لقاء مع الدّكتورة كلارا سروجي
تاريخ النشر: 22/02/14 | 2:11الدّكتورة كلارا سروجي- شجراوي، تعمل في سلك التدريس في جامعة حيفا، قسم اللّغة العربيّة وآدابها، في مجالَي الأدب العربيّ الحديث والفلسفة الإسلاميّة. صدر لها كتاب بعنوان: "نظريّة الاستقبال في الرّواية العربيّة: دراسة تطبيقيّة في ثلاثيتَي نجيب محفوظ وأحلام مستغانمي" وهو صيغة معدّلة لاطروحتها الجامعيّة، للحصول على لقب الدكتوراه من جامعة حيفا سنة 2009. نُشِرَت لها عدّة مقالات باللغتين العربيّة والإنجليزيّة في مجلّاتٍ أدبيّة محكّمة. هي أيضًا المركّزة العلميّة في مجمع اللّغة العربيّة في حيفا. حول هذه الأمور كان لسيمون عيلوطي معها اللّقاء التّالي:
دكتورة كلارا، بصفتكِ المركّزة العلميّة في مجمع اللّغة العربيّة – حيفا، ما هي المهام الملقاة على عاتقكِ في هذا الشأن؟
– مهام المركّزة العلميّة كثيرة، أذكر أهمّها وهي: التنسيق مع كلّ رئيس لجنة لعقد جلسة تتناول نقاط البحث المزمع علاجها ومناقشتها. بالطّبع، أحضر جلسات اللجان كلّها وأهتمّ بمتابعة ما يجري من نقاش بشكل فعّال، وأحرّر فيما بعد محضر الجلسة الذي يراجعه رئيس اللجنة ومن ثمّ يُرسَل إلى كافة أعضاء اللجنة. فالأمور كلّها في المجمع تجري بشكل منظّم، وكلّ جلسة أو لقاء يتَّخذ فيه قرار هامّ يُحفظ في حاسوب المجمع. كذلك أهتم بالأبحاث التي يرسلها عادة دارسون أكاديميّون يريدون من المجمع نشرها باسم المجمع. هذه الأبحاث لا يتمّ نشرها إلا بعد قراءة محكّمة لقارئ/ة خارجي مختصّ بالموضوع، يُرسَل له البحث لدراسته وإعطاء رأيه وملاحظاته. إضافة إلى ذلك أهتم بمتابعة دعم الأبحاث الأكاديميّة، الذي يقدّمه المجمع لباحثين في جامعات البلاد وكليّاتها، فأراسل الهيئات المختصّة لمتابعة سير البحث. كما أهتمّ بتنظيم المؤتمرات التي يعقدها المجمع. كذلك أدرس اقتراحات لمشاريع مستقبليّة يمكن أن يقوم بها المجمع. كلّ ذلك يتمّ بعد استشارة رئيس المجمع بروفيسور محمود غنايم والمدير العامّ للمجمع الأستاذ محمود مصطفى.
أنتِ عضوة أيضًا في لجان أخرى من لجان المجمع، ما هي هذه اللجان وماذا حققتم من خلالها لخدمة اللّغة العربيّة؟
– أنا لست عضوة في أيّ لجنة. فقانون المجمع واضح في ذلك، وهو أنّ كافّة الأعضاء يعملون فيه دون مقابل. أمّا أنا فأتقاضى أجرًا على عملي كمركّزة علميّة. لكن، كما أوضحتُ لك في السؤال السّابق، عملي يجعلني أحضر وأشارك في كلّ اللجان لمتابعة نشاطاتها المختلفة. لجان المجمع هي: لجنة الأبحاث والنّشر، لجنة المصطلحات والألفاظ، لجنة القضايا اللغويّة اليوميّة، لجنة التسميات، لجنة القاموس، لجنة الميزانيّة، لجنة المراقبة. عليّ أن أنوّه هنا