تحقيق رضا الله سبحانه وتعالى
تاريخ النشر: 12/04/15 | 17:55قد يقول أحدنا: بعد أن تعرفنا على أوقات وأحوال طلب الرضا، ومتى يرضى الله عنا، وما ثمار الرضا في حياتنا، لقد اشتقت لرضا الله، فهل من خطوات عملية أستطيع أن أسلكها؟
ليس الأمر صعباً، بعد هذه الجولة، فافعل الآتي:
1- اصنع كل ما يحب الله أن تصنعه: فكل ما يحبه الله يرضاه منك، من الأقوال والأفعال والظاهرة والباطنة، لأن حقيقة الرضا هي العمل الصالح، في امتثال أمر الله واجتناب نهيه، يقول تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه)(البينة 7- 8).
2- ارض عن ثلاثة أشياء: تعيش سعيدًا، وكأنك في الجنة، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولاً".
وقد قيل في حقيقة الرضا: من رضى الله في كل شئ فقد بلغ حد الرضا، وقيل: عدم الحرص على الازدياد فهذا غنى النفس، ولا يكون غنياً حتى يرضى بما قسم الله، وقيل: من لم يتكلم بغير الرضا فهو راضى.
وكل هذه الحقائق لن تتحقق، إلا بالرضا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً.
3- ارضَ بقدر الله حلوه ومره: وقل دائماً: (ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن) فما أيامـنا إلا أمـر من ثلاثة أمور:
أمرٌ نحبه: (صحة أو غنى أو لذة أوعافية) يوجب علينا الشكر.
وإما أمرٌ نكرهه: (مرض أو فقر أو ألم أو مصيبة) يوجب علينا الصبر، مع الأخذ بأسباب دفعه، لو كان ذلك في الاستطاعة، (كالحريق أو الأذى أو المرض).
وإما أمرٌ باختيار الإنسان ورضاه: (كالمعصية و الذنب والخطيئة)، وأصل ذلك هو الرضا عن النفس، أو الرضا بالمعصية، أو الرضا بالبدعة، أو الرضا بالمنكر، أو الرضا بالعيب، أو الرضا بالخطأ، الذي يصل إلى حد الإدمان، حيث يستعصى العلاج ويطول.
4- مواجهة عدم الرضا وإنكار الخطايا من الآخرين: حتى لا يتسمم جو الرضا، يقول صلى الله عليه وسلم: "اذا عملت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فأنكرها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها".
إن مجرد الرضا عن انتشار الفساد والخطايا على الأرض، وإن لم يشهدها الإنسان، لأنه في بلد آخر، فبمجرد الرضا بها، كأنه شاهد هذا الفساد، أو هذه الخطيئة.
5- مواجهة السياسيين الذين لا يلتزمون بالإصلاح والصلاح: وينشرون الاستبداد والفساد، وذلك بعدم الرضا عن فعلهم أو متابعتهم، فالرضا بهم يجرّ اتباعَهم، والانضمام إلى قافلة فسادهم، عن أم سلمة، قول النبى صلى الله عليه وسلم: "سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضى وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟، قال: لا ما صلّوا".
6- لا أعاتب على نيات الناس: أو أحاسبهم، لإخفاء عدم الرضا بما قسمه الله، فأتهمهم، وفى الحقيقة أنا ساخط على نصيبى، على قدرى، على قسمة الله، التى أرادها لى، وهذا كان سر غضب النبى صلى الله عليه وسلم، من قول أحد المنافقين، وهو يعترض على قسمة الله له، قائلا للنبى صلى الله عليه وسلم: "إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله".
7- التوكل الحـقيقى عـلى الله تعالى: لأنـه من الوسـائل الـقوية في تحـقيق الرضا، يقـول تعـالى: (وعـلى الله فـتوكلوا إن كـنتم مـؤمنين)(المائدة 23).
ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله".
ويقول تعالى : (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله، وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون)(التوبة 59).
يقول ابن كثير: (فالرضا سبق التوكل في قوله (وقالوا حسبنا الله)، أى إنهم بتوكلهم الحقيقى كانوا راضين حق الرضا، فقبل المقدور يسمى توكل، وبعد المقدور هو رضا، وقبل القضاء تفويض وبعد القضاء رضا وتسليم، وفى كلٍ هو رضا.
8- الابتعاد عن السخط: فالسخط من شقاوة العين، أن يسخط الإنسان بما قسم الله له، وبذلك يحزن على ما فات، لأن الحزن يخرج عن الرضا، عندما بكى النبى صلى الله عليه وسلم عند مرض سعد بن عبادة، قال لمن حضر: "إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا (وأشار إلى لسانه)".
أي حينما تخرج منه كلمات السخط، والاعتراض على ما قسم الله له.
9- الرضا بالمقسوم من الرزق: فما هو مقسوم لك فهو واصل إليك، والرضا بالمقسوم من الرزق يدفع إلى العمل، ويمنح الإنسان قوة على التكسب، وليس معناه الاستسلام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "(على كل مسلم صدقة ) قالوا: فإن لم يجد؟ قال: (يعمل بيده، فينفع نفسه، ويتصدق) قالوا: فإن لم يستطع؟ قال: فيعين ذا الحاجة الملهوف قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فليأمر بالمعروف قالوا: فإن لم يفعل؟ قال: فليمسك عن الشر، فإنه له صدقة".
فالرضا يدفعك إلى الرضا، وبذلك يجرّك إلى العمل، الذي ترضى به الله تعالى، حتى ولو كان عند عدم الاستطاعة، بالإمساك عن الشر.
10- الرضا بالمصيبة هو أن أتأكد من أنها من عند الله: وهذا هو التسليم لله، يقول ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله، ومن يؤمن بالله يهد قلبه)(التغابن11) قال: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من عند الله، فيرضى ويسلم.
حتى في هذه اللحظات التى يصاب بها الإنسان بالجزع والهلع وفداحة المصاب، فيتمنى الموت، يقول النبى صلى الله عليه وسلم: "لا يتمنين أحدكم الموت لضرّ نزل به، فإن كان لابد متمنياً، فليقل: اللهم أحينى ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفنى إذا كانت الوفاة خيراً لي".
ومن أشكال المصائب في حياتنا التى يجزع لها الإنسان، وعليه أن ينتبه إليها: (البخل والضجر والعجلة واليأس والطمع والخوف وضعف النفس والجبن والشر والإمساك والمنع والأذى، وغير ذلك كثير).