القاضي الشَّعبي وهل فُتِـن؟
تاريخ النشر: 02/05/17 | 11:00هو عامر بن شراحيل الحِمْيري، كان قاضي الكوفة. وهو راوية من التابعين، من رجال الحديث الثقات، وكان إلى جانب ذلك شاعرًا يضرب المثل بحفظه. اتصل بعبد الملك بن مروان فكان نديمه وسميره ورسوله إلى ملك الروم.
توفي سنة 104 هـ عن 84 سنة.
(عن سيرته انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر جـ 25 ، ص 350- 380)
عرف عن الشعبي طرافته، فكان من إصحاب الأجوبة المُسْكتة.
جاء رجل إلى الشعبي يومًا وقال: إني تزوجت امرأة، ووجدتها عرجاء، فهل لي أن أردّها؟
فقال له: إن كنت تريد أن تسابق بها فردّها!
لقي رجل القاضي الشعبي وهو واقف مع امرأة يكلمها في شأن.
فقال الرجل : أيكما الشعبي؟
فأومأ الشعبي الى المرأة، وقال: هذه!
أتى رجل إلى الشعبي فقال : ما اسم امرأة ابليس فقال : ذلك عُرس ما شَهدِتُه
لعل روح المرح التي اشتهر بها كانت سببًا لنسبة القصة التالية إليه- وهي عن تحيزه للمرأة الجميلة في قضائه:
حُكي أن جميلة بنت عيسى بن جراد، و كانت جميلة كاسمها وقفت مع زوجها للقضاء أمام الشعبي، فقضى لها.
ولكن الزوج هُذيل الأشجعي لم يقبل الحكم، وطعن في نزاهة الشعبي، واتهمه صراحة بأن جمال زوجته ومفاتنها كانت لها التأثير الكبير على قراره في حكمه، فأنشد الزوج:
فُتن الشَّعبي لمّا ** رفع الطرفَ إليها
حين ولَّت بدلال ** ثم هزَّت مِنكبيها
فـتـنـته بـقـَوام** وبخطَّيْ حاجبيها
و بَنان كالمَداري ** وبحسنِ مُقلتيها
من فتاة حين قامت ** رفعت مَأكَمتيها
كيف لو أبصر منها ** نحرَها أو ساعديها
لَصبا حتى تراه ** ساجدًا بين يديها
بنت عيسى بن جواد ** ظُلم الخصمُ لديها
فقضى جَورًا علينا ** ثم لم يقضِ عليها
قال للجِلْواز قدِّمـــ ** ـهـا وأحضر شاهديها
( القصيدة الكاملة تجدها في كتاب “نزهة المجالس” لابن عبد البَرّ في “باب النظر إلى الوجه الحسن”، أما الشعر فهو لهُذيل الأشجعي- في كتاب المرزباني: “معجم الشعراء”، وهو للمتوكل الليثي-ت. 704 م الذي عده ابن سلاّم في “طبقات فحول الشعراء” في الطبقة السابعة، وقد وردت الأبيات في ديوان الشاعر، ونُسبت له في “محاضرات الأدباء” للراغب الأصفهاني)
…
انتشرت هذه الأبيات وعلى ألسنة الولاة والامراء وصولاً إلى عامة الناس، فتغنّى بها الأطفال حتى إذا مرّ الامام الشعبي على بئر في البصرة وجد جارية تملأ جرّتها من الماء وهي تغنّي:
“قتن الشعبي لمّا ….. فتن الشعبي لمّا ….فتن الشعـ (تحاول تتذكر تكملة البيت)
فرد عليها الشعبي : رفع الطرف إليها .
علّق الشعبي قائلاً:
أبعده الله، أما أنا فما قضيت إلا بالحق.
وورد في كتب الأدب:
قال الشعبي: فدخلت على عبد الملك بن مروان، فلما نظر إلي تبسم وقال:
فتن الشعبي لما *** رفع الطرف إليها
ثم قال: ما فعلت بقائل هذه الأبيات؟
قال: أوجعته ضربًا يا أمير المؤمنين بما انتهك من حرمتي في مجلس الحكومة وما افترى به علي.
قال: أحسنت!
مرة أخرى: لعل روح المرح التي كان يتصف بها كانت سببًا في إلصاق هذه القصة به- وهو الفقية الذي عُرف بحزمه، وبعدله وبفضله.
(تفاصيل عن قضائه وأحكامه، وسيرته تجد في كتاب
الذهبي: سير أعلام النبلاء ج4 ص 296 وما بعدها.)
ب.فاروق مواسي