ديوان "صحراء في الميترو" في ندوة مقدسية
تاريخ النشر: 08/03/14 | 23:47ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان "صحراء في الميترو" للمهندس المقدسي اشرف الزغل، الصادر عام 2013عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وتقع المجموعة التي صمّم غلافها الفرنسية كيتي سباتير في 168 صفحة من الحجم المتوسط.
بدأ النقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر فقال:
في البحث عن الذات والوطن في دنيا الخراب
… ما الذي أتى بالصحراء إلى الميترو
في كندا البعيدة جغرافيا وثقافيا حمل الشاعر (أشرف الزغل) صحراءه العروبية الشرقية إلى صقيع بلاد (الأحذية) والكلاب الناعمة…..
في ديوانه الجديد (صحراء في الميترو) يقدّم الشاعر (أشرف الزغل) رؤيته ورؤاه للتاريخ والجغرافيا والموروث، وللغربة والوطن، وللذات والآخر، ولا ينسى الإشارة لأشخاص مبدعين ذوي تأثير على موهبته وتشجيعه في المضيّ على دروب القول والتعبير عن الذات والآخر.
من هنا جاء (توثيقه) الجميل ذو الرؤية البيّنة لحسين البرغوثي وبابلو نيرودا في قصيدة ذات ثلاث زيارات/ لقطات. إنه الوفاء لمن يستحق الوفاء ممن لا يتنكّر لمعلميه وأصدقائه الذين تستحضرهم الغربة بقوة، وتحضرهم حالات الاغتراب بثقة.
في قصائده القصيرة التي التقط فيها الشاعر تأوهات ولمس عذابا وأطلق زفرات غضب وتمرد في مسعى لإيجاد البديل للواقع المشوّه، يلمس القارئ المحاور الرئيسة التي أقام الشاعر معماره المضموني ورسائله عليه.
من هنا يجد القارئ بوحا وتلميحا يستشف من بين السطور والصور لاغتراب الشاعر الذي يمثّل جيله ومثقفي الوطن، وشكوى من الغربة، وإشارات إلى الضياع، وسعيا محموما ملحاحا بحثا عن الذات لتجد لها مكانا يليق. أما الوطن فهو الحاضر الدائم بناسه وتاريخه وغربته.
ومما يلفت النظر تكرار الشاعر لألفاظ بعينها تأخذ معناها من السياق العام لكنها تمثل مرتكزا في لغته الغاضبة. من هنا كرّر لفظة (الحذاء)،والصحراء، والكوابيس، والمعاني اللامعقولة في سورياليتها التي تشير إلى لا معقولية الواقع الذي يحياه الإنسان المعاصر.
الاغتراب ولا معقولية الواقع هما اللذان يدفعان الشاعر ليواصل بحثه عن ذاته الخاصة والجمعية بأسلوب قوي الدلالة والسبك اللغوي. فلا عجب والحالة هذه أن نجده وقد راجع أخلاقيات القبيلة وعاداتها وما تؤمن به من أساسيات هي مدعاة لمنع تفتح المرء وصياغة رؤاه بحرية.
وجاءت لغة الشاعر محمّلة بدلالات وإيحاءات وهي تتناص مع لغة أخرى ومواقف وإحالات.
هذا ديوان جديد لشاعر يدري ما يريد ويصرّ عليه بإلحاح يأخذ في كل مرة لغة جديدة.
وقال جميل السلحوت:
جاء على الصفحة الثانية تصنيف للكتاب بأنّه "شعر عربي معاصر"، وأعتقد أن هذا تصنيف من الناشر، وهذا يجعلنا نتساءل عن ماهية هذا التصنيف، هل هو تصنيف تاريخي أم ماذا؟ وان لم يكن كذلك فما المقصود منه؟
فهل للشعر العربي"المعاصر" ميزات تختلف عن الشعر العربي في مراحل سابقة، أم هو اشارة الى قصيدة النثر؟
وقصيدة النثر تضعنا في جدلية الموقف منها، فهل هي قصيدة أم نصّ نثري، ولن نخوض في ذلك كثيرا لأن "قصيدة النثر" ترسخت كصنف أدبي كتب فيه كثيرون، منهم الراحلان محمد الماغوط وأنسي الحاج، كما كتبها شعراء كبار مثل سميح القاسم وأدونيس وغيرهم، وما كتابتهم لها الا اقرار بها كصنف أدبي. غير أنه يجدر التنويه بأن لقصيدة النثر شروطها، ومنها الايقاع والموسيقى الداخلية، ولو لم تكن لها شروطها لكان كلّ كلامنا شعرا.
