لماذا سأعارض الحكومة؟الحلقة الأولى: حكومة الغضب
تاريخ النشر: 21/04/17 | 5:17وهل هذا الموضوع يهم القارئ؟ الحقيقة أنه لا أدري وذلك لسبب بسيط هو استمرار غياب استطلاعات الرأي التي تعد من أدوات تتبع نفسية ومواقف واتجاهات الرأي الوطني في لحظة معينة… لكن الظاهر للعيان هو غضب الكثيرين من طريقة تأسيس الحكومة بعد إعفاء الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبدالإله بنكيران، وتعويضه برئيس المجلس الوطني للحزب، سعد الدين العثماني، الذي شكل في أيام حكومة رضخت لكل المطالب التي أدت للبلوكاج من ضمنها قبول دخول الاتحاد الاشتراكي وتوزيع الحقائب بعيدا عن نتائج الانتخابات ودخول “خدام الدولة” الذين كانوا في الصفوف الأمامية لمواجهة حزب العدالة والتنمية.
نعم، الغضب يعم كل الإطارات الحزبية المشاركة في الحكومة لكن لأسباب مختلفة… فقطاع كبير داخل البيجيدي لم يهضم بعد ما وقع لزعيمه عبدالإله بنكيران وما زالت الدهشة هي السمة الرئيسية التي تحدد غضبه ومواقفه، مما وقع ويقع وسيقع، دون الهداية لصياغة موقف عام وعملي من المرحلة وكيفية التعامل مع حكومة يقودها الحزب دون التحكم في مفاصلها… هذا النوع من الغضب يتقاطع مع غضب شعبي من طريقة نهاية البلوكاج وتعامل قادة وأطر الحزب مع أحداثه المعروفة… هذا الغضب يمكن أن تنتج عنه تقاطبات حقيقية ما بين الديمقراطيين الحقيقيين والمنبطحين للتحكم…
أما الأحزاب الأخرى، منها الإدارية وأيضا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فالغضب آتي من طريقة استوزار البعض على حساب البعض الآخر، خاصة استمرار تلوين وزراء بيافطات حزبية هم بعيدين عنها وترك على الهامش أطر “ناضلت” لسنين عديدة في أحزابها منتظرة فرصة تقلد مسؤولية إدارية رفيعة… يمكن اعتبار هذا النوع من الغضب ظرفي سينمحي مع الوقت ومع التلويح بإمكانية استفادة الأطر الحزبية من ثمرات المشاركة في الحكومة وما ستمنحه من مواقع جديدة في الدواوين والسفارات والعمالات… لكن المتتبع والقارئ لما بين السطور سيلاحظ أن هذا الغضب جزء من تناقضات عميقة داخل بعض مؤسسات الدولة وداخل أحزابها التي توجد في وضع تنظيمي وتدبيري وانتخابي سيئ وأن التوترات الداخلية هي جزء من أزمة النخب الحاكمة…
حتى الحزب الوحيد المعارض، على الورق، لحكومة الماء والمياه، وهنا أتحدث عن حزب الأصالة والمعاصرة، فوضعه الصعب لا يخفى عن الجميع… هذا الحزب الذي حاز على أصوات مرتفعة ومقاعد برلمانية كثيرة على خلاف كل الأحزاب الإدارية المشاركة في الحكومة وأيضا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يعيش على وقع أزمة هويته ودوره في المشهد السياسي… فإن كان إلى الأمس هو الحزب الذي يمثل الوجه البارز لمعارضة الإسلاميين فغداة السابع من أكتوبر 2017، أصبح حزب الأحرار وقائده الجديد، عزيز أخنوش، محط اهتمام الرأي العام والقائد الفعلي لسياسة الدولة في معارضة ومعاكسة الحزب الإسلامي الرئيس، حزب العدالة والتنمية…
التناقض الأول الذي يوجد فيه هذا الحزب هو صعوبة تفسير دوره المعارض للحكومة في الوقت الذي مكنت أصواته المائة واثنين من حسم مقعد رئاسة البرلمان لصالح مرشح حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وامتناع الحزب الذي يقود الحكومة الحالية من التصويت لصالح هذا المرشح… كيف لهذا الحزب تفسير كونه يعارض الحكومة وهو جزء من الأغلبية البرلمانية التي بوأت، الحبيب المالكي، رئاسة البرلمان.. التناقض الثاني يكمن في صعوبة معارضة حكومة مشكلة من أحزاب وشخصيات قريبة من حزب الأصالة والمعاصرة، ويدافع عن بعضها بقوة كما هو الحال مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية…
الحقيقة أن كل هذه القرارات المتناقضة، من بروز عزيز أخنوش ومشروعه “أغاراس أغاراس” وتصويت الحزب لصالح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وفي نفس الوقت توجه الحزب لمعارضة حكومة فيها وزراء “اشتراكيين”، علامات فاصلة لتناقضات كبرى داخل بعض أجنحة السلطة وغياب الرؤية واتخاذ قرارات تجيب على اللحظة دون نفس استراتيجي… وأخال الكثير من أطر حزب الأصالة والمعاصرة يطرحون الأسئلة المؤرقة: ما دمنا نتوفر على أكبر حزب انتخابي من بعد العدالة والتنمية، فلماذا لا نستفيد من هذا الوضع ونحتل الموقع الذي يناسبنا داخل البرلمان والحكومة؟ وهل دورنا هو إطفاء الحرائق وخدمة الآخرين؟ وكيف لأحزاب صغرى مثل الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية يحتلون مواقع متقدمة في البرلمان والحكومة ونحن مطالبون بانتظار خمس سنوات “عجاف” دون أن نكون متيقنين أن وضعنا الحالي سيؤول لحزب الأحرار…
هناك الغضب الذي يعم الجميع بدون استثناء وهناك التناقض والصراع والتجاذب داخل المجتمع وداخل كل حزب وداخل السلطة… هذه كلها إفرازات لوضع سياسي هيكلي، لا يطاق منذ الاستقلال إلى الربيع المغربي لحركة 20 فبراير، سمتها الرئيسية رغبة شعب في الحرية والعدالة والديمقراطية والكرامة والتوزيع العادل للخيرات ورغبة نخبة حاكمة في الاستمرار في التحكم في كل مقاليد الدولة والمؤسسات والمجالس خدمة لمصالحها الفئوية والريعية والسلطوية بعيدا عن كل محاسبة ومراقبة من طرف الشعب… هذا هو التناقض الرئيس الذي يحرك الجميع ويحدد سياسات ومواقف هذا الطرف وذاك… اليوم، نحن في مفترق طرق جديد، الشعب يتابع لحظة بلحظة، ما سيفرزه الوضع الراهن من تجاذب وتقاطب حزبي وفكري ونضالي داعم لهذا الاتجاه أو ذاك وسيقول كلمته في الوقت المناسب كما عودنا على ذلك منذ انتفاضة 23 مارس 1965 إلى حراك 20 فبراير 2011 …
ستقولون : لم تحدثنا قط عن أسباب معارضتك لهذه الحكومة؟ معكم الحق، ذلك ما سنتناوله في الحلقة الثانية من مقال لاحق بالتفصيل رغم أن ما جاء في هذا المقال إشارات دالة على توجهي المعارض وسنختم الموضوع بمقال ثالث سيكون موضوعه هو ما موقع الفاعلين والشعب من وضوح “الرؤية” وصلابة “الجرأة” في التعبير عن المواقف والانخراط في المعارك دفاعا عنها… للحديث بقية…
بقلم: عبدالحق الريكي