طريق الملايات
تاريخ النشر: 09/03/14 | 0:42ويسألني طالب المدرسة الثانوية: لماذا سميت طريق الملايات في بلدي باقة بهذا الاسم؟!
ويستطرد قائلا: أعرف طرقا عدة تحمل أسماء أفهمها وأعرف لماذا سميت.. طريق الحرير والعطور. طريق الشاطئ. طريق وادي الملح. طريق المسطرة. فهل لك أن تحلّ لي لغز طريق الملّايات؟!.
ابتسمت في وجهه وقلت: وهل من لغز حول هذه التسمية؟! المعنى واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.. هي الطريق التي سلكتها الملايات في غدوهن ورواحهن وهن يحملن جرار الماء على رؤوسهن في الذهاب إلى بئر باقة ومن ثم الإياب منه.. وملايات جمع مؤنث سالم لكلمة ملاية، أي التي تملأ وتعبئ جرتها، أو أي وعاء آخر بالماء من بئر باقة والتي كانت تقع إلى الغرب من القرية عندما كانت القرية عبارة عن كتلة واحدة من البيوت وكانت الطريق المؤدية إلى البئر تسمى بطريق الملايات لكثرة ما استعملتها نساء وفتيات القرية وعلى مدار الساعة تقريبا لافتقار القرية ولستة عقود خلت من شبكات المياه إلى داخل البيوت والأحياء وكان المصدر الوحيد للمياه آنذاك بئر باقة وبئر بورين والينابيع المنتشرة حول القرية كعين الحاجة نفيسة وعين المصطبة وعيون البصة والطيون والدرادس ومنطقة العيون (حيث اليوم مسجد أبي بكر)… وكانت مياه الآبار وهي معدنية ومن ينابيع على عمق لا يقل عن ثلاثين مترا ومياه العيون أو الينابيع هي مصدر الحياة بل هي الحياة بعينها، واستعمالها متنوع وحيوي جدا: للشرب وللغسل والغسيل والاستحمام والوضوء والطبيخ، وسقي المواشي والبهائم والطيور وجميع الحيوانات المنزلية والحدائق والمشاتل والبساتين. باختصار ماء الحياة. "وجعلنا من الماء كل شيئ حي". صدق الله العظيم.
وعودة إلى طريق الملايات: وطريق الملايات في بلدي باقة ذات تاريخ عريق حافل بالذكريات والأحداث المثيرة تثير في نفوس من عايشها الحنين والشوق بما فيها من عبق الماضي، وكثيرا ما أثارت طريق الملايات مشاعر وأحاسيس الشعراء والمغنين والزجالين والحدائين، وكانت مصدر الهام وإيحاء لهم، وكانت طريق الملايات هذه كالمحج للعاشقين أو المقدمين على الزواج فكان الشباب يتحينون الفرص وينتحلون الأعذار ويتعمدون المرور من خلالها علهم يجدون ضالتهم ويعثرون على فتيات أحلامهم. وهنالك رواية سمعتها في حينه ممن عاصروها أن شابا "مشعوطا" هكذا كانوا يصفونه، كان يلقي بزجاجات العطر كاملة أو مهشمة تفوح منها الروائح العطرية المنعشة على طول طريق الملايات ومنهم من خفف من غلواء هذا العمل وقال أنه كان يرش العطر يوميا على طول طريق الملايات.
وكانت لبئر باقة مكانة خاصة كونها المصدر الأكبر والأول للمياه في باقة، أما بالنسبة للملايات فكان بمثابة النادي أو المنتدى النسوي الذي تجتمع حوله نساء وفتيات القرية يتجاذبن أطراف الحديث ويستعرضن أحداث القرية وأحوالها ويروين القصص والحكايات والنوادر والنكات، ويرددن الأغاني النسوية الحديثة والقديمة، ولبئر باقة بالذات كانت مكانة مميزة وخاصة للعرائس، فغداة دخلة العروس أو بعد عدة أيام من دخلتها، كانت ترد العروس بئر باقة حاملة جرتها المزدانة بالرياحين والورود والنقوش ترافقها كوكبة من الوصيفات
والقريبات والصديقات وحال وصولها وموكبها بئر باقة، تجلس العروس على حجر أملس
خاص على مقربة من البئر سماه أهل باقة "حجر العروس". يملأن لها جرتها ويصطحبنها في طريق العودة حتى بيتها.
وقد تطرق مؤرخ باقة السيد صبحي محمد خالد بيادسة في كتابه: "باقة الغربية تاريخ لا ينسى" إلى موضوع البئر وعيون المياه في باقة وهو يقرر أن بئر باقة حفرت وعلى عمق 35 مترا وعلى ما يبدو في العهد الكنعاني على الطريق التي تربط شمال البلاد بجنوبها وكانت تنتشل المياه العذبة بدلاء مربوطة بحبال طويلة.
أما البئر الأخرى فهي بئر بورين، فكان الرجال الكبار والشباب يرتادونها في المساء من أجل الاستحمام وغسل الملابس وتنظيف وغسل دوابهم.
(هناك من يعتقد أن بئر باقة وسلسلة من الآبار التي حفرت على طول طريق السلطانة – أي الطريق الرئيسية أو طريق الملك، مثل بير السكة (زيمر) بئر زيتا (زيتا) بير البوم (جت) بير السْيرَ (بين باقة وقفين) هي رومانية العهد).
ومن أغاني البئر والعين التي ورد ذكرها في كتاب السيد صبحي بيادسة نقتطف:
في السحجة:
مديت حبلي على هالبير ودليت كان صاد حبلي غزالي اللي تمنيت
يا واردة عالبير اسقيني بحنانك ما هي محبة عطش بدي ملاقاتك
عالندى يا واردات عالندى وأربع صبايا عاشقات الموردا
يا واردة عالبير جرّي هالحبل جرّي بحياة أبوك يا يا بنت عن دارنا تمري
عتابا:
يا نازلي عالعين الله يساعدك لا تحملي الجرةّ بتعب ساعدك
ن كنوا الهوا جبار بدي ساعدك خلي الهوا يبقى شراكة بيننا
ظريف الطول:
يا ظريف الطول نازل عالعيون والشعر الأشقر باهر هالعيون
جفرا:
جفرا يا هل ربع ع البير نشّالي ومزنرة بالكَمِر فوق الكمر شالي
بلكي بطيب الجرح من شربة الميا يا حاملي هالجرة حطيها واسقيني
ميجنا:
يا واردي عالبير تملي جرتك يا مكحلي لعيون ما أحلى جرتك
تمنيت اسكن في رحاب جيرتك صبح ومساء بتنظرك عيني أنا