وعودة الى "الى صحراء أشرف الزغل في المترو" حيث جاء النص الأول تحت عنوان" كوميديا الشهوة" والكوميديا تعني الملهاة، وهي نوع من التمثيل المسرحي الذي يبعث السعادة في النفس، ويميل الى الاضحاك. وقد استغل الكاتب أكثر من موروث عربي ليضحك منها، أو بالأحرى ليسخر منها، فسخر من العقل العربي الذي يتغنى بالحوريات فيما بعد الموت، معتمدا بشكل غير مباشرعلى نصوص "دينية" موضوعة.
"على الطريق الصحراويّ
خيمة تسعى
وجرار من اللبن والعسل على الوتد
ستائر سوداء
تخضع بالقول
الجنة خلفها
وسبعون حورية فوق النخل"ص7
ونلاحظ أن العربي الذي يسكن خيمته في الصحراء- "خيمة تسعى" وهنا استعارة جميلة، فالسعي من صفات الأفاعي، والخيام هي بيوت العربان- يمنّي نفسه بجرار من اللبن والعسل، ويرضى بما هو فيه، لأنّه يؤمن بأنه ستكون له سبعون حورية في الحياة الآخرة. وهذا هو التفريغ المضحك للشهوات الانسانية.
ثمّ يستغل أسطورة قيس بن الملوح وحبّه الجنوني لليلى، فيقول:
"على الطريق الصحراوي
ليلى تجرّ رأس قيس على الاسفلت
………….."ص7
ومع أن أساطير وملاحم الحب عرفت في ثقافات الشعوب الأخرى ومنها"روميو وجولييت"، الا أن الشاعر هنا استغل قصة"مجنون ليلى" لانتقاد "كبت الشهوات" عند العرب. لأنهم لو تم زواج قيس من ليلى لما كانت مأساة حبهما. لكن" خلفي القبيلة تحمل قلب قيس ورأسي". أيّ أن عقلية القبيلة التي وقفت ضد اكتمال عشق قيس لليلى لا تزال قائمة. فالى أين وصلنا؟ فيجيب:
عمّتي النخلة… تحمل وعاء ليلى… وماء قيس…في عرق البلح… وتحمل أهلي… فوق النخل… فوق"ص8. وهذا يعني أن ثقافة الصحراء القائمة على الخيمة والنخل وأمنيات النفس بالحور العين لا تزال قائمة، وكأنّي بالشاعر هنا يقول، إن من يحلمون بسبعين من الحور العين، يمنعون العشق في الحياة الدنيا.
أمّا في قصيدة "زيارات" التي يهديها الى روح حسين البرغوثي، فيستغل الشاعر فيها حياة الراحلين بابلو نيرودا وحسين جميل البرغوثي بما يشبه المقارنة، فنيرودا شاعر تشيلي العظيم -1904-1973 من اعظم شعراء الاسبانية، وحاز على جائزة نوبل عام 1971، كان مفكرا ماركسيا ودبلوماسيا، وحسين البرغوثي مايو 1954-1 مايو 2002- كان شاعرا وناقدا ومفكرا وفيلسوفا كلاهما عاش ظروف فقر وحرمان، وكلاهما عاش مأساة في آخر أيام حياته، فنيرودا مات بائسا بعد انقلاب العسكريين على صديقه الرئيس سلفادور الليندي، وقتلوه مع مئات الآلاف من أبناء شعبه، وعندما قاموا بتفتيش بيته سألوه عن سلاحه، فأجابهم" الشعر سلاحي". وحسين البرغوثي مات حزينا بعد أن منع المحتلون ادخال دوائه الذي يأتيه من بيروت، مع أن سلاحه هو الآخر كان الشعر والفكر. وذلك بعد اجتياحهم للمدن والبلدات الفلسطينية وقتلهم وجرحهم للآلاف من أبناء شعبه، وكلاهما أبدع بشكل لافت، فهل حلّ البرغوثي عندما رحل ضيفا على نيرودا؟
"يأتي نيرودا بالقهوة…ينظر حسين في فنجانه…يبتسم…ويختفي"ص60.
وفي الزيارة الثانية ص61 نرى مدى تعلق اشرف الزغل بأستاذه الراحل حسين البرغوثي، فيقتبس بعضا من كتابه"سأكون بين اللوز" وكأني به يرثيه، ولا يريد أن يصدق بأنه قد رحل.