أنّني بدأت العمل في المجمع كمركّزة علميّة منذ حوالي أربعة أشهر فقط، ولذلك لم تسنح لي الفرصة كي أشارك في كلّ اللجان، فأحيانا طبيعة عمل لجنة ما، أو الموضوع المعالج فيها، يحتّم عقد جلسات متتالية فيها فيأتي ذلك على حساب لجان أخرى. بالنسبة لما حقّقه مجمع اللغة العربيّة من خلال عمل لجانه المختلفة فأذكر إصداراته لكثير من الكتب القيّمة المحكّمة، وإصداره لمجلّته السنويّة التي تتضمّن مقالات محكّمة هي الأخرى، إصداره سنويّا لمفكّرة (يوميّات) يهتمّ أن تتضمّن معلومات من مجال محدّد يتمّ اختياره في لجنة الأبحاث والنشر، كما يواصل المجمع العمل على إثراء اللغة العربيّة بالمصطلحات العربيّة الجديدة في المجالات العلميّة والأدبيّة والتربويّة. فاللغة العربيّة فيها مرونة كافية كي تتكيّف مع العلوم الجديدة المتطوّرة، ولكنّ ذلك يحتاج إلى أن يكون المجمع في حالة تأهّب مستمرّ كي يطّلع على المصطلحات الإنجليزيّة والفرنسيّة والعبريّة أيضا التي تستجدّ، كي يدرس ترجمة هذه المصطلحات إلى العربيّة بشكل تبدو الكلمة العربيّة الجديدة غير غريبة أو مستهجنة. ما أذكره هنا هو جزء ممّا يحاول المجمع، ضمن نشاطاته المختلفة، أن يخدم اللغة العربيّة، ويبيّن جمالها ورونقها، ويُظهر للعيان قدرات الدّارسات والدّارسين في مجالات الفكر العربي وأدبه ولغته.
كيف تستطيعين التّوفيق بين نشاطك في المجمع وبين عملك الأكاديمي في جامعة حيفا؟
– نسيتَ أن تذكر أيضا التوفيق مع الأعمال المنزليّة الكثيرة! على كلّ حال، في رأيي سرّ نجاح الإنسان في أيّ عمل يقوم به هو حبّه لعمله. أنا أحبّ عملي كمحاضرة في قسم اللغة العربيّة وآدابها – جامعة حيفا، وأحبّ عملي الجديد في المجمع. أمارس العملين كهواية، بمعنى أنّني لا أتعامل مع العمل كواجب بغيض قد أُجبرتُ عليه. من ناحية ثانية، طبيعة عملي تجعلني بشكل مستمرّ أوسِّع مجال معلوماتي وثقافتي. لذلك، فإنّ العمل الذي يثريك من الدّاخل ويُغني عقلك ووجدانك ليس عملا، إنّما هو إبحار وسفر وتجوال في عوالم الفكر، يعطيك هذا العمل بقدر ما تعطيه بصدق من مجهودك. إنّ عمليّة التّوفيق بين الأعمال المختلفة لا تتمّ إلاّ عندما يلتزم الإنسان بالوقت الذي يحدّده للقيام بمهمّة ما، فلا يترك المهمّة إلاّ بعد أن يتمّها. هذا يعني أنّ إنجاز المهامّ المختلفة يكون عندما نحدّد لأنفسنا يوميّا الأشياء التي نريد تحقيقها في هذا اليوم، على أن تكون هذه الأمور يمكن تحقيقها على أرض الواقع لا في الخيال، وإلا سيشعر الإنسان بالإحباط وستتراكم عليه الأعمال وتختلط عليه الأمور فيدخل في متاهة لا أوّل لها ولا آخر، وبالتّالي سيمضي الوقت دون أن ينجز أيّ شيء من الأمور المترتّبة عليه.
