صوت الثورة وشاعر المخيم والحنين الفلسطيني يرحل عنا بعيداً
تاريخ النشر: 03/03/14 | 0:24فقدت الحياة الثقافية والغنائية الفنان والشاعر الشعبي الفلسطيني إبراهيم محمد صالح المعروف بـ"أبو عرب"، أحد ثوار الكلمة الذي أحب الناس والوطن حتى درجة العشق، وكان قريباً من الهموم والجراح والعذابات الفلسطينية، الذي ارتحل أمس في مدينة حمص السورية، بعيداً عن وطنه، بعد صراع مع المرض.
أبو عرب هو شاعر الحنين والوطن والثورة والمخيم الفلسطيني، وصاحب الصوت الجهوري الرخيم والحنون، الذي طالما شنّف آذاننا بأهازيجه الشعبية والوطنية والثورية وأغانيه التراثية والفولكلورية ذات النكهة الفلسطينية الصميمية المحببة..تلك الأغاني والأهازيج والمواويل والعتابا والشعبيات، التي رددتها الحناجر الفلسطينية في المناسبات الوطنية والكفاحية وأيام الغضب الساطع والانتفاضات الشعبية الفلسطينية والأعراس العامة.
وأبو عرب اللاجئ الفلسطيني، عانق ضوء الحياة في قرية (الشجرة) المهجّرة، التي ولد فيها ايضاّ صديقه وابن عمته رسام الكاريكاتير الفلسطيني الشهير (ناجي العلي)، وشرد منها وهو في السابعة عشرة من عمره الغض إلى لبنان ثم إلى سوريا، حيث استقر وأقام وعاش في مخيمات الفقر واللجوء والبؤس والشقاء الفلسطيني، وذاق طعم الغربة والبعد عن وطنه، واستعر فؤاده بنيران وحرارة الشوق العاصف والحنين الملتهب لتراب وثرى فلسطين الغالي والمقدس، وعبّر عن هذا الوجد والجوى والحنين وألم الغربة والاشتياق في أغانيه الشعبية، التي انتشرت على ألسنة الفلسطينيين في المخيمات والمنافي القسرية.
منذ صغره عشق أبو عرب الغناء وسكنته الكلمة، فغنى وأنشد للثورة والصمود والعودة، وللوطن السليب بكل تجلياته، وهتف للانتفاضة وثورة الحجر، وللشهداء والمخيم، ولغزة هاشم ورام اللـه وكل موقع ومكان في ارض فلسطين. ومن أشهر أغانيه: "سلم على فلسطين "و"راجع ع بلادي"و"لو طال العمر لاجئ" و"ما نسيتك يا دار أهلي" و"ظريف الطول "و"جفرا"والكثير الكثير.
أغاني أبو عرب بمجملها ذات طابع وطني وسياسي وثوري وطبقي إنساني، ومفعمة بروح الحنين للوطن، وروح النضال والتحدي والغضب الثوري، وتحمل بذرة المقاومة، وانطلقت من المأساة الإنسانية الفلسطينية والتجربة النضالية والكفاحية والثورية لشعبنا الفلسطيني.
وما يميز أبو عرب هو عشقه وتعلقه بالأرض الفلسطينية السليبة، بترابها وجبالها ووديانها وصخورها وأشجارها، وتقديسها إلى حد التدله. انه صوت غنائي دائم الاشتعال، مفعم بالحب والإيمان والتحدي والعشق الوطني. فجّر مواهبه وإبداعاته على امتداد الساحة الغنائية والشعبية الفلسطينية، وغنى للكفاح والثورة، فأجاد وجعل القلوب والعيون تبكي وتتطلع إليه، وتذوب وجداً وعشقاً وهياماً وحنينا للجذور، وعندما كان ينساب صوته شجياً صادحاً مليئاً بالشجن والحزن ورنة الأسى، كان يستولى على النفوس ويحتل الأفئدة والعقول.
في العام 2011 وصل أبو عرب ربوع وطنه، الذي احتضنه وعانقه، ووطئت قدماه أرض فلسطين لأول مرة بعد غياب دام 63 عاماً. عاد زائراً ليستنشق رائحة التراب والزعتر والزوفا الفلسطينية، ووقف على أطلال قريته المهجرة ومسقط رأسه "الشجرة"، وتجول في جبال الجليل، وغني على المسرح في رام اللـه وجنين أمام أبناء المناطق الفلسطينية، الذين استقبلوه بالترحاب، وفاضت عيونهم وهم يستمعون إلى أغانيه ومواويله، التي لامست شغاف القلب والروح، ودغدغت المشاعر الفلسطينية.
رحل أبو عرب، ورحلت مع ابتسامته ووداعته، وأبقى وراءه إرثاً غنائياً سيظل خالداً في التاريخ والذاكرة الحية الفلسطينية. فسلاماً عليك يا شاعر المخيم ومنشد الثورة، والرحمة على روحك الطاهرة، التي ستظل تحن وتشتاق لثرى الجليل وزيتون وبرتقال فلسطين.
الله يرحمه