وفي قصيدة "هايكو فيثاغورس" ص119 نرى مدى تأثر شاعرنا بنظرية فيثاغورس في الرياضيات، ويحاول ان يسحبها على البشر، ولا غرابة في ذلك فالزغل مهندس، والرياضيات اساس العلوم؟
وفي قصيدة "جاء المسيح، ذهب المسيح"ص27 نلاحظ بأن الشاعر قد تخلى عن لغته الشعرية، في عيد الميلاد، وكتب لنا ما يشبه الخبر:
"ثلج على الطرقات…ملح على الطرقات… موسيقى على الطرقات… جاء سانتا،ذهب سانتا…جاء المسيح… ذهب المسيح… ذهبوا ولم يتبعهم أحد"ص29. واذا ما علمنا بأن الشاعر الشاب يعيش في كندا، فاننا سنلاحظ أنّه كتب بتجرد عما يراه في اعياد الميلاد، حيث تغطي الثلوج الطرقات، وترش البلديات الأملاح الخاصة في الشوارع لاذابة الثلوج، وسانتا كلوز يوزع الهدايا على الأطفال. فما الجديد هنا؟ وأين الشعر؟
وقال عبدالله دعيس:
ينصّب الشاعر أشرف الزغل نفسه قاضيا، فيقوم بمحاكمة الشرق محاكمة غير عادلة على منصة غربية، فيبدع في جلد الذات والانتقاص من واقع يعيش بعيدا عنه، مقارنا له بواقع آخر يعيش فيه، غاضا الطرف عن عيوب الأخير.
في هذا الديوان المكون من مجموعة من قصائد النثر الرمزية والتي يكتنفها الغموض، يحتار القارئ بين كون الغموض ضروريا للرمزية الشعرية، ودعوة للتأمل والبحث عن شيء وراء النص، وبين كونه مقصودا لذاته. يحاول الشاعر أن يتفرد بلغته بعيدا عن المباشرة والوضوح لخلق عالم يختلف عن العالم الحقيقي، ويقوم بالتعبير عن أفكاره ومشاعره بواسطة الصور التي يبدع في رسمها والرموز التي يحسن اختلاقها، متخليا عن موسيقى الوزن والإيقاع، دافعا القارئ لإعادة قراءة كل نص مرات ومرات باحثا عن المعنى المطمور خلف السطور، دون أن يمتعه أو يخاطب روحه بأي نسق. ويبحث القارئ عن تلك الموسيقى الداخلية التي تعتمد على تتابع الصور، فلا يجد إلا الابهام والضبابية.
تبدأ الرحلة مع عنوان الديوان (صحراء في المترو). فالصحراء هي رمز للشرق بما يحمله من ألم وحرمان، أما المترو فهو الغرب وما يرمز إليه من رقي وتقدم وحركة.
يركز الشاعر على التناقض الموجود في الشرق، ويعبّر عن هذا بوضوح في مجموعة قصائد (كوميديا الشهوة) حيث يقلب الموازين، فيجعل الخيمة تسعى والجِرار تتأرجح على وتد. ثم يظهر الألم الذي يعشش في الشرق، وقسوة العشق وقسوة الناس حيث ليلى التي تجر رأس قيس على الإسفلت. فالشرق، بلاد اللبن والعسل، لا يمنح إلا الألم والقسوة والحرمان. ثم ينتقل من الشرق مباشرة إلى الغرب حيث لا مكان للألم. يطوف الألم باريس ويبحث في جنباتها، لكنه لا يجد له مكانا يلتجئ إليه.
هكذا ينظر الشاعر المغترب لبلاده. فالأمور مقلوبة في الشرق حيث يرقد الألم، بينما يترفع الغرب بحضارته وإنسانيته على شقاوة الشرق وتخلفه وجفائه. فالشرق يمجّد سفك الدم ويسميه ربيعا، بينما الدم في الغرب هو الخريف.