من بين الأعمال الرّوائيّة العربيّة، اخترتِ في أطروحة للدكتوراه، أن تقومي بدارسة ثلاثيتَي نجيب محفوظ وأحلام مستغانمي. ما سبب ذلك؟
– كنتُ أبحث عن عملين أدبيّين قد استطاعا أن يُبهرا الجمهور. هاتان الثلاثيّتان نجحتا في جذب القرّاء، فأقبلت شرائح مختلفة من الناس العاديّين أو ذوي الثقافة المتوسّطة إلى جانب دارسين أكاديميّين عليهما. أنا أعتبر أن الجمهور العادي هو صاحب حسّ فنّي وذائقة أدبيّة قد يتفوّق فيها على الدّارس الأكاديمي وحتى يسبقه، وقد بيّنتُ ذلك في كتابي. الدارس الأكاديمي، أحيانا، قد يتحوّل مع الوقت إلى إنسان جامد يتعامل مع النّصّ على أساس نظريات قد تعلّمها، ويقيِّم الأعمال الأدبيّة والفنيّة بحسب معايير هذه النظريات المجرّدة. أقول ذلك لأنّ نظرية الاستقبال التي كتبتُ عنها، بعد دراستي لكتب المفكّر والمنظّر الألماني هانز روبرت ياوس (Hans Robert Jauss) تهتم بجمهور القرّاء من مختلف طبقاتهم ودرجات ثقافتهم. لذلك، في دراستي لهاتين الثلاثيّتين اللتين شكّلتا ظاهرة أدبيّة في العالم العربي والغربي، لم أستثنِ في تقييم العملين وطريقة استقبال الجمهور لهما آراء النّاس العاديين أو الذين كتبوا مقالات قصيرة في الجرائد والصحف أو أدلوا بآرائهم من خلال شبكة الإنترنت. هذا لا يقول، بطبيعة الحال، أنّني لم أهتمّ بعرض آراء المختّصين من الدّارسين والدارسات. كذلك حاولتُ تقديم خطاطة عمل في كتابي "نظرية الاستقبال في الرّواية العربيّة الحديثة" تحدّد المعايير التي يجب فحصها عند تقييم نجاح عمل أدبيّ ما أو فشله جماهيريّا. باختصار، لا يمكن أن ننكر أهميّة الأسلوب الذي يتّبَع في تسويق العمل الأدبيّ للجمهور. فدور النّشر تعمل على الدّعاية للكتاب، وتقدّم الرّواية أو المجموعة القصصيّة أو الشّعريّة بحلّة جذابة وبتصميم مهنيّ رائع، وتزيّنه بعبارات تشدّ المستهلك كي يُقبل على شرائه. ولكن، الحكم النهائيّ سيكون لتلك العلاقة التي تنشأ بين القارئ والنّصّ. إن استطاع النّصّ أن يحاور عقل القارئ وقلبه فسينجح العمل. أمّا في حال توقّف الإعجاب أو الإقبال على المظهر الخارجي للغلاف، أو للفصل الأوّل من الرّواية، دون أن ينجح العمل في شدّ القارئ إليه، بل خلق عنده شعورا بالملل إلى حدّ الغثيان وإهمال العمل، فهذا يعني أنّ هذا العمل غير ناجح. ولكن، كي نطمئن الأدباء والأديبات، هذا الفشل قد لا يدوم، بل يمكن لنفس العمل الذي فشل في فترة زمنيّة ما وفي مكان ما أن يجد جمهورا آخر في زمَكان آخر يحتفي به ويبيّن جماليّته. ما ذكرته هنا، باختصار شديد، حاولتُ تطبيقه على الثلاثيّتين مُبيّنة الاختلاف في ذائقة الجماهير، وبالتّالي الاختلاف في تأويل النّصّ الأدبيّ.
أنتِ معنيّة بدراسة الأدب العربيّ الحديث من المنظور الفلسفيّ، كما تهتمّين بالنظريّات النقديّة الغربيّة. هل من شرح يُبسّط ذلك؟
– حسنًا أنّك قلت "من المنظور الفلسفي"، لأنّ الفلسفة، منذ أيّام أفلاطون وأرسطو اللذين أثّرا بشكل خاصّ على الفكر العربي-الإسلامي في العصر العبّاسي، تضمّ كافّة المجالات الفكريّة والعلميّة، بما في ذلك الأدب والتنظير للأدب. لذلك، أنا أريد إعادة هذا التوجّه في دراسة النّصوص الأدبيّة، ولكن من منظور الفلسفة الغربيّة. أمّا بالنّسبة للفلسفة الإسلاميّة-العربيّة فلها حيّز خاصّ وهامّ ضمن دراساتي، وقد نُشِرَ لي مقالان حتى الآن في هذا المجال. الفلسفة