أخوة في بيت الطين
تاريخ النشر: 14/03/17 | 1:07الحمدُ للهِ مُقلِّبِ الدُّهورِ والأعوامِ، ومُغيِّرِ الأحوالِ والأزمانِ، ومُبقِي معالمِ الدِّينِ العِظَامَ على مَرِّ اللَّيالي والأيَّامِ. والصَّلاةُ والسَّلامُ على خيرِ الأنامِ، وعلى آلِه وصحبِه الأماجدِ أُولِي النُّهَى والأحلامِ.
أمَّا بعدُ؛ فما أجملَ تلك اللياليَ والأيَّامَ، الَّتي عِشْناها في بيتِ الطِّينِ، بينَ الآباءِ والأُمَّهاتِ، والإخوانِ والأخواتِ!
كانت حياةً سهلةً يسيرةً، خاليةً من التَّكلُّفِ والتَّعقيدِ في كلِّ شيءٍ: في الفُرُشِ والثِّيابِ، والمأوى والكساءِ، والطَّعامِ والشَّرابِ؛ لكنَّها -معَ ذلك- كانت عظيمةً في معانيها وعِبَرِها وعِظاتها!
فالنُّفوسُ رقيقةٌ قريبةٌ، والقلوبُ سليمةٌ صافيةٌ، لا تحملُ حقدًا ولا ضغينةً، ولا بغضاءَ ولا شحناءَ!
عاشوا عظماءَ، مُتلذِّذين بأيَّامِهم ولياليهم أكثرَ من غيرِهم!
عاشوا حياةَ التَّقلُّلِ، لكنَّ نفوسَهم في السَّماءِ عزَّةً وإباءً!
أقاموا الدِّينَ، وحافَظوا على شعائرِه، على قلَّةِ العلمِ والتَّعليمِ آنذاكَ!
كما كانوا أهلَ كرمٍ وجُودٍ، ونجدةٍ وإغاثةٍ ونصرةٍ، وتعاونٍ وتآزرٍ، ومحبَّةٍ ومودَّةٍ!
يجمُعهم بيتٌ واحدٌ، وسخينةٌ(1) واحدةٌ، وأبٌ واحدٌ، وأُمٌّ حانيةٌ ..
كانت أيَّامًا عجيبةً حقًّا؛ فهل يا ترى لبيتِ الطِّينِ تأثيرٌ في ذلك، أم للوقتِ الَّذي كان فيه بيتُ الطِّينِ، أم ماذا؟!
هل لأنَّنا خُلِقْنا من طينٍ؛ نَحِنُّ لبيتِ الطِّينِ، ونأنسُ به؛ فعندَما نكونُ قريبينَ منه، مُلامِسينَ له يذهبُ عن نفوسِنا عُلُوُّها وقهرُها، وعنفوانُها ولَقْسُها(2)؟!
أم أنَّنا حينَ جاوَرتْ أبدانُنا الخرسانةَ والحديدَ [المُذابَ بالنَّارِ]؛ اكتَسَبْنا الهيجانَ والغرورَ، والإفسادَ والتَّخريبَ، والعبثَ والتَّحريقَ؟!
قد أدري، ولا أدري!!
على كلِّ حالٍ، ما أحلَى تلك الأيَّامَ! وما أجمَل الأُخُوَّةَ الَّتي كُنَّا نعيشُها في بيتِ الطِّينِ، يومَ كان الوئامُ والصَّفاءُ، والأُلْفةُ والمحبَّةُ هي السَّائدةَ بينَ الأهلِ والجيرانِ، والأحبابِ والخِلَّانِ!
فهل ستعودُ تلك الأيَّامُ، وتنقشعُ ظلمةُ تلك النُّفوسِ الَّتي تحملُ الأحقادَ والأضغانَ، ويسودُ الصَّفاءُ والإخاءُ؟
أرجو اللهَ اللَّطيفَ القديرَ أن يُعِيدَ الإخاءَ والصَّفاءَ، والمحبَّةَ والوفاءَ، ويُدِيمَ الأُلْفةَ والمحبَّةَ معَ اللِّقاءِ.
وكتَب
د. ظافرُ بنُ حَسَنٍ آلُ جَبْعانَ