على الطائر الميمون
تاريخ النشر: 03/05/17 | 0:08اليُمن هو البركة والإقبال، فهذا الرجل ميمون الطلعة، أي في ملامحه الخير والسعد.
نقول لأصحابنا قبل السفر إلى الخارج داعين: “على الطائر الميمون!”- أي وفق الله السفر، وجعله خيرًا وبركة!
خصصت اللغة الحديثة هذا الدعاء لمن يركب الطائرة من أحبائنا، فلاءمت وبحق بين الطائر والطائرة.
لكن التعبير قديم، وله أصل يتعلق بالطير، سأذكره فيما يلي.
قبل ذلك لنقرأ بعض أبيات الشعر التي استخدمت التعبير:
يقول الدارِمي في بيعة يزيد بن معاوية:
على الطائر الميمون والجَدُّ صاعد *** لكـل أنـاس طـائر وجُــدود
إذا المِنْبر الغربـي خـلاه ربـُّه *** فإن أمير الـمـؤمـنـين يزيد
يقول ابن الرومي:
على الطائر الميمون والسعدِ فاركبِ *** نجوتَ بإذن اللَّه من كل مَعْطَبِ
البَهاء زُهير:
على الطائرِ المَيمونِ يا خيرَ قادِمِ *** وأهلاً وَسَهلاً بالعُلا وَالمَكَارِمِ
ابن زَمْرَك:
على الطائر الميمون والطالعِ السعدِ *** قدمتَ مع الصنع الجميل على وعد
كان العرب يدعون للمسافر بأيمن طالع وأسرّ طائر، سهّل الله لك السير، ويسّر لك القصد، وطوى البعد بأيمن طائر وأسعد جدّ، على الطائر الميمون والكوكب السعد.
وأنشد شاعر:
فارحل أبا بشرٍ بأيمن طائرٍ … وعلى السعادة والسلامة فانزل
(المحاسن والمساوئ- البيهقي، ج1، ص 143)
زَجْر الطير:
كان العرب إذا خرجوا في سفر لحاجة، نظروا إلى ما يلاقيهم أول سيرهم من طائر، فكانوا يزعمون أن في مروره علامات يُمن وعلاماتِ شُؤم، فالذي في طيرانه يتجه يمينًا يسمى (السانح):
يقول ابن زَمْرَك:
وهنّئ الدين والدنيا على ملك *** بسعده الطائر الميمون قد سَنَحا
..
أما الذي علامته الشؤم فهو البَارح، وهو الذي يمر على اليسار، فيقول النابغة الذبياني:
زعم البوارح أن رحلتنا غدًا *** وبذاك تَنعابُ الغرابِ الأسود
..
إذا وجد السائر طيرًا جاثمًا أثاره لينظر أي جهة يطير، وتسمى تلك الإثارة زجْرًا، فمن الطير كما قلنا ما هو ميمون، والعرب يدْعُون للمسافر بقولهم «على الطائر الميمون» ، أو “فلان ميمون الطائر”.
ثم غلب استعمال لفظ (التطيُّر) في معنى التشاؤم خاصة، فيقال الطَِـيَـرة أيضًا، كما في الحديث
«لا طِيرَة وإنما الطيرَة على من تطيّر» أي : الشؤم يقع على من يتشاءم.
هناك من يسمي زجر الطير العِيافة، وهذه كلها كانت في زمن الجاهلية؛
فإذا أراد أحدهم سفرًا أو أراد تجارة- يزجر الطير، فإذا ذهبت جهة اليمين تيامن، وقال هذا سفر سعيد وسافر، وإذا ذهبت جهة الشمال تشاءم، وقال هذا سفر مشئوم فلا يسافر.
يبدو أن زجر الطير استمر ما بعد الجاهلية، وذلك بدليل قول المتنبي:
قد كنت أغنيتَ عن سؤالك بي *** مَن زجَر الطيرَ لي ومن عافا
إِذا اِمرُؤٌ راعَني بِغَدرَتِهِ ِ **** أوردته الغاية التي خافا
يشرح العُكْبَري البيت الأول، فيقول:
“زجر الطير والعيافة كانت العرب تقول بهما، فإذا نفّرت الطائر، فإن نفر عن يمين تفاءلت به، أو عن شمال تشاءمت.
المعنى: يقول المتنبي للعبد الذي قتله بسبب غدره:
قد كنتَ في غنى عن أعمال الزجر والعيافة في إقدامك عليّ، وتعرضك للغدر بي، وكان هذا العبد سأل عائفًا عن حال المتنبي، فذكر من حاله ما زيّن الغدر به، وقوله “سؤالك بي” يريد: عني”.
ب. فاروق مواسي