الغربيّة، وأقصد هنا على الأخصّ الفلسفة الألمانيّة بالدّرجة الأولى ومن ثمّ الفلسفة الفرنسيّة، هما المؤسِّستان الحديثتان لكلّ النظريّات النّقديّة الحديثة. لذلك، فإنّ النظريات النقديّة، وكذلك المذاهب الأدبيّة المختلفة، هي حصيلة التفكير الفلسفي الغربي. ونحن كعرب قد تأثّرنا بهذه التوجّهات، ولو جاء هذا التأثّر سطحيّا لدى العامّة، فقد أثّر على بعض الكتّاب بشكل كبير. وأكبر مثال على ذلك نجيب محفوظ الذي درس الفلسفة حتى درجة الماجستير لكن دون أن يقدّم رسالة الماجستير، بل فضّل تكريس وقته للكتابة الأدبيّة. تأثير دراسة نجيب محفوظ للفلسفة واضح في نصوصه الأدبيّة، وقد كتبتُ عن ذلك مقالين بالإنجليزيّة، نشر أحدهما والثاني قُبِل للنشر، وأنا بصدد كتابة مقال آخر يقدّم تفسيرا من منظور "سيكو-فلسفيّ" (psycho-philosophical interpretation) لقضية معيّنة تتكرّر عند محفوظ، لكنّني لن أتوسّع الآن بالكلام عنها. إذن، ما أريد قوله، إنّ الفلسفة تفتح المجال لكافّة التوجّهات، إن كانت اجتماعيّة أو أيديولوجيّة أو سياسيّة أو لها علاقة بعلم النفس، وتسهِّل بالتّالي، في تصوّري، عمليّة فهم النّصّ. دراستي للفلسفة حتى درجة الماجستير بامتياز تُسهِّل عليّ عمليّة تأويل النّصوص. ولكن، لا يجب أن نستنتج من ذلك أنّني أقحم التفسير الفلسفي على النّصوص، لأنّ ذلك له مفعول عكسيّ. عندما أقرأ نصّا ما لا أعرف مُسبقًا ما التوجّه الفلسفيّ الذي يناسبه. فأنا أستسلم للنصّ وأجعله يحاورني وهو الذي يوجّهني نحو التوجّه الفلسفي الذي يلائمه. هذا يعني أنّ طبيعة العمل الخاصّة هي التي تتحكّم بالنظرية النقديّة أو بالتوجّه الفلسفيّ. طبعًا هذا الكلام صحيح بشرط أن يكون القارئ/ة عنده من المخزون الثقافي ما يخوّله لذلك. من ناحية أخرى، بقيت الفلسفة، خاصّة في الكتابات العربيّة، منعزلة عن النّصوص الأدبيّة زمنًا طويلا، وكأنّهما مجالان لا يأتلفان، فصارت الفلسفة من نصيب فريق يعتمد على المنطق، والأدب والفنّ من نصيب مَن يعتمد على المشاعر والخيال. هذا الأمر غير سليم، لأنّ الإنسان بطبيعته عقل وشعور معًا. من هنا أرى في كتاباتي محاولة متواضعة لتقريب المفاهيم الفلسفيّة الغامضة والصّعبة عن طريق تطبيقها على نماذج أدبيّة. هكذا أجمع بين العقل والخيال. كما أعطي تبريرًا منطقيّا لضرورة وجود الأعمال الأدبيّة في عصر باتت هذه الصّنعة لا لزوم لها، أو فقدت تاريخ صلاحيّتها.
ما هي في رأيكِ أهم المقالات التي نُشِرت لكِ، سواء باللّغة العربيّة أو الإنجليزيّة في بعض المجلات الأدبيّة المحكّمة؟
– أهمّ مقالاتي هي التي لم تُُكتَب بعد. هكذا سيكون الوضع دائمًا. صحيح أنّني أكتب الدراسات النّقديّة، في مجاليّ الفلسفة الإسلاميّة-العربيّة والأدب، لكنّني أشعر وأنا أكتب كأنّني أربّي طفلا له شخصيّته المتميّزة، ولذلك أرفض التّمييز بين "أطفالي"، لأنّ علاقة وجدانيّة تربطني مع ما أكتب. من ناحية ثانية، أكون في حالة خوف على "طفلي" حين أرسله إلى مجلّة ما للتحكيم، ولا ينتهي هذا الخوف بعد أن أطمئنّ لقبوله، بل تخفّ درجة القلق عليه فحسب إلى أن يُنشَر. لذلك، أعيش حالة من الترقّب المستمرّ بمستقبل "مقالاتي الأطفال"، فأفكر بما لا يزال قيد التحكيم، أو قُبِل ولم يُنشَر بعد. لي، حتى هذه اللحظة، عشر مقالات قد نُشرَت أو قُبِلت للنشر بالعربيّة أو بالإنجليزيّة في المجلات الأدبيّة المحكّمة.
كيف تنظرين إلى حركة الرّواية في العالم العربيّ وما هو رأيك بنفس الحركة على الصّعيد المحلّي؟
– أنا لا أحبّ الفصل بين ما يُكتب في العالم العربي وما يكتب في البلاد. فالأدب الجميل الرّاقي وطنه الكون. المشكلة اليوم في كلّ ما يُنشَر من روايات ومجموعات قصصيّة وغير ذلك أنّها كثيرة إلى حدّ أنّ الجيّد قد يضيع مع الكمّ الهائل ممّا لا يستحقّ النّشر. لن أتكلّم عن "حركة الرّواية" فهذا يحتاج إلى دراسة متعمّقة وجدّيّة. لكنّني أقول بأنّ العمل الأدبيّ الجيّد الجذاب الذي يخاطب عقلك ووجدانك قليل في أيّامنا. فقد تعجبك رواية بفكرتها أو موضوعها، لكنّها تزعجك بضحالة اللغة أو بالأخطاء المطبعيّة فيها. وقد تجد رواية تتميّز بلغة راقية، لكنّها تكاد تفتقر إلى الموضوع الذي يستفزّك ويشدّك، فهي لا تتعدّى أن تكون لوحة بألوان متناغمة. في تصوّري الجمهور "جائع" كي يقرأ رواية فيها ما يحرّكه فكريّا، ويلهبه وجدانيّا، ويسحره خياليّا، ويشدّه لغويّا. لا أعتقد بأنّ الجمهور يُعجَب أو يُقبِل على الرّوايات أو القصص أو القصائد الغارقة في عالم الذّات دون "الحَدَث" أو المليئة ب"الهلوسات الفكريّة". فهو يريد أيضا أن يتمتّع بالنصّ، بمعنى أن يجرّب الدخول في تجربة روحيّة شبيهة بالحلول الصّوفيّ، وأن يجرّب ما هو غريب مثل "أليس في بلاد العجائب"، وأن يُستفزّ فكريّا ووجوديّا بكلّ تناقضات الوجود الإنسانيّ كما في "الأخوة كارامازوف"، وأن يعيش السّحر وعالم الفانتازيا كما في "ألف ليلة وليلة"، وأن يشعر بالقهر وألم الظّلم ومعاناة المقهور كما في عالم القصّة عند زكريّا تامر. أيّ عمل فنيّ ناجح لا بدّ أن تجد فيه هذه "الخلطة السّحريّة" التي ستجعله خالدًا بسبب رقيّه وصدقه.
نلاحظ أن هناك في الفترة الأخيرة اهتمامًا باللّغة العربيّة عربيّا وعالميّا، وقد انعكس ذلك بأن خصّص اليونسكو يومًا للاحتفاء بهذه اللّغة.. هل أثّر هذا الأمر إيجابيّا على ازدياد عدد الطّلاّب الرّاغبين بدراسة اللّغة العربيّة وآدابها في جامعة حيفا حيث تعملين وفي الجامعات المحليّة عمومًا؟
– أنا لم أقم بدراسة أحصي فيها ازدياد الإقبال أو تدنّيه على دراسة اللغة العربيّة وآدابها. لذلك فكلامي هو مجرّد انطباع ذاتيّ. أوّلا لا أعرف إن كان تخصيص اليونيسكو ليوم من أجل الاحتفاء باللغة العربيّة ينبع من تقدير لهذه اللغة، أم هو خوف من أن تنقرض اللغة العربيّة بعد سنوات، فأغلب العرب لا يتقنون لغتهم، أم بسبب أحداث 11 سبتمبر التي جعلت الجامعات الأمريكيّة تهتمّ بتدريس اللغة العربيّة من وجهة نظر فوقيّة أو من باب اكتشاف "العدوّ". لذلك لا أشعر بالتفاؤل ولا أرى ازديادا في نسبة إقبال الطلاب والطالبات على دراسة اللغة العربيّة. فما هو موجود اليوم في مدارسنا ينسحب كذلك على الجامعات والكليّات. وللأسف الشّديد بات عشق اللغة العربيّة أمرًا نادرًا، أمّا التمسّك بلغة عربيّة نقيّة من الشّوائب والأخطاء فهو يكاد يكون غير موجود. كلامي هذا ينطبق أيضا على اللغة كما تمارس في الدّول العربيّة. صار التكلّم باللغة العربيّة يعتبر نقصا في الثقافة، أمّا مَن يعرف بضع كلمات بلغة أجنبيّة يتباهى بها وينطقها "على الطالعة والنازلة" فهو المثقف المطّلع!