قصة إسلام عمر بن الخطاب
تاريخ النشر: 03/05/17 | 0:22إنَّ علماء السير والتاريخ على اختلافٍ كبيرٍ في صحَّة الروايات التي ذكرت قصَّة إسلام عمر؛ لذلك أُحب أن أقف وقفةً مع بعض هذه الروايات قبل أن أذكر التحليلات المهمَّة المبنيَّة على هذا القصَّة المؤثِّرة. من هذه الروايات ما رواه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه معرفة الصحابة بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال أبو نعيم: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ عَنْ إِسْلَامِهِ، قَالَ: «خَرَجْتُ بَعْدَ إِسْلَامِ حَمْزَةَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ الْمَخْزُومِيُّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَرَغِبْتَ عَنْ دِينِ آبَائِكَ وَاتَّبَعْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ عَلَيْكَ حَقًّا مِنِّي. قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ وَخَتَنُكَ[1]. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَوَجَدْتُ الْبَابَ مُغْلَقًا، وَسَمِعْتُ هَمْهَمَةً، قَالَ: فَفُتِحَ لِي الْبَابَ فَدَخَلْتُ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُهُ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا. فَمَا زَالَ الْكَلَامُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، حَتَّى أَخَذْتُ بِرَأْسِ خَتَنِي فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً فَأَدْمَيْتُهُ، فَقَامَتْ إِلَيَّ أُخْتِي فَأَخَذَتْ بِرَأْسِي، فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِكَ. قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ حِينَ رَأَيْتُ الدِّمَاءَ، فَجَلَسْتُ وَقُلْتُ: أَرُونِي هَذَا الْكِتَابَ. فَقَالَتْ أُخْتِي: إِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونِ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقُمْ فَاغْتَسِلْ. قَالَ: فَقُمْتُ فَاغْتَسَلْتُ وَجِئْتُ فَجَلَسْتُ، فَأَخْرَجُوا إِلَيَّ صَحِيفَةً فِيهَا: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». قُلْتُ: أَسْمَاءٌ طَاهِرَةٌ طَيِّبَةٌ: ﴿طَهَ * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه: 1، 2] إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: 8] فَتَعَظَّمَتْ فِي صَدْرِي، وَقُلْتُ: مِنْ هَذَا فَرَّتْ قُرَيْشٌ؟ ثُمَّ شُرِحَ صَدْرِي لِلإِسْلَامِ، فَقُلْتُ: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: 8]، قَالَ: فَمَا فِي الأَرْضِ نَسَمَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: أَيْنَ رَسُولُ اللهِ؟ قَالَتْ: عَلَيْكَ عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا تَهْجُهْ بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ. قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَإِنَّهُ فِي دَارِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ فِي دَارٍ عِنْدَ الصَّفَا. فَأَتَيْتُ الدَّارَ فَأَسْلَمْتُ». الْحَدِيثُ بِطُولِهِ[2]. ورواية ثانية رواها البيهقي في دلائل النبوَّة بسنده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: قال البيهقي: أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّزَّازُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْمُنَادِي، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ يَعْنِي الأَزْرَقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «خَرَجَ عُمَرُ مُتَقَلِّدًا السَّيْفَ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَعَمِدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ مُحَمَّدًا! قَالَ: وَكَيْفَ تَأْمَنُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي زُهْرَةَ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاكَ إِلَّا قَدْ صَبَوْتَ وَتَرَكْتَ دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ. قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى الْعَجَبِ إِنَّ خَتَنَكَ وَأُخْتَكَ قَدْ صَبَوَا وَتَرَكَا دِينَكَ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَمَشَى عُمَرُ ذَامِرًا[3] حَتَّى أَتَاهُمَا، وَعِنْدَهُمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ لَهُ خَبَّابٌ، قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ بِحِسِّ عُمَرَ تَوَارَى فِي الْبَيْتِ فَدَخَلَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ[4] الَّتِي سَمِعْتُهَا عِنْدَكُمْ؟ قَالَ: وَكَانُوا يَقْرَءُونَ: ﴿طه﴾. فَقَالَا: مَا عَدَا حَدِيثًا تَحَدَّثْنَاهُ بَيْنَنَا. قَالَ: فَلَعَلَّكُمَا قَدْ صَبَوْتُمَا؟ فَقَالَ لَهُ خَتَنُهُ: يَا عُمَرُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ؟ قَالَ: فَوَثَبَ عُمَرُ عَلَى خَتَنِهِ، فَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا. قَالَ: فَجَاءَتْ أُخْتُهُ لِتَدْفَعَهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَنَفَحَهَا نَفْحَةً بِيَدِهِ فَدَمِيَ وَجْهُهَا، فَقَالَتْ وَهِيَ غَضْبَى: وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ فِي غَيْرِ دِينِكَ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَعْطُونِي الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ عِنْدَكُمْ فَأَقْرَأَهُ -قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ يَقْرَأُ الْكُتُبَ- فَقَالَتْ أُخْتُهُ: إِنَّكَ رِجْسٌ، وَإِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَقُمْ فَاغْتَسِلْ أَوْ تَوَضَّأْ. قَالَ: فَقَامَ عُمَرُ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ أَخَذَ الْكِتَابَ فَقَرَأَ: ﴿طه﴾، حَتَّى انْتَهَى إِلَى: ﴿إِنَّنِي أَنَا اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه: 14]. قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: دُلُّونِي عَلَى مُحَمَّدٍ. فَلَمَّا سَمِعَ خَبَّابٌ قَوْلَ عُمَرَ، خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا عُمَرُ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْخَمِيسِ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ». وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فِي الدَّارِ الَّتِي فِي أَصْلِ الصَّفَا. قَالَ: فَانْطَلَقَ عُمَرُ، حَتَّى أَتَى الدَّارَ وَعَلَى بَابِ الدَّارِ: حَمْزَةُ وَطَلْحَةُ، ونَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا رَأَى حَمْزَةُ وَجَلَ الْقَوْمِ مِنْ عُمَرَ فَقَالَ حَمْزَةُ: هَذَا عُمَرُ إِنْ يُرِدِ اللهُ بِعُمَرَ خَيْرًا يُسْلِمْ فَيَتْبَعِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَإِنْ يُرِدْ غَيْرَ ذَلِكَ يَكُنْ قَتْلُهُ عَلَيْنَا هَيِّنًا. قَالَ: وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دَاخِلٌ يُوحَى إِلَيْهِ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثَوْبِهِ وَحَمَائِلِ السَّيْفِ، فَقَالَ: «مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ حَتَّى يُنْزِلَ اللهُ عز وجل بِكَ مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ مَا أَنْزَلَ بِالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ؟ فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ -أَوِ الدِّينَ- بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ». فَقَالَ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا اللهُ وَأَنَّكَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. وَأَسْلَمَ وَقَالَ: اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللهِ»[5]. ورواية ثالثة رواها البزار في مسنده بسنده إلى أسلم مولى عمر. قال البزار: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رِزْقِ اللهِ، قَالَا: نا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «أَتُحِبُّونَ أَنْ أُعْلِمَكُمْ، أَوَّلَ إِسْلَامِي؟ قَالَ: قُلْنَا: نَعَمْ. قَالَ: كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَا أَنَا فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْحَرِّ فِي بَعْضِ طُرُقِ مَكَّةَ إِذْ رَآنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ قُلْتُ: أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ، فَقَالَ: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ دَخَلَ عَلَيْكَ هَذَا الأَمْرُ فِي مَنْزِلِكَ وَأَنْتَ تَقُولُ هَكَذَا. فَقُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ أُخْتَكَ قَدْ ذَهَبَتْ إِلَيْهِ. قَالَ: فَرَجَعْتُ مُغْتَضِبًا حَتَّى قَرَعْتُ عَلَيْهَا الْبَابَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَسْلَمَ بَعْضُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ ضَمَّ الرَّجُلَ وَالرَّجُلَيْنِ إِلَى الرَّجُلِ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ ضَمَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى زَوْجِ أُخْتِي، قَالَ: فَقَرَعْتُ الْبَابَ، فَقِيلَ لِي: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: أَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. وَقَدْ كَانُوا يَقْرَءُونَ كِتَابًا فِي أَيْدِيهِمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتِي قَامُوا حَتَّى اخْتَبَئُوا فِي مَكَانٍ وَتَرَكُوا الْكِتَابَ، فَلَمَّا فَتَحَتْ لِي أُخْتِيَ الْبَابَ قُلْتُ: أَيَا عَدُوَّةَ نَفْسِهَا أَصَبَوْتِ؟ قَالَ: وَأَرْفَعُ شَيْئًا فَأَضْرِبُ بِهِ عَلَى رَأْسِهَا، فَبَكَتِ الْمَرْأَةُ وَقَالَتْ لِي: يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اصْنَعْ مَا كُنْتَ صَانِعًا فَقَدْ أَسْلَمْتُ. فَذَهَبْتُ فَجَلَسْتُ عَلَى السَّرِيرِ فَإِذَا بِصَحِيفَةٍ وَسَطَ الْبَابِ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الصَّحِيفَةُ هَا هُنَا؟ فَقَالَتْ لِي: دَعْنَا عَنْكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَإِنَّكَ لَا تَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَلَا تَتَطَهَّرُ، وَهَذَا لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. فَمَا زِلْتُ بِهَا حَتَّى أَعْطَتْنِيهَا فَإِذَا فِيهَا: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فَلَمَّا قَرَأْتُ ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ تَذَكَّرْتُ مِنْ أَيْنَ اشْتُقَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى نَفْسِي فَقَرَأْتُ فِي الصَّحِيفَةِ: ﴿سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فَكُلَّمَا مَرَرْتُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ ذَكَرْتُ اللهَ، فَأَلْقَيْتُ الصَّحِيفَةَ مِنْ يَدِي. قَالَ: ثُمَّ أَرْجِعُ إِلَى نَفْسِي فَأَقْرَأُ فِيهَا: ﴿سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ حَتَّى بَلَغَ: ﴿آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: 7] قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَخَرَجَ الْقَوْمُ مُبَادِرِينَ فَكَبَّرُوا اسْتَبْشَارًا بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالُوا لِي: أَبْشِرْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَعَا يَوْمَ الاِثْنَيْنِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الدِّينَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، إِمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَإِمَّا أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ». وَأَنَا أَرْجُو أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَكَ. فَقُلْتُ: دُلُّونِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ هُوَ؟ فَلَمَّا عَرَفُوا الصِّدْقَ مِنِّي دَلُّونِي عَلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَجِئْتُ حَتَّى قَرَعْتُ الْبَابَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -وَقَدْ عَلِمُوا شِدَّتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي- فَمَا اجْتَرَأَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَفْتَحَ لِي حَتَّى قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «افْتَحُوا لَهُ فَإِنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يَهْدِهِ». قَالَ: فَفُتِحَ لِي الْبَابُ، فَأَخَذَ رَجُلَانِ بِعَضُدِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْسِلُوهُ». فَأَرْسَلُونِي، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ قَمِيصِي ثُمَّ قَالَ: «أَسْلِمْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اللَّهُمَّ اهْدِهِ». فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللهِ. قَالَ: فَكَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ تَكْبِيرَةً سُمِعَتْ فِيَ طُرُقِ مَكَّةَ. قَالَ: وَقَدْ كَانُوا سَبْعِينَ قَبْلَ ذَلِكَ وَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَسْلَمَ فَعَلِمَ بِهِ النَّاسُ يَضْرِبُونَهُ وَيَضْرِبُهُمْ، قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى رَجُلٍ فَقَرَعْتُ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. فَخَرَجَ إِلَيَّ فَقُلْتُ لَهُ: أَعَلِمْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ قَالَ: أَوَ فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ. قَالَ: وَدَخَلَ الْبَيْتَ فَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي، قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى رَجُلٍ آخَرَ مِنْ قُرَيْشٍ فَنَادَيْتُهُ فَخَرَجَ فَقُلْتُ لَهُ: أَعَلِمْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ فَقَالَ: أَوَ فَعَلْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ. وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَأَجَافَ الْبَابَ دُونِي، فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ؟ قَالَ: فَإِذَا أَنَا لَا أُضْرَبُ وَلَا يُقَالُ لِي شَيْءٌ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَتُحِبُّ أَنْ يُعْلَمَ إِسْلَامُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: إِذَا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ فَأْتِ فُلَانًا فَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ: أَشَعَرْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ. فَإِنَّهُ قَلَّ مَا يَكْتُمُ الشَّيْءَ. فَجِئْتُ إِلَيْهِ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ، فَقُلْتُ لَهُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ: أَشَعَرْتَ أَنِّي قَدْ صَبَوْتُ؟ قَالَ: فَقَالَ: أَفَعَلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا إِنَّ عُمَرَ قَدْ صَبَا. قَالَ: فَثَارَ إِلَيَّ أُولَئِكَ النَّاسُ فَمَا زَالُوا يَضْرِبُونِي وَأَضْرِبُهُمْ حَتَّى أَتَى خَالِي فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عُمَرَ قَدْ صَبَا. فَقَامَ عَلَى الْحِجْرِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَلَا إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أُخْتِي فَلَا يَمَسُّهُ أَحَدٌ. قَالَ: فَانْكَشَفُوا عَنِّي فَكُنْتُ لَا أَشَاءُ أَنْ أَرَى أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ يُضْرَبُ إِلَّا رَأَيْتُهُ فَقُلْتُ: مَا هَذَا بِشَيْءٍ، إِنَّ النَّاسَ يُضْرَبُونَ وَأَنَا لَا أُضْرَبُ، وَلَا يُقَالُ لِي شَيْءٌ! فَلَمَّا جَلَسَ النَّاسُ فِي الْحِجْرِ جِئْتُ إِلَى خَالِي فَقُلْتُ: اسْمَعْ، جِوَارُكَ عَلَيْكَ رَدٌّ. قَالَ: لَا تَفْعَلْ. قَالَ: فَأَبَيْتُ فَمَا زِلْتُ أُضْرَبُ وَأَضْرِبُ حَتَّى أَظْهَرَ اللهُ الإِسْلَامَ». وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عُمَرَ إِلَّا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيُّ، وَلَا نَعْلَمُ يُرْوَى فِي قِصَّةِ إِسْلَامِ عُمَرَ إِسْنَادٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الإِسْنَادِ، عَلَى أَنَّ الْحُنَيْنِيَّ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ خَرَجَ عَنِ الْمَدِينَةِ فَكُفَّ وَاضْطَرَبَ حَدِيثُهُ[6]. ورواية رابعة رواها ابن إسحاق في مغازيه دون سند: قال ابن إسحاق: وَكَانَ إسْلَامُ عُمَرَ فِيمَا بَلَغَنِي أَنَّ أُخْتَهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْخَطَّابِ، وَكَانَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ وَأَسْلَمَ بَعْلُهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُمَا مُسْتَخْفِيَانِ بِإِسْلَامِهِمَا مِنْ عُمَرَ، وَكَانَ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ النَّحَّامُ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمَ، وَكَانَ أَيْضًا يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِ فَرَقًا مِنْ قَوْمِهِ، وَكَانَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ يَخْتَلِفُ إلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ الْخَطَّابِ يُقْرِئُهَا الْقُرْآنَ، فَخَرَجَ عُمَرُ يَوْمًا مُتَوَشِّحًا سَيْفَهُ يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَهْطًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ ذُكِرُوا لَهُ أَنَّهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا، وَهُمْ قَرِيبٌ مِنْ أَرْبَعِينَ مَا بَيْنَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ، وَمَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَمُّهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ الصِّدِّيقُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فِي رِجَالٍ مِنَ المُسْلِمِينَ رضي الله عنهم، مِمَّنْ كَانَ أَقَامَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، وَلَمْ يَخْرَجْ فِيمَنْ خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَقِيَهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ مُحَمَّدًا هَذَا الصَّابِئَ، الَّذِي فَرَّقَ أَمْرَ قُرَيْشٍ، وَسَفَّهُ أَحْلَامَهَا، وَعَابَ دِينَهَا، وَسَبَّ آلِهَتَهَا، فَأَقْتُلَهُ. فَقَالَ لَهُ نُعَيْمٌ: وَاللهِ لَقَدْ غَرَّتْكَ نَفْسُكَ مِنْ نَفْسِكَ يَا عُمَرُ، أَتَرَى بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ تَارِكِيكَ تَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَقَدْ قَتَلْتَ مُحَمَّدًا! أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى أَهْلِ بَيْتِكَ فَتُقِيمَ أَمْرَهُمْ؟ قَالَ: وَأَيُّ أَهْلِ بَيْتِي؟ قَالَ: خَتَنُكَ وَابْنُ عَمِّكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَأُخْتُكَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ، فَقَدْ وَاللَّهِ أَسْلَمَا، وَتَابَعَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ، فَعَلَيْكَ بِهِمَا. قَالَ: فَرَجَعَ عُمَرُ عَامِدًا إلَى أُخْتِهِ وَخَتَنِهِ، وَعِنْدَهُمَا خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ مَعَهُ صَحِيفَةٌ، فِيهَا: ﴿طه﴾ يُقْرِئُهُمَا إيَّاهَا، فَلَمَّا سَمِعُوا حِسَّ عُمَرَ، تَغَيَّبْ خَبَّابٌ فِي مِخْدَعٍ لَهُمْ، أَوْ فِي بَعْضِ الْبَيْتِ، وَأَخَذَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ الصَّحِيفَةَ فَجَعَلَتْهَا تَحْتَ فَخِذِهَا، وَقْدَ سَمِعَ عُمَرُ حِينَ دَنَا إلَى الْبَيْتِ قِرَاءَةَ خَبَّابٍ عَلَيْهِمَا، فَلَمَّا دَخَلَ قَالَ: مَا هَذِهِ الْهَيْنَمَةُ الَّتِي سَمِعْتُ؟ قَالَا لَهُ: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا. قَالَ: بَلَى وَاللَّهِ، لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكُمَا تَابَعْتُمَا مُحَمَّدًا عَلَى دِينِهِ. وَبَطَشَ بِخَتَنِهِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَقَامَتْ إلَيْهِ أُخْتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ لَتَكُفَّهُ عَنْ زَوْجِهَا، فَضَرَبَهَا فَشَجَّهَا، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ وَخَتَنُهُ: نَعَمْ قَدْ أَسْلَمْنَا وَآمَنَّا بِاللهِ وَرَسُولِهِ، فَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ. فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ مَا بِأُخْتِهِ مِنَ الدَّمِ نَدِمَ عَلَى مَا صَنَعَ، فَارْعَوى[7]، وَقَالَ لأُخْتِهِ: أَعْطِينِي هَذِهِ الصَّحِيفَةَ الَّتِي سَمِعْتُكُمْ تَقْرَءُونَ آنِفًا أَنْظُرْ مَا هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ. وَكَانَ عُمَرُ كَاتِبًا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، قَالَتْ لَهُ أُخْتُهُ: إنَّا نَخْشَاكَ عَلَيْهَا. قَالَ: لَا تَخَافِي. وَحَلَفَ لَهَا بِآلِهَتِهِ لَيَرُدَّنَّهَا إذَا قَرَأَهَا إلَيْهَا، فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ، طَمِعَتْ فِي إسْلَامِهِ، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَخِي، إنَّكَ نَجِسٌ، عَلَى شِرْكِكَ، وَإِنَّهُ لَا يَمَسُّهَا إلَّا الطَّاهِرُ. فَقَامَ عُمَرُ فَاغْتَسَلَ، فَأَعْطَتْهُ الصَّحِيفَةَ، وَفِيهَا: ﴿طه﴾. فَقَرَأَهَا، فَلَمَّا قَرَأَ مِنْهَا صَدْرًا، قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَكْرَمَهُ! فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ خَبَّابٌ خَرَجَ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُمَرُ، وَاللَّهِ إنِّي لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ خَصَّكَ بِدَعْوَةِ نَبِيَّهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ أَمْسَ وَهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَيِّدِ الإِسْلَامَ بِأَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ». فالله اللهَ يَا عُمَرُ. فَقَالَ لَهُ عِنْدَ ذَلِكَ عُمَرُ: فَدُلَّنِي يَا خَبَّابُ عَلَى مُحَمَّدٍ حَتَّى آتِيَهُ فَأُسْلِمَ. فَقَالَ لَهُ خَبَّابٌ: هُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَ الصَّفَا، مَعَهُ فِيهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَتَوَشَّحَهُ، ثُمَّ عَمَدَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ، فَضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَلَمَّا سَمِعُوا صَوْتَهُ، قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَظَرَ مِنْ خَلَلِ الْبَابِ فَرَآهُ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فَزِعٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مُتَوَشِّحًا السَّيْفَ. فَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: فَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْنَاهُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرًّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: “ائْذَنْ لَهُ”. فَأَذِنَ لَهُ الرَّجُلُ، وَنَهَضَ إلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى لَقِيَهُ فِي الْحُجْرَةِ، فَأَخَذَ حُجْزَتَهُ[8]، أَوْ بِمِجْمَعِ رِدَائِهِ، ثُمَّ جَبَذَهُ بِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ يَابْنَ الخَطَّابِ؟ فَوَاللهِ مَا أَرَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَتَّى يُنْزِلَ اللهُ بِكَ قَارِعَةً». فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُكَ لأُومِنَ باللهِ وَبِرَسُولِهِ، وَبِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ. قَالَ: فَكَبَّرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَكْبِيرَةً عَرَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ. فَتَفَرَّقَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَانِهِمْ، وَقَدْ عَزُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ حِينَ أَسْلَمَ عُمَرُ مَعَ إسْلَامِ حَمْزَةَ، وَعَرَفُوا أَنَّهُمَا سَيَمْنَعَانِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَيَنْتَصِفُونَ بِهِمَا مِنْ عَدُوِّهِمْ. فَهَذَا حَدِيثُ الرُّوَاةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ إسْلَامِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ أَسْلَمَ[9]. ورواية خامسة رواها ابن عساكر في تاريخه: قال ابن عساكر: أخبرنا أبو البركات الأنماطي، أنا أبو الفضل بن خيرون، أنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن، أنا أبو جعفر محمد بن عثمان، نا عبد الحميد بن صالح، نا محمد بن أبان، عن إسحاق بن عبد الله، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سألت عمر بن الخطاب: «لأَيِّ شَيْءٍ سُمِّيتَ الْفَارُوقَ؟ قَالَ: أَسْلَمَ حَمْزَةُ قَبْلِي بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ، قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَسْرَعَ أَبُو جَهْلٍ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسُبُّهُ، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ حَمْزَةُ أُخْبِرَ، قَالَ: فَرَفَعَ رِدَاءَهُ وَأَخَذَ قَوْسَهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ إِلَى حَلْقَةِ قُرَيْشٍ الَّتِي فِيهَا أَبُو جَهْلٍ، قَالَ: فَاتَّكَأَ عَلَى قَوْسِهِ مُقَابِلَ أَبِي جَهْلٍ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَعَرَفَ الشَّرَّ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَبَا عُمَارَةَ؟ قَالَ: فَرَفَعَ الْقَوْسَ فَضَرَبَ بِهَا أَخْدَعَيْهِ[10] فَقَطَعَهُ فَسَالَتِ الدِّمَاءُ، قَالَ: فَأَصْلَحَتْ ذَلِكَ قُرَيْشٌ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ قَائِدَةٌ. قَالَ: وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ فِي دَارِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيِّ، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَمْزَةُ مُغْضَبًا حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَخَرَجْتُ بَعْدَهُ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِذَا فُلانُ بْنُ فُلانٍ الْمَخْزُومِيُّ، فَقُلْتُ لَهُ: أَرَغِبْتَ عَنْ دِينِ آبَائِكَ وَاتَّبَعْتَ دِينَ مُحَمَّدٍ؟ قال: إِنْ فَعَلْتُ فَقَدْ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ عَلَيْكَ حَقًّا مِنِّي. قَالَ: قُلْتُ: ومَنْ هُوَ؟ قَالَ: أُخْتُكَ وَخَتَنُكَ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَوَجَدْتُ الْبَابَ مُغْلَقًا، وَسَمِعْتُ هَمْهَمَةً، قَالَ: فَفُتِحَ لِي الْبَابَ فَدَخَلْتُ. فَقُلْتُ: مَا هَذَا الَّذِي أَسْمَعُ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا: مَا سَمِعْتَ شَيْئًا. فَمَا زَالَ الْكَلَامُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، حَتَّى أَخَذْتُ بِرَأْسِ خَتَنِي فَضَرَبْتُهُ ضَرْبَةً فَأَدْمَيْتُهُ، فَقَامَتْ إِلَيَّ أُخْتِي فَأَخَذَتْ بِرَأْسِي، فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِكَ. قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ حِينَ رَأَيْتُ الدِّمَاءَ، فَجَلَسْتُ، وَقُلْتُ: أَرُونِي هَذَا الْكِتَابَ. فَقَالَتْ أُخْتِي: إِنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونِ، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقُمْ فَاغْتَسِلْ. قَالَ: فَقُمْتُ فَاغْتَسَلْتُ وَجِئْتُ فَجَلَسْتُ، فَأَخْرَجُوا إِلَيَّ صَحِيفَةً فِيهَا: «بسم الله الرحمن الرحيم» قُلْتُ: أَسْمَاءٌ طَاهِرَةٌ طَيِّبَةٌ. ﴿طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه: 1-7]، قَالَ: قُلْتُ: بِهَذَا جَاءَ مُوسَى؟ ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: 8]، فَتَعَظَّمَتْ فِي صَدْرِي، وَقُلْتُ: مِنْ هَذَا فَرَّتْ قُرَيْشٌ؟ ثُمَّ شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلإِسْلامِ، فَقُلْتُ: ﴿اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾. قال: فَمَا فِي الْأَرْضِ نَسَمَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قُلْتُ: أَيْنَ رَسُولُ اللهِ؟ قَالَتْ: عَلَيْكَ عَهْدُ اللهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا تهيجه بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَتْ: فَإِنَّهُ فِي دَارِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ فِي دَارٍ عِنْدَ الصَّفَا، فَأَتَيْتُ الدَّارَ وَحَمْزَةُ وَأَصْحَابُهُ جُلُوسٌ فِي الدَّارِ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَيْتِ فَضَرَبْتُ الْبَابَ فَاسْتَجْمَعَ الْقَوْمُ، فَقَالَ لَهُمْ حَمْزَةُ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ. قَالَ: وَعُمَر بْن الْخَطَّابِ؟ افْتَحُوا لَهُ الْبَابَ فَإِنْ أَقْبَلَ قَبِلْنَا مِنْهُ، وَإِنْ أَدْبَرَ قَتَلْنَاهُ. فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا لَكُمْ؟» قَالُوا: عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ. قَالَ: فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِمَجَامِعِ ثِيَابِهِ، ثُمَّ نَثَرَهُ نَثْرَةً فَمَا تَمَالَكَ أَنْ وَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَ: «مَا أَنْتَ بِمُنْتَهٍ يَا عُمَرُ؟» قَالَ: قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. قال: فَكَبَّرَ أَهْلُ الدَّارِ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ. قلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتْنَا وَإِنْ حَيِينَا؟ قَالَ: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ عَلَى الْحَقِّ إِنْ مُتُّمْ وَإِنْ حَيِيتُمْ». قَالَ: فَقُلْنَا: فَفِيمَ الِاخْتِفَاءُ؟ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَتَخْرُجَنَّ. فَأَخْرَجْنَاهُ فِي صَفَّيْنِ؛ حَمْزَةُ فِي أَحَدِهِمَا، وَأَنَا فِي الْآخَرِ، لَهُ كَدِيدٌ[11]كَكَدِيدِ الطَّحِينِ، حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَنَظَرَتْ إِليَّ قُرَيْشٌ وَإِلَى حَمْزَةَ، فَأَصَابَتْهُمْ كَآبَةٌ لَمْ يُصِبْهُمْ مِثْلَهَا، فَسَمَّانِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ الْفَارُوقَ، وَفَرَّقَ اللهُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ»[12]. فهذه بعض الروايات التي جاءت في قصة إسلام عمر، وهناك غيرها الكثير في كتب السيرة والتاريخ، والحقُّ أن كلَّ رواية على حِدَة تعاني ضعفًا في سندها من وجه من الوجوه، أو من عدَّة وجوه، ومع ذلك فلا بُدَّ أن ننظر إلى الملاحظات الآتية قبل أن نردَّ هذه الروايات المتعدِّدة. الملاحظة الأولى: أنَّ القصة جاءت من طرق مختلفة؛ فقد روى حديثَ أسلم رضي الله عنه مولى آل عمر البزارُ والطبرانيُّ وأبو نعيم والبيهقيُّ، وروى الدارقطنيُّ القصةَ من حديث أنس رضي الله عنه، ورواها كذلك