكتاب “ركائز الإيمان” ويركز فيه على “أن الإيمان روح وجسد، ودنيا وآخرة، وأن الإيمان ليس إيمانا بالوهم ولا إيذانا بالفوضى، وأن ثقافتنا التقليدية تحتاج إلى مراجعة”.
وكتاب “هموم داعية” وتحدث فيه على أن “الدعوة علم وفن ورسالة وفهم”، وانه لا سنة من غير فقه، ثم تطرق كعادته لنماذج سيئة في فهم الإسلام أدت إلى تدهور الأمة.
وكتاب “كيف نتعامل مع القرآن”، تحدث فيه عن “حسن استثمار مرحلة الطفولة للحفظ وضرورة استمرار التواتر في المشافهة، والقرآن فتح النوافذ أمام النظر العقلي، وتدبر القرآن عاصم من السقوط الحضاري”.
وكتابه “الطريق من هنا”، يتطرق فيه لقضية الأخلاق عندنا، وأن هناك خلائق مشبوهة انتشرت بين الناس دون مبالاة، والحكم الإسلامي لا ينطلق من فراغ، والأبعاد الإنسانية لخطاب الرسول في حجة الوداع”.
وكتاب “علل وأدوية”، يتحدث فيه كعادته عن الأمراض الخلقية والسياسية التي أصابت المجتمعات الإسلامية وكيفية الخروج منها بفهم صادق وفقه عميق.
ومقدمته وتحقيقه لكتاب “صيد الخاطر” للحافظ بن الجوزي، وتحدث فيه بحزن شديد فيما أتذكر عن تفريط أبناء الأمة الإسلامية في تراث عميق ثري ضخم كابن الجوزي، ويوصي بإعادة إحياء التراث بما يرفع الأمة ويحميها ويزيّنها. ويعترف القارىء المتتبع أنه الشيخ محمد الغزالي هو الذي دفعه لقراءة “صيد الخاطر” بالذات وما بعدها من كتب للحافظ ابن الجوزي، رحمة الله عليهم جميعا.
معمر حبار