جرثومة! في معناها الأصلي
تاريخ النشر: 03/05/17 | 12:45عندما قرأت أبا تمام في بائيته المشهورة استوقفني البيت التالي:
خليفةَ الله جازى الله سعيكَ عن *** جُرْثومةِ الدين والإسلام والحسبِ
بحثت عن معنى “جرثومة” التي استغربتها بادئ ذي بَدء، فإذا معناها أصل كل شيء ومجتمعه.
ما أكثر استخدام هذه الكلمة في الشعر القديم، فهذا جرير يمدح عبد العزيز بن الخليفة الوليد:
يا آل مروانَ إن الله فضّلكم *** فضلاً قديمًا وفي المسعاة تقديمُ
قوم أبوهم أبو العاصي وأمهمُ *** جرثومة لا تساويها الجراثيم
تخيلوا لو قلنا لأحدهم اليوم إن أمك جرثومة لا تساويها الجراثيم، فهل نبقى سالمين؟
بل اسمع ما يقوله القاضي الذهبي في (سير أعلام النبلاء) – ترجمة الإمام محمد الأَبِيوَرْدِي في قصيدته التي يقول فيها :
جدّي معاوية الأغرّ سمَتْ به … جرثومة من طينها خلق النبي
ومن الشعر كذلك:
ابن الرومي:
خير جرثومةٍ وأنضر فرعٍ *** بين هذي وذاك أنجب عود
صفية الباهلية بعد أن فارقها زوجها:
كنا كغصنين في جرثومة بسقا *** حينًا على خير ما ينمى له الشجر
في تصفحي لأسماء الأعلام في كتاب ابن دريد (الاشتقاق) وفي كتب أخرى وجدت أسماء لشعراء منهم: جرثومة العَنْزي، عيسى بن أبي جرثومة، جرثومة بن مالك القريعي..
عدت إلى (لسان العرب) لأستفتيه، فوجدت أن ابن الزبير لما أراد أن يهدم الكعبة ويبنيها “كانت في المسجد جراثيم- أي كان فيها أماكن مرتفعة عن الأرض مجتمعة من تراب وطين، أراد أن الأرض لم تكن مستوية”.
يبدو أن تغيير الدلالة، بل إلغاء المعنى الأول تأتى بسبب هيمنة اللفظة على معنى (الميكروب) أو (الفيروس) في الطب.
في تقديري أن المعنى الجديد بدئ به في القرن التاسع عشر، وأن الدلالة الجديدة استُقيت من التجمُّع، فتجرثم الشيء في المعاجم= اجتمع.
وقد يكون لحديث علي- كرّم الله وجهه- الوارد في المعاجم أثر ما، فقد ورد على لسانه: “من سرّه أن يتقحّم جراثيم جهنّم فليقض في الجَدّ”.
جراثيم جهنم!!!
كنت أتساءل في بيت أبي تمام عن سر استخدام (الدين والإسلام)، أو ليس الدين في مفهوم الشاعر هو الإسلام؟
بحثت في ديوان أبي تمام المحقَّق فإذا بأكثر المخطوطات تذكر:
“جرثومة المُلك والإسلام والحسب”.
غير أن بقاء “الدين والإسلام” في البيت في بعض النسخ سوّغه بعضهم بأنه “بسط” وهو نوع من التأكيد.
عندما علّمت القصيدة ذكرت أن مثل هذا الاستخدام هو من باب عطف الخاص على العام، فـ “الدين” هو العام، والخاص هو “الإسلام”، وقد ورد مثل ذلك في القرآن الكريم:
{من كان عدوًا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين} –البقرة،98، فجبريل وميكال هما من الملائكة.
{تعرج الملائكة والروح إليه}- المعارج،4، من باب عطف الخاص على العام، إن أريد بالروح جبريل، أو ملك آخر من جنسهم.
ومثل هذا الأسلوب يُقصد به الاهتمام أكثر بالمعطوف، والتركيز عليه.
ب.فاروق مواسي