يوم قضيته مع الجنائز
تاريخ النشر: 20/03/17 | 7:13فهمت صباح اليوم من رسالة زميلنا الشاب حسين الجزائري الشلفي عبر الخاص أن جده توفى، فاتصلت على الفور بزميلنا الفتى محمد عبد الفتاح مقدود ، لأنه سبق أن وعدته منذ أشهر بزيارة جد الحسين ولم نستطع بسبب مرض عبد الفتاح ثم ما أقعدني عن الحركة، فاعتذر لأن الدم ما زال ينزف من أثر العملية الجراحية التي أجراها منذ 10 أيام بمستشفى بني مسوس بالعاصمة.
صليت صلاة الجمعة بمسجد وادي سلي بوسط المدينة، وبالصدفة ألتقي أسأله أحد المارة: هل أنا في وادي سلي أم في بوقديرلأني غيرت فتشابهت علي الطرق؟. إذ به يتوقف ويجيبني: ألست معمر حبار؟ ألست صاحب الصفحة؟، ورحت أؤكد ما ذكره، إذ به يخبرني أنه زميلي في الصفحة Bilal Bilalou ، ثم دلني على المسجد ورحب بي أحسن ترحيب، وبدت عليه بشائر الغبطة والفرح، وقد بادلته نفس المحبة الصادقة، وقد فضلت الصلاة في الفناء حتى أسرع بعد الصلاة للسيارة لكي أفتح الطريق لأصحاب السيارات.
أعجبت كثيرا بالساحة التابعة للمسجد حيث السعة، والزهور، والأشجار، والظلال، والراحة والسكينة.
الإمام وقيل لي إسمه إبراهيم، كان فصيحا بليغا جهوري الصوت، يحسن النطق وترتاح له الأذن لمخارج الحروف السليمة. تحدث عن 19 مارس وفضل تلك الأيام على أمن وسلامة الجزائر. أخالف الإمام في بعض ما ذهب إليه فيما يخص بعض الحقائق المتعلقة بـ 19 مارس 1962، ويفضل المأموم عدم التطرق اليوم. ظل الإمام يدعو للجزائر في الخطبة الثانية من فوق منبر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه من حسنات الإمام التي سجلها الزائ، ومما حفظته قوله: اللهم إجعل الجزائر شامخة عالية.
وصلى الإمام ركعتي الجمعة بقراءة سيّدنا ورش وهي قراءة سادتنا الأوائل منذ 14 قرنا، وتربى عليها المجتمع وكبار القراء الذين مازالوا يسمعون الكون وعلى مدار اليوم والسنة القرآن الكريم بحلاوة لسان وجودة بيان رضوان الله عليهم جميعا.
وأنهيت الصلاة وأنا أدعو للإمام بكل خير وأنا الذي لم أره ولم أسمعه من قبل، وكم أتمنى أن ترزق مساجد الجزائر مثل الإمام إبراهيم في سلامة اللسان، وحسن الفقه، وجمال الصوت، و محافظته على قراءة ورش.
وبعدها إتجهت مباشرة إلى بيت حسين الجزائري الشلفي ، حيث أديت واجب العزاء ولم أعرف أن جده توفى منذ يومين إلا بعد أن أخبرني الذين طلبت منهم أن يدلوني على البيت، فكانوا نعم الدليل.
إلتقيت بزميلنا يوسف اللخمي الذي بدا لي أكثر ضعفا مما وهو الضعيفة بنية بداية، وأب زميلنا حسان وقد ورث الإبن من الأب الطول ولم يترك منه سنتيما، ويبدو واضحا أن بينهما تفاهما عجيبا لا يمكن أن تخفى على الزائر ولو كان لأول مرة يرى الوالد. والتقيت ببعض أفراد عائلته وكذا بعض المعزين الذين جاؤوا لتقديم واجب العزاء.
تبادلنا الحديث في أمور شتى لنخفف عن أهل الميت، ومما ذكرته: ليس من المروءة والأدب أن يعتقد الجزائري أنه لولاه لنهارت الجزائر، وأنه أحق من الجميع أن ينال الأجر الأعلى لأنه بزعمه أكثرهم تعرضا للأخطار. وقدمت أمثلة يتغنى بها أصحابها في كل المناسبات، وكانت إجابتي: هذه الجزائر يخدمها الجميع ودون استثناء، وضربت لذلك مثلا وقلت إذا تأخر منظف الشوارع يوما أو أيام الأعياد، أو يومي الجمعة والسبت، أعلنت الطواىء، وارتفعت الأصوات، أن أنقذونا نكاد نموت بروائحنا الكريهة، ما يدل على عظم وخطورة منظف الشوارع من أوساخ الذين يزعمون أنهم الأفضل والأحق. وأوصيت بعدها الحسين ويوسف اللخمي، أن يكتب كل منهما عن الحي الذي ولد فيه، والأستاذ الذي تعلم على يديه، فيمسي لكل منهما مجلدات عن أيامهما ليصبحا فيما بعد مراجع لا يستغنى عنها في الكتابة عن تلك الأيام والشخصيات، ونصحتهما بذلك لأننا كنا نتحدث عن الأيام التي سبقت زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980 وما بعدها.
على الساعة الثالثة والربع زوالا إستأذنت الجمع، لأني على موعد مع جنازة لأم معمر أحد الأصهار، فاتجهت مباشرة من بوقدير إلى بيت أخي الأكبر حسان بالشرفة منطقة1 ليرافقني إلى مسجد الحاج إبراهيم رحمة الله عليه حيث صلينا صلاة العصر ثم الجنازة على المرحومة.
أعجبني الإمام الشاب لأنه وقبل أن يكبّر لصلاة العصر أخبر الجميع أنه ستقام صلاة الجنازة بعد الصلاة والجنازة إمرأة، وموقفه هذا يعبّر عن فقه وسعة نظر، حيث أراح الناس وصلوا في هدوء وهم يعلمون أنهم سيؤدون الجنازة فيما بعد، وترك متسعا من الوقت للمتأخرين في الصلاة خاصة وأنه بقي في مجلسه يذكر ثم ختمها برفع اليدين، فأزال عن الجميع الشك والريبة التي كانت تلاحق الناس من قبل بسبب عدم معرفتهم للجنازة وبسبب جهلهم هل الجنازة رجل أم إمرأة؟، ومرد ذلك إلى أن بعض الأمة لا يخبرون رواد المسجد بذلك، ولذلك يستحق هذا الإمام الشاب لمسجد الحاج إبراهيم رحمة الله عليه كل التقدير والثناء على حسن الفقه والفهم.
ومما يجب ذكره أن مسجد الحاج إبراهيم رحمة الله عليه مازال يعاني من مشكل وضع الأحذية وكيفية إسترجاعه أثناء الخروج، فقد أمست عملية أخذ الحذاء تتطلبا وقتا وجهدا خاصة أثناء الأعياد، والجنائز، والجمعة، وبالتالي لا يعقل أننا وبعد15 قرنا لم تجد الأمة حلا للأحذية التي أمست تستغرق الوقت الطويل في غير محله والجهد المبذول الذي لا يليق بحذاء ناهيك عن الغضب وفقدان الصبر من أجل حذاء وفي المساجد.
واتجهنا بعد الصلاة مباشرة إلى مقبرة أولاد سيدي امحمد بمدروع، ورحم الله موتى المسلمين جميعا وعظم الله أجور المصابين من أبناء، وزوجات، وأقارب، وأصهار، وأحباب.
معمر حبار