سم النبي
تاريخ النشر: 19/03/17 | 19:08علي الرغم من الأهتمام الواسع بكل الجوانب الخاصة بحياة النبي صلي الله عليه وسلم بقيت مسألة استشهاد المصطفي صلي الله عليه وسلم بسم وضعتة امرأة يهودية تدعي زينب بنت الحارث في شاة عقب فتح النبي محمد صلي الله عليه وسلم لخيبر من الأمور المسكوت عنها والنادرة المناقشة .
والحقيقة أن الروايات عن قتال النبي لليهود شابها الكثير من الأفتراءات التي صورت بعض هذه الفتوحات ومنها غزوة بني قريظة وكأنها تطهير عرقي لليهود بقتله ل 800 مقاتل علي الرغم من استسلامهم ودخولهم في دائرة الأسري وهو عدد مبالغ فيه اذا علمنا أنهم احتجوزوا قبل اعدامهم في دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ فأي دار قادرة علي استيعاب كل هذا العدد ؟!! كما أن الاعدام تم بواسطة شخصين من الصحابة هما عليا والزبير فهل يمكن لشخصين ذبح 800 مقاتل !!! كما أن القتل شمل في روايات أخري كل من أنبت أي المقاتل وغير المقاتل مما يرشح هذه الأعداد للزيادة وهو الأمر الذي لو حدث لكان جديرا باستفزاز شعور اليهود الديني وأن تتحول هذه الاحداث الي مرثيات حزينة تبقي محفورة في الذاكرة ولكان الأَوْلَى بالكاتب اليهودي صموئيل أسبك في كتابه مآثر شهداء اليهود والذي كتبه في القرن السادس عشر المسيحي أن يستشهد بمثل هذه التفاصيل وهو مالم يحدث !!! .
حاول البعض من الباحثين التشكيك في واقعة سم الشاة هذه من منطلق عصمة الأنبياء من القتل متجاهلين أن القران ذاته قد فتح الباب علي مصراعيه بشأن وفاة النبي فلم يستبعد القتل عنه وذلك في قوله تعالي ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ).
كما أن التحجج بعدم قصاص الصحابة من هذة المرأة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ربما كان راجعا الي عفو النبي عنها في حياته وذلك في رواية أو أن النبي قد قتلها جزاءا علي فعلتها كما تزعم رواية أخري.
ننتقل الي ما يعنينا في هذا المبحث وهو تحديد ماهية هذا السم والذي نرجح أنه الزرنيخ وهو من المعادن الثقيلة التي تؤثر على بروتوبلازم الخلية نتيجة تكوين مركب معقد يؤثر على انزيم pyruvate dehydrogenase enz. الضروري لعملية الاكسدة لتوفير الطاقة في الجسم. وتعتبر جميع اشكال الزرنيخ سامة،الأ أن الزرنيخ ذا التكافؤ الثلاثي اكثر سمية من الزرنيخ خماسي التكافؤ .
نستهل أسباب هذا الترجيح بقدم هذا السم ومعرفة اليهود به عن طريق الرومان حيث يرجع تاريخ الزرنيخ الأبيض (أكسيد الزرنيخ الثلاثي) الي الآشوريين مرورًا بالإغريق والرومان. ومما يروي أن أجريبينا الصغرى أمّ الإمبراطور الروماني نيرون قد قتلت زوجها به حتي تتمكن من الزواج بالإمبراطور كلوديوس بعدما قتلت زوجته وابنه ليصبح ابنها – نيرون – هو الإمبراطور خلفًا لكلوديوس ونظرا لأن ابنها نيرون الذي أشعل النار في عاصمة ملكه روما فيما بعد كان شديد البر بوالدته فقد أمر بأعدامها خوفا علي حياته منها !!!!وهي التي فعلت كل هذا من أجله .كان انتقال المعارف ومنها علم السموم لليهود مسألة تبدو منطقية وقد كانوا تحت حكم الرومان بالشام ثم كانت هجرتهم من فلسطين الي جزيرة العرب بسبب تنكيل القيصر الروماني طيطوس بهم وهدمه لمعبدهم سنة 70 م ثم كانت الهجرة الثانية مع اضطهاد القيصر الروماني هدريان عام 132م وهو ما ذهب اليه ابو الفرج الاصفهاني ومؤرخون أخرون .