ابنُ عساكر والبيهقيُّ عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأبو نعيم عن طلحة وعائشة رضي الله عنهما، كلهم عن عمر نحوه، فهذه الطرق الكثيرة تُؤَكِّد أن للقصة أصلًا، وهي طرق يُعَضِّد بعضها بعضًا، وهو ما جعل الزرقاني رحمه الله في شرحه للمواهب اللدنية يُؤَكِّد أنَّ هذه القصة كانت سبيل إسلام عمر[13]. وإلى هذا ذهب مجدي فتحي السيد -أيضًا- في تحقيقه لسيرة ابن هشام[14]. الملاحظة الثانية: أنَّ الضعفاء في سند هذه الروايات ليسوا متَّهمين بالكذب أو الوضع، فعلى سبيل المثال نجد أن أحد عِلل هذه الروايات هو أسامة بن زيد بن أسلم، وهو فعلًا ضعيف؛ ولكن من جهة سوء حفظه، وهذا لا يعني أنَّ القصة التي يرويها لم تحدث أصلًا؛ إنَّما يعني أنَّه قد يكون بها بعض الألفاظ التي لم يقلها شيخ أسامة، وشيخ أسامة هو أبوه زيد بن أسلم، وهو عالمٌ ثقةٌ ثبت من المفسِّرين المعروفين، وبالإضافة إلى ذلك فهناك علماء كبار مثل ابن ماجه وابن المبارك رووا عن أسامة بن زيد مباشرةً، دلالةً على قبولهم لروايته، وأنَّه لم يكن في أعينهم شديد الضعف، ولقد قال عنه الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء: «رجلٌ صالحٌ ضعَّفه أحمد بن حنبل وغيره لسوء حفظه»[15]. ونقل ابن حجر رحمه الله أنَّ عثمان الدارمي قال عنه: «ليس به بأس». وأنَّ أبا حاتم قال عنه: «يُكْتَبُ حديثُه ولا يحتجُّ به»، ولكن يبدو أنَّ هناك خَلْطًا عند ابن حجر بين هذا الراوي وراوٍ آخر هو أسامة بن زيد الليثي[16]. ومع ذلك فقد قال ابن عدي عنه: «لم أجد لأسامة بن زيد حديثًا منكرًا لا إسنادًا ولا متنًا، وأرجو أنَّه صالح»[17]. وليس معنى كلِّ ذلك أنَّه مقبول الحديث؛ ولكن أقول: إنَّه يحتاج إلى رواياتٍ أخرى من طرقٍ أخرى تُعضِّد روايته، وهذه هي الحال في موقفنا عند الحديث عن قصَّة إسلام عمر. وضعيفٌ آخر من الضعفاء في هذه الروايات هو القاسم بن عثمان البصري، فبينما قال العقيلي عنه في «الضعفاء»: إنَّه لا يتابع على حديثه[18]. ذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: «ربما أخطأ»[19]. هذه الملاحظة لا ترفع هؤلاء الضعفاء إلى درجة الصحَّة؛ ولكن لا تجعلنا نتشدَّد في رفض الرواية؛ خاصَّةً إذا رأينا اجتماعهم من طرقٍ مختلفةٍ على ذكر الرواية نفسها، وبالنسق والترتيب ذاتهما تقريبًا. الملاحظة الثالثة: أنَّ عامَّة العلماء الذين كتبوا في حياة الصحابة أو السيرة النبويَّة قد استراحوا إلى ضمِّ هذه القصة في كتبهم؛ نذكر منهم على سبيل المثال: ابن حجر في الإصابة، وابن عبد البر في الاستيعاب، وابن الأثير في أسد الغابة، وابن الجوزي في المنتظم، وابن كثير في البداية والنهاية، والسهيلي في الروض الأنف، والصالحي الشامي في سبل الهدى والرشاد، رحمهم الله جميعًا، وغيرهم كثير[20]. الملاحظة الرابعة: فهي أنه ليس لدينا قصة أخرى بديلة مشتهرة تناقض هذه الرواية، أو تُوَضِّح لنا أمرًا مخالفًا لها، مع الأخذ في الاعتبار أن إسلام عمر ليس أمرًا بسيطًا من أمور السيرة؛ بل هو محطة تحوُّل، وحجر زاوية في الطريق، ولو كان الأمر خلاف هذه القصة لذاعت القصة الحقيقية؛ لأن جميع التابعين كانوا سيسألون الصحابة عنها، فسكوت الجميع عن مثل هذا الحدث يُطمئِن النفسَ إلى أن القصة المشتهرة صحيحة، ولو اختلف فيها بعض الألفاظ عن الحقيقة. الملاحظة الخامسة: هي أنَّ القصة لا تتنافى مطلقًا مع ما نعرفه عن أحداث المرحلة، ولا تتنافى مع ما نعرفه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أو غيره ممَّن وردت أسماؤهم في القصة، وبالتالي فقبول معاني القصَّة أمرٌ منطقي، ويُمكن أن يُفَسِّر لنا ما خفي علينا في أحداث هذه المرحلة. الملاحظة السادسة والأخيرة: فهي أنَّ الألفاظ التي جاءت في الروايات المختلفة هي ألفاظٌ قريبةٌ جدًّا؛ بل متطابقة مع الألفاظ التي كانت تُستخدم في ذلك الزمن، وطريقة الحوار كذلك، والتعليقات والإشارات، وكل هذا يُوحي بصدق الرواية، فليس فيها لفظٌ منكر، أو شيءٌ تشعر النفس معه بالكذب أو الوضع، ممَّا يُطمئن القارئ للرواية أنَّها حدثت على هذه الصورة، أو قريبًا منها.. وعمومًا فإنَّنا لا نأخذ من هذه القصَّة أحكامًا فقهيَّة معيَّنة؛ إنَّما فقط نستلهم بعض الطرق الدعويَّة، وبعض الدروس التربويَّة، وهي كلُّها غير متعارضة مع ما نعرفه من كلام رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، أو سلوك الصحابة رضي الله عنهم، فلا ضير -إن شاء الله- من الاستعانة بهذه القصَّة برواياتها المتعدِّدة..