الدم الذي على العشب هنا يسمى خريفا
"والدم الذي على العشب هناك يسمى ربيعا." ص 13
يبحث الشاعر عن هويته وذاته، التي يحاول أن يجدها في الغرب، فيستحضر كل ما هو مظلم ومؤلم في بلاده، فينشأ عنده صراع بين رغبة التفكير في الوطن ورغبة الاستقرار في الغربة. فيسارع إلى انكار شوقه للوطن" ويدفع به بعيدا حتى عن أفكاره. كالشبابيك تود أن تعود رمالا على الشاطئ" لكنها لا تبرح مكانها خلف الستائر (من قصيدة ذات وذات ص 16). وأحيانا يحس أنه لا فائدة من بقائه بعيدا، كالخيمة التي تمطر داخل البئر، لكن محاولته التفكير بالعودة ترديه قتيلا على سكة القطار. (ذات أخرى ص 18)
واضح من قراءتنا لقصائد الشاعر أشرف الزغل، أنه يعيش صراعا مع ذاته. فهو قد تنكر لمعتقداته وقناعاته التي نشأ عليها، وتبنى أفكارا غريبة عن واقع وطنه ودينه وثقافته الأم. ويبدو أن قناعاته المستحدثة لم تستطع أن تمحو ماضيه، فيجد نفسه في مهب الريح التي عصفت بحواسه" فعادت مختلفة ذات قناعات مغايرة. ويستدرك الشاعر مضي الحياة سريعا كالقطار الذي يتركنا في المحطة. ويعود ليتمنى استقرارا نفسيا على قناعته القديمة بحلوها ومرّها، وتتوق نفسه إلى إيمان بها دون ريبة، كإيمان الأطفال في المعابد، ويشبه شروده عن أصوله بالغجر الذين يجوبون الدنيا ولا يعرفون طعم الاستقرار. ويؤكد على نفس المعنى في قصيدة (يد حمراء ص 43) حيث يتوق لمصافحتها، رغم تضرجها بالدماء، ويود أن يرتمي في أحضانها لكنه لا يستطيع.
يعزف الشاعر على الكثير من التناقضات: التناقض بين حب الطويل والقصير، بين الرغبة في الحياة وتمنى الموت، وبين الحب والقسوة، والتناقض بين فرحة العيد والمتاعب التي تأتي بعده. وتغمر الشاعر الحيرة عندما يفكر في القداسة، فالقديس باتريك ينشر الفرح في عيده، وبوذا الماكر يعلمه طبائع الحب الإلهي، لكن الشياطين هي التي تستأثر به في النهاية وتقوده. ويستخف الشاعر بالعلم والثقافة في بلده حيث الكتب نوعان لا فائدة من كليهما، ويستنتج الشاعر أن الحياة كلها كذب وخداع مستمر.
يقوم الشاعر بتوظيف الأسطورة في بعض قصائده، واستحضار شخصيات دينية وتاريخية وأدبية، ويستخدمها لإبراز التناقضات التي تتقاذفه، ويطعّم قصائده أحيانا بنصوص مستوحاة من القرآن الكريم. مثلا: تخضع بالقول (صفحة 7) ستعجب الزراع ص 48"
وفي الختام فإن الشاعر الزغل، ابن القدس وابن فلسطين، لا يظهر للقدس ولا لفلسطين أي أثر في قصائده، التي تعبر عن نفسية مضطربة وتناقض مع الذات، وتنكر لأصوله وانبهار ممجوج بالحضارة الغربية.
وقال راتب حمد:
يحلق الشاعر أشرف الزغل مع بداية قصائده بالديوان من الاسم الذي يوحي بالتقدم والبيئة المثقفة القارئة، من خلال المترو الى الطريق الصحراوي والخيمة واللبن والعسل والوتد، وكأنه يعود الى ربوع وطنه "الارض التي تفيض لبنا وعسلا " الى الوطن العربي والثقافة العربية الاسلامية، فالنخل والحوريات وقيس وليلى، لينتقل الى الباتوموش وشوارع باريس
وثقافتها، وإن كان يصف هذه الثقافة بالقذارة حين يذكر… عن عاهرة طيبة… ونبيذ رخيص، وفي القصيدة "ذات" يصور الطرق بالمدينة الضيقة والعصافير بالكلاب، والشجر باللون السماوي تغيير بالمفاهيم خارجة عن المألوف، ولكنه ما زال يحن الى وطنه "خذني الى وطن اعرفه ص16" وذات اخرى أجدها تهرب من واقعها بزجاجة نبيذ ص18-19 شاعرنا الزغل ينقلنا في بعض الاحيان الى بيئة غير بيئتنا، راقصة التعري ص23 فهو يجنح بعيدا الى عمق الكلمات لا الى الشاطئ، لينقلنا الى كندا والغرب بمفاهيم الكاس، والنبيذ والسانت كلوز.
ومن خلال القراءة نجد شاعرنا وهو ينقل لنا ثقافة الغرب، كندا وهو ما يعيشه هناك، وقد أحببت أن يحملنا أشرف إلى هنا لأن الاحساس سيكون أعمق للقارئ على أقل تقدير، فأنا أجد الابداع والبلاغة لصاحب اللغة عندما يكتب شعرا ونثرا فهو أقدر أن يطوع اللغة، وهو اقدر على التذوق ونقل هذا للآخرين، فظروف الشاعر هناك وطبيعة الحياة مختلفة بكل خطواتها عن ظروف الحياة هنا، فما بالكم اذا كنا بالقدس وها هو شاعرنا يسأل "هل اللغة حاسة الحواس ص35 " ونحن نقول نعم بل هي الإحساس كله.
في قصيدة جوع ص109 يدخل الشاعر الى الاعماق ليصور معنى الجوع يزحف الى بلده بل الى جميع الجهات، ولكنه يشوه الصورة في متنزه البلدة ليقول ليتني كلبة…ولأنني كنت صائما… تطوع الشيطان بالمهمة ص110 وبين مشهد وآخر تطير المناديل، وتركض نحو الملائكة التي لا تعرف نفسها.
قصائد رقمية / فيثاغورسية تظهر تأثر شاعرنا بالرياضيات، وهو يقول كلنا رقم وهكذا أصبحت أسئلة يطرحها الشاعر، ليعطي كل رقم لون وشكل وخط ومثلث ودائرة، ليؤكد أننا نعيش على هذه الارض وكأننا أصبحنا أرقاما، حتى لو أختلفت أشكالنا وألواننا ليخرجنا الى زاوية الفكرة ص126
صورة أعجبتني بقصيدة "عائلة ص139" يصور الحال المعكوس والحالة، والثقافة رجال بمكانس ونساء بهراوات، وطفل يشرب الويسكي ويضحك، وهو يضحك على حالنا المعكوس وثقافتنا المستوردة.
ومهما يكن والى أيّ لون سيطير شاعرنا عندما يخرج من هنا أو هناك، إذا كان يتحدث عن هناك لأنه سيترك البلاد، سيترك الخير والماشية، والعسل واللبن سيترك كل شيء ليخرج بجبته "سأخرج بجبتي كما أنا بلا إكليل وبلا حصان مجنح ص150 " وكأني به يرفض الحياة هنا أو هناك، لانه يعيش اللون الذي يريد وكما يريد.
وقالت رائدة أبو صوي:
هذا ديوان شعر من نوع آخر، بداية في الغلاف الذي يحمل اسم الصحراء ونقلها في المترو الذي يحمل نفس صفات الصحراء، من حيث الحرارة والكبت النفسي في المترو،كان موفقا في اختيار هذا العنوان لشاب عربي انتقل للعيش في الغربة، له اسلوب فلسفي جميل في طرح الافكار، بحيث ينقلنا من فكرة الى فكرة، والجميل بأفكاره أنّها ذات طابع غربي وشرقي متداخلين، ويحاول الشاعر قلب الكثير من الافكار، ووضعها في قالب آخر. الديوان يحتوي على عنصر التشويق بحيث يُقرأ، وكل مرة يقرأ بها تجد فكرة هنا وفكرة هناك، في ص 7 اعجبني وصف الشاعر للطريق الصحراوي والخيمة التي يوجد بها اللبن والعسل، ولمح الى الجدران بأنها ستائر سوداء، وأحضر الحوريات ووضعهن فوق النخل، ليلى تجر قيس على الاسفلت ورأس قيس يقدح شررا. كم هي مؤثرة هذه الصورة، صورة بلاغية ترمز الى الشباب العربي متمثلاً في قيس، وهم يركضون وراء لقمة العيش والغبار يملأ جباههم ورؤوسهم، كلما قرأت الديوان أكثر اشعلت في ذهنك أكثر من سؤال. ذكر الحذاء رمز للشقاء الفلسطيني. ذكر هلوين وفيتاغورس وفانتازيا ونوستالجيا وأحدب نوتردام…ما أروع ما كتب في صفحة 126 كلنا مثلث نعد اضلاعنا (قمة في الابداع)حين نخرج من زوايا الفكرة. كلنا رقم. ص 139 طرح قضية بعض الأسر العربية التي لا تعرف كيف تتعامل مع الأبناء، الأمّ مشغولة والأب مشغول، والأدوار معكوسة الرجل يحمل المكنسة والأمّ تحمل الهراوة، والاولاد تائهون، كل الاحترام للشاعر الدكتور اشرف واتمنى له مزيد من الابداع.
وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم:عماد الزغل، ماجدة البطش، وسامي الجندي.