يعتبر الزرنيخ في هذه الفترة المبكرة سما مثاليا فهو مسحوق أبيض فتاك عديم الرائحة يصعب تمييز طعمه إذا وضع في الطعام أو الشراب على هيئة صلبة أو كمحلول كما أن أعراض التسمم بالزرنيخ عادة ما تظهر بعد فترة قد تطول إلي حد يبتعد فيه الجاني عن المجني عليه فأثاره تحتاج الي عدة أعوام للظهور وهو ما نراه تفسيرا مقنعا لبقية الرواية التي تذهب الي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقي ثلاث سنين بعد حادثة سم الشاة حتى كان وجعه الذي مات فيه كما أن اسراع النبي للعلاج بالحجامة ربما كان عاملا أخر في تقليل وتحسين أعراض التأثير السمي للزرنيخ فقد كان جابر يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم على كاهله من أجل الشاة التي أكلها حجمه أبو هند مولى بني بياضة بالقرن.
ثمة أسباب أخري تتعلق بتشابه الأعراض التي عاني منها المصطفي صلي الله عليه وسلم مع أعراض التسمم بالزرنيخ وكم كان توصيف النبي دقيقا ومعجزا حينما قال ( يا عائشة ، ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر ، فهذا أوان وجدت إنقطاع أبهري من ذلك السم). و الأبهر هو الشريان الأورطي أكبر شريان في جسم الأنسان و الّذي مصدره من القلب ويقوم بتغذية جميع أعضاء الجسم وعادة ما يتركز الزرنيخ في الاورطي كما أنه يسبب ألم المعدة .
كانت ملاحظة الصحابي الجليل أنس بن مالك حول الأثر الذي خلفته المضغة المسمومة في حلق النبي صلي الله عليه وسلم بقوله (فما زلت أعرفها في لَهَوَات رسول الله، صلى الله عليه وسلم) -واللهوات جمع لهاة وهى اللحمة الحمراء المعلقة في أعلى الحنك –من الملاحظات الهامة التي تتفق مع قدرة الزرنيخ علي التغيير في أنسجة الجلد وترك أثرا علي اللثة والشفتين واللسان وازرقاق الجلد والشفاه.
من الأعراض الأخري التي صاحبت النبي في رحلة مرضه بعد هذا السم كان الصداع والحمي فجاء في لطائف المعارف: أول مرضه كان صداع الرأس والظاهر أنه كان مع حمى، فإن الحمى اشتدت به في مرضه، فكان يجلس في مخضب ويصب عليه الماء من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن يتبرد بذلك، وكان عليه قطيفة فكانت حرارة الحمى تصيب من وضع يده عليه من فوقها فقيل له في ذلك؟ فقال: إنا كذلك يشدد علينا البلاء يضاعف لنا الأجر وقال: إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، ومن شدة وجعه كان يغمى عليه في مرضه ثم يفيق.ويعتبر الصداع من أعراض التسمم بالزرنيخ كما قد يسبب الجفاف في الجسم مما قد يؤدي الي جلطة ويتبعها تشنجات مع حدوث اغماء وقد تحدث الوفاة نتيجة لذلك.
ما قيل حول انتفاخ بطن النبي صلي الله عليه وسلم ورد ذلك لكون جثمان النبي ترك حتي تعفن وهي حادثة حاشا لله أن تحدث ولكن يمكن لنا أن نعرضها في تصور أخر علي افتراض حدوثها أنه عرض من أعراض التسمم بالزرنيخ نتيجة لتضخم الكبد ففي حديث وكيع عن ابن أبي خالد عن البهي: أن أبا بكر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فأكب عليه، فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، ما أطيب حياتك، وما أطيب ميتتك. قال البهي: وكان النبي صلى الله عليه وسلم ترك يوماً وليلة حتى ربا بطنه. وانثنت خنصره.
أن الدراسة التي نعرضها اليوم هي محاولة لكشف الغموض حول سم النبي صلي الله عليه وسلم ولا تخرج عن كونها دراسة علمية اجتهادية حاولنا فيها أن نضع عنوانا للحقيقة في واحدة من أخطر القضايا في التاريخ الأسلامي.
د.محمد فتحي عبد العال
صيدلي وماجستير في الكيمياء الحيوية
مسئول الجودة بالهيئة العامة للتأمين الصحي فرع الشرقية بمصر